يبدو أن العالم منشغل باحتمال نشوب نزاع مسلّح وشيك في الشرق الأوسط حيث تقوم الميليشيات العراقية التي ترعاها إيران بتكثيف هجماتها الصاروخية على المواقع الأمريكية وتفجيراتها للقوافل على جوانب الطرق. وقد تنتظر طهران ووكلائها إلى ما بعد حفل تنصيب جو بايدن لاتخاذ أي إجراء، مما قد يترك الرئيس الأمريكي المنتخب ليقرر كيفية تحقيق التوازن بين سلامة الأفراد الأمريكيين وفرصة إعادة الانخراط.
في الثالث من كانون الثاني/يناير، أحيت القيادة الإيرانية الذكرى السنوية الأولى للضربة الجوية الأمريكية التي أودت بحياة قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإسلامي» اللواء قاسم سليماني والقائد البارز للميليشيا العراقية التابعة لإيران أبو مهدي المهندس. ويبدو أن العالم منشغل باحتمال نشوب نزاع مسلّح وشيك في الشرق الأوسط حيث تقوم الميليشيات العراقية التي ترعاها إيران بتكثيف كل من هجماتها الصاروخية على المواقع الأمريكية وتفجيراتها للقوافل على جوانب الطرق، في ظل تحليق القاذفات الأمريكية من طراز “بي 52” [في سماء الشرق الأوسط] وتموضع القوات التي تنفذ عمليات القصف الدقيق التابعة للبحرية الأمريكية في الخليج.
وتكهَّن عدد من المراقبين بأن اشتباك عنيف مع إيران سيكون آخر خطوات الرئيس دونالد ترامب وأكثرها زعزعة للاستقرار خلال فترة ولايته. ولكن بدلاً من ذلك هناك احتمال كبير بأن الانتقام لمقتل سليماني والمهندس قد يكون الأزمة الأولى التي ستواجه إدارة بايدن.
وتتراكم الأدلة منذ بضعة أسابيع على حصول مواجهة ما بعد 20 كانون الثاني/يناير. ففي 16 كانون الأول/ديسمبر حذّر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أن انتقام إيران سيكون “في المكان والزمان المناسبين”، وبالتالي ليس بالضرورة خلال فترة ولاية ترامب، الذي تعهد بالرد بقوة إذا تعرض الأمريكيون للأذى. وداخل العراق، حذّرت «كتائب حزب الله»، الميليشيا الرئيسية المدعومة من إيران، من شن هجمات انتقامية إلى حين مغادرة ترامب، وحتى أنه نُقل في صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن محمد الهاشمي، مبعوث الحكومة العراقية الذي أُرسل إلى إيران، مناشدته طهران بالحفاظ على الهدوء “إلى حين استلام إدارة بايدن الرئاسة من ترامب”.
وقد تُقيّد إيران [تحركات] شركائها من الميليشيات إلى حين نهاية إدارة ترامب ولكن ربما ليس بعد ذلك بكثير. وفي الدوائر الداخلية للحكومة الأمريكية حيث يتمّ تقييم التهديدات، يبدو أن العملية الانتقالية في 20 كانون الثاني/يناير ستمثل نافذة تصعيد خطيرة (ومغفل عنها). ويمكن أن تتمثل أولى مهام جو بايدن بالردّ على هجوم قاتل يستهدف الأمريكيين في العراق أو سوريا أو منطقة الخليج.
وعادة ما شكّلت العراق تحديات مبكرة للرؤساء الأمريكيين الجدد: [على سبيل المثال]، كان أول استخدام للقوة من قبل بيل كلينتون في العراق وتمثّل بتنفيذ ضربات صواريخ كروز في حزيران/يونيو 1993 انتقاماً من مساعي صدام حسين لاغتيال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب قبل ذلك بشهرين. كما كان أول استخدام للقوة من قبل الرئيس جورج دبليو بوش في العراق أيضاً وتمثّل بموجة من الضربات الجوية في شباط/فبراير 2001 مما أزعج بوش لأنّها عطّلت رحلته الأولى خارج الولايات المتحدة (إلى المكسيك).
ويمكن أن تشكّل أزمة عسكرية أولى لرئيس جديد لحظة تأسيسية، لا سيما في ظل ترقب المنافسين في القوى العظمى والدول المارقة على حد سواء من أجل تقييم القائد الجديد. وسيحتاج بايدن إلى تقييم تداعيات التصرف أو عدمه: وسيرغب جزء من قاعدته السياسية في تمييز الإدارة الجديدة عن الإدارة القديمة، ومد اليد إلى إيران، في حين سيشدّد مؤيدو النهج التقليدي على مستوى السياسة الخارجية على ضرورة إظهار الصرامة والحزم، خاصة إذا ما قُتِل مواطن أمريكي.
أما النتيجة الأفضل للجميع، فهي أن تدرك إيران ووكلاؤها أن ضرب المصالح الأمريكية في عهد بايدن لن يكون، بأي حال من الأحوال، أكثر أماناً أو أقل أهمية من المخاطرة بمثل هذه الخطوة في عهد ترامب. ويجب أن يعبّر الرئيس المنتخب بوضوح قبل 20 كانون الثاني/يناير أنه سيكون مستعداً، في الدقيقة الأولى، واليوم الأول، للرد بحزم على أي تهديد للأمريكيين. وفي 20 كانون الثاني/يناير، يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تشير أيضاً بهدوء لإيران بأن يدها ممدودة، لكن ذلك الانتقام من ترامب لا يزال انتقام من أمريكا وسيضع عقبات إضافية على طريق تخفيف العقوبات.
ويواجه فريق بايدن القادم مشاكل في الوصول إلى المعلومات التي عادة ما يتم توفيرها أثناء فترة الانتقال. يجب أن تكون الأولوية المبكرة مراجعة الخيارات العسكرية التي تم إعدادها، من أجل تعريف الفريق والسماح له بطلب إضافات وإجراء عمليات حذف بأسرع وقت ممكن. ويدرك فريق الأمن القومي المتمرس لبايدن، ولا سيما المرشح لوزير الدفاع لويد أوستن، قائد سابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أن اللحظات المشحونة بعد أي هجوم ليست الوقت المناسب لتسجيل نقاط أو اكتشاف أنك لا تملك الخيارات العسكرية التي تلبي التوقعات.
وإذا هاجمت إيران أو الميليشيات المدعومة من إيران في العراق المصالح الأمريكية في مرحلة متأخرة جداً من رئاسة ترامب بحيث لا يستطيع الرد عليها، أو إذا هاجمت في وقت مبكر من رئاسة بايدن، فسيكون هناك توتر بين تحقيق الردع السريع وترسيخ المصداقية الأمريكية، من ناحية، والموازنة بعناية بين الحقائق والخيارات، من ناحية أخرى. وإذا كان الهجوم قوياً بما يكفي لقتل أمريكيين – الذين عادة ما يتمتعون بحماية جيدة – فربما يكون قد تم تلقّي إشارة التحرك من إيران، ولكن يمكن للإدارة الأمريكية القادمة أن تنتظر للتأكد من هذا الارتباط. وكان كلينتون قد انتظر 72 يوماً قبل أن يقرر ضرب جهاز المخابرات العراقي لدوره في محاولة اغتيال بوش الأب عام 1993.
وإذا ظهر دليل على دور إيراني، فعلى إدارة بايدن – على غرار إدارة كلينتون من قبل، ولكن يؤمل بشكل أسرع – ألا تتوانى عن اتخاذ الخطوة الصحيحة لردع الهجمات المستقبلية على الأمريكيين. وإلّا إذا اعتقدت إيران أن هذا هو الحال، فسوف تتردد في ضرب الأفراد الأمريكيين في المقام الأول.
وما يمكن ويجب على الولايات المتحدة أن تفعله على الفور هو الإشارة إلى التكلفة [التي يتحملها الجانب الآخر] لأي هجوم على الأمريكيين، والرد على شبكة إيران الموسعة والاحتفاظ بخيار شن المزيد من الضربات الموسّعة. وكلما وقعت هجمات بالصواريخ والقنابل ضد القوات الأمريكية في العراق هذا العام، كلما كانت الشبكة المسؤولة عن الهجمات واضحة تماماً لمجتمع المخابرات الأمريكية في غضون ساعات أو أيام، وهي: مزيج من الجماعات الطليعية الثلاث للشبكات العراقية – «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق» و «حركة حزب الله النجباء». وهذه الجماعات عرضة للضربات وهي تهاجم [القوات] الأمريكية أصلاً.
ويعمل شركاء الميليشيات الإيرانية بجد كل يوم لإخفاء إسناد الهجمات على أهداف أمريكية في العراق، مما يؤدي إلى انبثاق عدد محيّر من الفصائل المسلحة الجديدة مثل حركة “أصحاب الكهف” و “سرّية قاصم الجبارين”. وفي 13 آذار/مارس، نجحت هذه التكتيكات في منع بريطانيا من الانضمام إلى ضربة أمريكية في العراق للانتقام على قيام الميليشيات بقتل أمريكيَيْن وبريطاني. وجلست الطائرات البريطانية مملوءة بالوقود ومسلحة على المدرج بينما تَجادل محامو الحكومة حول [الجماعة] التي يقع عليها اللوم بالفعل ومن التي يجب استهدافها. وفي النهاية، لم تتمكن إدارة ترامب من إقناع البريطانيين بأن «كتائب حزب الله» كانت الهدف الصحيح، ورفض المسؤولون البريطانيون السماح لطائراتهم بالإقلاع. وستعمل إدارة بايدن على تعزيز الردع إذا لا تسمح للمهاجمين المحتملين بلعب هذه الخدعة.
وعلى الرغم من أن حفل التنصيب في 20 كانون الثاني/يناير سيكون لحظة مفرحة لجو بايدن وفريقه، إلا أنه لحظة اختبار لرباطة جأشه أيضاً. وقد أظهر التاريخ أن إيران تجسّ نبض تصميم الإدارات الأمريكية وأنه يمكنها في الوقت نفسه وخز رئيس أمريكي في عينه والجلوس على طاولة المفاوضات. وتواجه إيران صعوبات في نهي وكلائها عن السعي إلى الانتقام، ولكنها قد ترى في استلام إدارة بايدن للسلطة اللحظة الآمنة الأولى للقيام بذلك. وسيكون كل طرف معتدٍ محتمل آخر في العالم في حالة انتظار وترقب.
مايكل نايتس
معهد واشنطن