نازحو العراق بين معاناة المخيمات ومخاطر العودة القسرية

نازحو العراق بين معاناة المخيمات ومخاطر العودة القسرية

في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة العراقية التزامها بعودة النازحين وإغلاق كافة مخيماتهم قبل الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو المقبل، اتهمت منظمات حقوقية دولية ومحلية، الحكومة بإجبار النازحين على العودة القسرية إلى مناطقهم، قبل توفير مستلزمات أساسية مثل إعمار المدن المدمرة وتهيئة الخدمات فيها وضمان الأمان وعدم الملاحقة الأمنية، وسط تحذيرات من أن العودة القسرية، قد لا تنهي معاناة النازحين بل تفاقمها.

وعقب توجيه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، الوزارات بالعمل على وضع الخطط الملائمة لحسم ملف مخيمات النازحين بشكل كامل وإعادتهم إلى مناطقهم قبل الانتخابات، تحركت الجهات المعنية لتنفيذ خطة إغلاق ملف النزوح داخل العراق.

فقد أكدت وزيرة الهجرة والمهجرين، إيفان فائق جابرو، أنه سيتم إغلاق جميع مخيمات النازحين في العراق باستثناء تلك الموجودة في إقليم كردستان، منوهة إلى أنّ “الوزارة أعادت حوالي مليون و500 ألف نازح إلى مناطقهم” فيما ذكرت، أن “المخيمات المتبقية بلغت 37 مخيما سيتم إغلاقها وفق الجدول الزمني المحدد”.

ويذكر ان أكثر من 5 ملايين نازح في العراق لجأوا إلى مخيمات هربا من أعمال العنف في مناطقهم الأصلية، أغلبهم من سكان المحافظات التي سيطر عليها تنظيم “داعش” عام 2014 وبعضهم فروا من ديارهم بسبب أعمال العنف الطائفية.

رئيس لجنة العمل والهجرة والمهجرين البرلمانية رعد الدهلكي، قال إن “معاناة مخيمات النازحين، تمثل وصمة عار على جميع الحكومات السابقة والحالية التي لم تعالج هذا الملف الإنساني واكتفت بالشعارات والوعود الرنانة والرضوخ لضغوط غربان الطائفية وحقدهم التأريخي”.

ورغم المطالبات المتكررة بعودة النازحين من المخيمات إلى ديارهم وإنهاء معاناتهم، إلا ان الحملة الحالية لإعادتهم قوبلت باعتراضات وتحذيرات من منظمات دولية ومحلية، بسبب افتقادها للمستلزمات الأساسية المطلوبة لعودة آمنة في بيئة سليمة.

وقد كشف عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية انس العزاوي، عن جوانب سلبية في إعادة النازحين، ومنها وجود قوى سياسية وفصائل مسلحة متنفذة، تمنع عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، فيما أكد تلقي المفوضية 1710 مناشدات من الأسر العائدة بسبب الظروف الاقتصادية التي تعانيها. وذكر العزاوي “يتوجب استكمال جميع الإجراءات الخاصة وتهيئة البيئة الأمنية المناسبة لضمان عودة كريمة للنازحين إلى مناطق سكناهم” موضحا أن “أسباب عدم العودة بعضها يتعلق بالانتقام العشائري وعدم تقبل هذه الفئة للعودة إلى مناطقها الأصلية”.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان في نينوى، فإن فئتين لا تستطيعان العودة ومغادرة المخيمات، الفئة الأولى هي عوائل عناصر تنظيم “داعش” الذين لا يستطيعون العودة إلى مناطق سكناهم بسبب الحقوق العشائرية ورفض المجتمع لعودتهم، إضافة إلى عدم امتلاكهم أي مكان للسكن وهذا سيصنع جيلاً جديداً من الأطفال المشردين والقنابل الموقوتة التي ستذوب في المدن والقصبات والتي تحتاج برنامجاً حكوميا لإعادة تأهيلهم ومنع استغلالهم مستقبلا، قبل زجهم في المجتمع. أما الفئة الأخرى فهم المهجرون من المناطق المتنازع عليها بسبب الصراعات السياسية والبعض منهم تقع قراهم في مناطق صحراوية أو نائية ما يزال خطر الإرهاب متواجداً فيها.

وفي هذا السياق، تعد مشكلة عوائل “داعش” وهي العوائل النازحة المتهمة بأن أحد أفرادها مرتبط بالتنظيم الإرهابي، من المشاكل المعقدة التي تعيق عودتهم إلى مناطقهم وحياتهم الطبيعية، ولذا حذرت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء الماضي، من “المخاطر” التي يتعرض لها هؤلاء النازحون، عندما ذكر تقرير لها إن “آلاف النازحين العراقيين المشتبه في صلاتهم بداعش، أصبحوا اليوم عرضة لمزيد من المخاطر، نظرا لمضي السلطات العراقية قُدما في إغلاق مخيمات النازحين، بالرغم من شتى العقبات التي تعترض عودتهم بشكل آمن وكريم ومُستدام”. وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه “يجب على السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان معالجة مسألة العقاب الجماعي المستمر للنازحين باعتبار ذلك جزءا لا يتجزأ من أي خطة وطنية لإغلاق المخيمات، التي تعتبر حاليا الملاذ الوحيد لآلاف الأشخاص”.

وكان ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، برونو جدو، أشار إلى حدوث عودة عكسية للنازحين من مناطق سكناهم مرة أخرى إلى مخيمات النزوح في مناطق مختلفة من العراق، بسبب الحاجة للمساعدات الإنسانية والحماية، فيما رفض آلاف من النازحين، العودة إلى مناطقهم المدمرة جراء المعارك السابقة وعدم استقرارها أمنيا حاليا ونقص الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.

ولا خلاف ان عودة النازحين من المخيمات البائسة إلى ديارهم هو مطلب إنساني ملح، من أجل عودة الضحايا إلى حياتهم الطبيعية، ولإنهاء هذه المأساة التي تعد وصمة عار في تاريخ العملية السياسية العراقية، بما يؤدي إلى إيقاف معاناة إنسانية مزدوجة تعرض لها النازحون عندما اجبروا على ترك ديارهم تحت ضغط المعارك أو تنظيم داعش، وعندما فرضت عليهم سنوات من العيش في مخيمات ينقصها كل شيء، والآن معاناتهم في العودة القسرية إلى مناطق مدمرة وتحت رحمة قوى سياسية طائفية وفصائل تسعى للانتقام منهم وتنظر لهم على انهم موالون لداعش ومناهضون للعملية السياسية، إضافة إلى خضوعهم للابتزاز المادي من قبل بعض الأفراد الفاسدين في القوات الأمنية والميليشيات.

وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين الحكومة والأحزاب، باستغلال معاناة النازحين لتحقيق مكاسب سياسية، وللاستفادة من أصواتهم في الانتخابات، وان الحكومة تريد التخلص من أعباء وتكاليف مخيمات النازحين وانتقادات المنظمات الدولية لسوء الأوضاع فيها، فإن حكومة بغداد والقوى السياسية المتنفذة، ومن أجل النجاح في إغلاق ملف النزوح، مطالبة ان تتعامل معه بإنسانية ومسؤولية بعيدا عن الاستغلال والمساومات والانتقام الطائفي.

مصطفى العبيدي

القدس العربي