“ازدواجية معايير”.. لماذا لا يُجرّم الغرب “معاداة الإسلام”؟

“ازدواجية معايير”.. لماذا لا يُجرّم الغرب “معاداة الإسلام”؟

مع استمرار ازدواجية معايير الغرب تجاه الإسلام والمسلمين، تتسع موجة معاداة الإسلام وكراهية المسلمين، حتى وصلت ظاهرة “الإسلاموفوبيا” إلى مستويات خطيرة في الفترة الأخيرة.

فمنذ عقود، يتنبى الغرب خطابا يُجرم معاداة السامية وكراهية اليهود بعد “الهولوكوست” خلال الحرب العالمية الثانية.

والآن، فإن أجواء العداء السائدة بحق المسلمين، تستدعي إجراءً مماثلا، عبر سن قوانين تُجرم معاداة الإسلام.

لكن ازدواجية معايير الغرب تطرح تساؤلات حول الموقف من حرية التعبير في الإعلام عند الإساءة للإسلام، مقابل تجريم من يعادي السامية.

فلماذا لا يتم أيضا تجريم من يعادي الإسلام، خاصة وأن الإسلام واليهودية ديانتان سماويتان، وعدد المسلمين يفوق مليار ونصف المليار في أنحاء العالم.

تساؤلات ودعوات عديدة أُطلقت مؤخرا للتمييز بين حرية التعبير والإساءة للأديان، وبينها الإسلام، وهو ما دفع خبراء إلى الدعوة إلى سن قوانين تُجرم معاداة الإسلام.

كما أن السامية مصدرها واحد بالنسبة لشعوب المنطقة، إذ سُمِّي الساميّون بهذا الاسم نسبةً إلى سام، الذي ورد اسمه في كتاب التوراة في الإصحاح العاشر من سفر التّكوين؛ للدلالة على مجموعة من الأنساب المنحدرة من سام بن نوح.

وتضمّ المجموعة الأراميّين، والآشوريّين، والعبريّين، الذين كانوا يقيمون في شبه الجزيرة العربيّة، وبلاد الرّافدين، وسوريا، وفلسطين. ويتفق الباحثون على أن الساميّين أقاموا في البداية بالجزيرة العربيّة، ثمّ بدأوا بالهجرة منها بسبب الجدب.

وقُسِّمت اللغات السامية، حسب التوزيع الجغرافي، إلى شمالية شرقية تضم اللغة الأكاديّة وهي البابليّة والآشوريّة، وأخرى شمالية غربيّة وهي الأوغاريتية، والكنعانيّة التي تضم العبريّة، والفينيقيّة، والمؤابيّة، بينما قُسِّمت الجنوبية إلى عربية جنوبيّة وهي لغة أهل اليمن، وعربيّة شمالية هي اللغة العربية الفُصحى.

مكافحة معاداة الإسلام

خلال قمة حول الإبادة الجماعية التي وقعت في مدينة “سربرنيتسا” البوسنية عام 1995، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في رسالة مرئية الأحد: “يجب مكافحة معاداة الإسلام اليوم على غرار مكافحة معاداة السامية في أعقاب كارثة الهولوكوست، فالمسلمون الأوروبيون يتعرضون لتمييز ممنهج، ويتم انتزاع حقوقهم وحرياتهم”.

وتابع: “يجب أن يتوقف هذا المسار الخاطئ؛ نظرا لتهديده مستقبل البشرية وثقافة التعايش بين المعتقدات”.

“اللا إسلامية” وجهة نظر!”

فيما قال عمرو موسى، الأمين السابق لجامعة الدول العربية، عبر تدوينة على حسابه بـ”فيسبوك” الأحد: لا أفهم أن تكون “اللا سامية” جريمة، بينما “اللا إسلامية” وجهة نظر!”.

وأضاف: “ازدواجية المعايير آفة كبرى، والسياسات المنبثقة عنها وردود الفعل المترتبة عليها تدفع إلى أجواء من الصدام المتصاعد”.

وشدد على أنه “إذا استمر الموقف إزاء الإسلام شرقا وغربا، نكون في مواجهة تفسير أوسع، بل تأصيل وتأكيد لصراع الحضارات؛ ينتقل من طرح يتعلق بصراع بين الإسلام والغرب، إلى صراع مع مختلف الحضارات الأخرى”.

ودعا موسى إلى تجاوز الصراع عبر “إعادة تأهيل الفكر وتمكين صياغة محدثة للخطاب الإسلامي تتوجه إلى كافة الحضارات الأخرى وتتفاعل مع منطقها”.

وزاد بقوله: “طلب عاجل من الأجهزة الدستورية والقانونية في مختلف البلاد التي يعاني فيها المسلمون من التفرقة وسوء المعاملة، من السياسات مزدوجة المعايير، لرفع الظلم عنهم، وكذا تجريم إهانة الرمز الأعظم للدين الإسلامي ورموزه الكبرى”.

ذريعة حرية التعبير
أعرب علي باكير، كاتب وباحث لبناني، عن اعتقاده بأن “المشكل الأساسي في تعامل الغرب، وفرنسا تحديدا مع الإسلام كدين والمسلمين، هو المعايير المزدوجة، التي يتم تطبيقها من قبلهم تحت ذرائع مختلفة”.

وأضف باكير: “لا نرى مثل هذا الشيء مثلا عندما يتعلق الأمر بالديانات الأخرى أو إسرائيل”.

وأردف: “فأي انتقاد لإسرائيل (رسم، كاريكاتور، شعر، فن، كتابة، تاريخ، سياسة…إلخ) يتم تصنيفه تلقائيا على أنه معاداة للسامية ويتم مهاجمة صاحبه ومحاكمته، ولا يتم طبعا إدراج هذا النقد ضمن حرية التعبير أو حرية المعتقد أو حرية القيم”.

وتابع: “إذا كانوا صادقين في دعواهم، فعليهم أن يكونوا متسقين مع أنفسهم وأن يسنوا قوانين تحترم جميع الأديان والمعتقدات، وتجرّم التعدي عليها، بدلا من النيل من المسلمين تحت ذريعة حرية التعبير، لاسيما مع صعود التيارات النازية والفاشية واليمين المتطرف في أوروبا من جديد، بعد أن تسبب هذا الفكر بمقتل عشرات الملايين من البشر في حربين عالميتين”.

وزاد بقوله: “سن مثل هذه القوانين سيحد من تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب، ويمنع استغلال السياسيين لمعاداة الإسلام والمسلمين كورقة انتخابية، لكسب المزيد من أصوات المتطرفين، وتحريض الناس على بعضهم البعض، وزعزعة أمن المجتمع والدولة”.

إهانة المقدسات
أما نظير الكندوري، كاتب وباحث عراقي، فقال إن “العالم الغربي تعامل بإيجابية مع مطالبات اليهود بسن قانون يجرم معاداة السامية بعد الحرب العالمية الثانية، حينها شعر القادة الغربيون بأن سن مثل هذا القانون سيقلل من مشاعر الكراهية في المجتمع، ويحد من مشاكل اجتماعية عديدة”.

وأردف: “نجحت تلك التجربة في إعادة الاعتبار للأقلية اليهودية في الغرب، وساهمت في انخفاض مشاعر الكراهية التي كانت تكنها الشعوب الغربية لليهود، وقللت من المشاكل الاجتماعية”.

وأكد أن “المسلمين يتعرضون لشتى أنواع المضايقات في الدول الغربية، ما أدى إلى نشوء مشاكل اجتماعية كبيرة، بالإضافة إلى أن الاعتداء على المسلمين وعلى مقدساتهم لم يؤذ مشاعر المسلمين في الدول الغربية فحسب، وإنما جرح مشاعر المسلمين في العديد من البلدان الإسلامية، والتي يقدر عدد أفرادها بأكثر من مليار ونصف المليار”.

وحذر من أن “الاستمرار في تلك المضايقات وتعمد إهانة مقدسات المسلمين سينعكس سلبا على العلاقات بين الدول الإسلامية ودول الغرب، سواء سياسيا أو اقتصاديا”.

واستطرد: “يجب على قادة الغرب أن يعيدوا التفكير ويعملوا جديا على سن قانون يجرم الإساءة للإسلام، كما هو الحال مع تجريم الإساءة للسامية ومعاداتها”.

تحريض متعمد
تطرق الكندوري إلى الحديث عن حرية التعبير في الغرب بقوله: “هذا ادعاء أكثر مما هو حقيقة، والدليل هو أنهم يدافعون عن الإساءات المتواصلة للنبي محمد (صل الله عليه وسلم)، ويدافعون عمّن يتعمد هذا الفعل، وفي الوقت نفسه يغضبون حين يتعرض الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) للسخرية”.

واستطرد: “هذا ما رأيناه حينما سخر الرئيس أردوغان من الرئيس الفرنسي بسبب تصريحاته المسيئة للإسلام والمسلمين، وقال إنه يحتاج لمعالجة عقلية.. هذا يعني أن السخرية من نبي الإسلام كانت متعمدة ولا علاقة لها بحرية التعبير، فهم لم يتحملوا ما اعتبروه إساءة لرئيسهم”.

ويدافع ماكرون عن رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (صل الله عليه وسلم) نُشرت في فرنسا مؤخرا، معتبرا أنها تندرج ضمن حرية التعبير. وهو ما أثار موجة غضب بين المسلمين في أنحاء العالم وأطلق حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وتابع الكندوري: “نعتقد أن حرية التعبير والحرية الشخصية يجب أن تنتهي حينما تصل إلى حد الإساءة لمقدسات الآخرين، حينها لا تعتبر حرية، إنما تحريض متعمد على أمة كبيرة، مثل الأمة الإسلامية”.

واختتم حديثه بأن “هذا التحريض سيكون سببا لزيادة الخلافات الطائفية والعرقية والعنصرية في بلدان الغرب نفسها، وبالتالي فإن إقرار قانون يجرم معاداة الإسلام أو السخرية من مقدساته، يصب تماما في موضوع حق حرية التعبير واحترام المقدسات لجميع أفراد المجتمع”.

(الأناضول)