يرى المعلق روبرت ريتش في صحيفة “الغارديان” أن تسامح الأمريكيين وقبولهم لتصرفات الرئيس دونالد ترامب هو إرثه الأكثر انحطاطا. وقال إن معظم الـ74.222.957 الذين صوتوا لإعادة انتخاب ترامب أو ما نسبته 46.8% من الناخبين الأمريكيين لا يهتمون بتصرفاته أو بتحميله المسؤولية.
وقبل أكثر من 40 عاما قال العالم السياسي جيمي كيو ويلسون وعالم الجريمة جورج كيلينغ إن النوافذ المكسرة التي تترك بدون إصلاح في داخل مجتمع تعني أن أحدا بلا يهتم لو كانت النوافذ مكسرة فيه. والنوافذ المكسرة هي دعوة لرمي حجارة أكثر وتحطيم نوافذ أخرى. والرسالة هي: افعل ما تشاء لأن الآخرين فعلوها ولم يحدث لهم شيء.
وقادت نظرية النوافذ المكسرة إلى قانون تعسفي لا قيمة له لفرض القانون في المجتمعات الفقيرة. لكن الأمريكيين من أصحاب المكانة والتميز يقومون بتكسير النوافذ بدون خوف. ففي عام 2008 كادت قوى وول ستريت تقود إلى تدمير الإقتصاد. وتم إنقاذ وول ستريت في وقت خسر فيه الملايين من الأمريكيين مدخراتهم وبيوتهم وأعمالهم. ومع ذلك لم تتم إدانة ولا مدير تنفيذي واحد في وول ستريت.
وفي حالة قريبة عرفت شركة الأدوية العملاقة بيرديو والعائلة المالكة لها، ساكر مخاطر إنتاج أوكسيكونتين ولكنها لم تفعل شيئا. فيما دفع مدراء بنك فارغو الموظفين للإحتيال على عملاء البنك. وأخفى مدراء شركة بوينغ نتائج فحص يظهر أن طائرة ماكس جيتلاينر 737 غير آمنة. وغض قادة قوى الشرطة في كل أنحاء أمريكا النظر عن ممارسات عناصرهم التي كانت تقتل الأبرياء السود ولم يتعرضوا للعقوبات.
واستخدم ترامب متسلحا بالحصانة التي يمنحها له أكبر منصب في البلاد كرة مدمرة لتحطيم زجاج نوافذ الديمقراطية الأمريكية التي تعتبر من أغلى ما يملكه الأمريكيون.
استخدم ترامب متسلحا بالحصانة كرة مدمرة لتحطيم زجاج نوافذ الديمقراطية الأمريكية
وكانت الرسالة واضحة وهي أن الرئيس يمكنه عرقلة عمل المحقق الخاص في أخطائه ودفعه للمسؤولين الأجانب كي يبحثوا عن الأخطاء والقذارات نيابة عنه في معارض سياسي أمريكي آخر وعزل مفتش عام في وزارة لمجرد أنه اكتشف فساد وأمرا الفرع التنفيذي كله رفض مطالب الكونغرس ولو كانت بأمر من المحكمة.
وإضافة لكل هذا غمر الإنترنت بالمعلومات الكاذبة عن معارضيه ورفضه الكشف عن سجله الضريبي وزعمه أن الإعلام “أخبار مزيفة” و”عدو للشعب” والإنتفاع ماليا من رئاسته.
ونجا من كل هذا، بل وصوت له تقريبا نصف الناخبين مرة ثانية. والرئيس الذي يكذب عن نتائج الإنتخابات وبدون أي ذرة من دليل ومع ذلك تصدقه غالبية من صوتوا له حسب الإستطلاعات. كما أن العفو الذي أصدره ترامب عن عدد من الأشخاص زاد من تكسير زجاج النوافذ. فلم يحطم ترامب العرف في قراراته الأخيرة التي عادة ما تصدر لأن طالب الرحمة أظهر سلوكا جيدا في أثناء فترة حكمه أو قضى معظم فترته، فقد عفا ترامب عن أشخاص ساهموا أنفسهم بتحطيم النوافذ. وبالعفو عنهم فقد منحهم حصانة من المحاسبة على ما فعلوه. ومنهم مساعد كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي وهدد شهودا من أجل حمايته، ووالد صهره الذي اعترف بالتهرب الضريبي.
وعفا عن شهود تلاعبوا بأموال الحملة الإنتخابية والكذب على لجنة الإنتخابات الفدرالية وعن حرس في شركة التعهدات الأمنية الذين تورطوا وصدرت عليهم أحكام في قتل مدنيين عراقيين بمن فيهم أطفال ونساء. وعفا عن حرس حدود أدينوا بإطلاق النار وقتل عزل من السلاح. وعفا عن مشرعين جمهوريين ومساعديهم ادينوا بالغش وعرقلة مسار العدالة وخرق القوانين الإنتخابية.
ولكن المشكلة ليست في عدد النوافذ المحطمة كما يرى ويلسون وكيلينغ ولكن في المجتمع الذي يغض الطرف، ففي حالة عدم محاسبة أحد فالأعراف تنهار.
وقد يواجه ترامب عددا كبيرا من الدعاوى القضائية عندما يغادر البيت الأبيض لكنه لن يذهب إلى السجن، فالحصانة الرئاسية أو العفو عن النفس سيحميانه. وسيرفض الإدعاء توجيه تهم في أي مناسبة. ولم توجه تهمة جنائية لأي رئيس سابق.
وفكرة توجيه دعوى جنائية ضد ترامب ستؤدي إلى شجار في الكونغرس. ويمكن للكونغرس في المستقبل بتحديد سلطة الرئيس وتقوية الإشراف الذي يمارسه الكونغرس عليهم وتعزيز صلاحية المفتشين العامين والطلب بالكشف عن السجلات المالية وزيادة العقوبات على مساعدي الرؤساء وتقييد صلاحيات الرئيس بالعفو. ولكن الكونغرس وهو قوة مساوية للحكومة كما ينص الدستور لا يمكنه الحد من تصرفات رئيس مارق.
ولا تريد المحاكم التدخل في مسألة سياسية. والشيء المرعب هو أن يفلت ترامب من العقاب وبالهرب من هذا فإنه سيكون قد قوض الأعراف التي تغطي الرئاسة الأمريكية. وعندما يتم تحطيم النافذة الكبيرة سيتجرأ الرؤساء القادمون على تحطيمها أكثر. ولن يتم تصحيح هذا إلا عندما تقوم الغالبية الأمريكية بشجب والإعتراف بما حدث من ضرر.
القدس العربي