يواجه العراق أزمة غذاء كإحدى تداعيات التراجع الحادّ في مداخيله من بيع النفط الخام إثر تدهور أسعاره في الأسواق المالية، وتأثيرات جائحة كورونا على اقتصاده الهشّ، وذلك بعد مواجهته صعوبات في توفير رواتب العدد الكبير من الموظّفين الحكوميين الذين يغص بهم القطاع العام المُتخم بالملايين من الأفراد، فضلا عن العدد الكبير من المتقاعدين.
وتثير مثل هذه الأزمات مخاوف بشأن استقرار البلد الملغوم بالطائفية والعرقية وبالصراعات الحزبية، والذي يبدي شارعه تحفّزا شديدا للاحتجاج على سوء الأوضاع، فضلا عن هشاشة الأوضاع الأمنية، حيث لم يتخلّص العراق بشكل نهائي من تبعات حربه ضدّ تنظيم داعش ولم يمكّن من اجتثاث فلوله وخلاياه بشكل جذري.
وقال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الخميس، إن ثلاثة ملايين عراقي مهددون بأزمة غذائية جراء تأثيرات جائحة كورونا على سوق العمل والمداخيل المالية للبلاد.
وتمثّل الأزمة الحالية التي يواجهها العراق خلاصة قرابة ثماني عشرة سنة من الفشل الحكومي في إدارة شؤون الدولة وتوظيف مواردها، ومن هدر المال العام، حيث يصنّف البلد في تقارير للبنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية كأكثر بلدان العالم فسادا.
وتسلّط الأزمة ضغوطا شديدة على الحكومة العراقية التي يقودها الكاظمي، وكانت قد جاءت كنتيجة لموجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية انطلقت في خريف سنة 2019 احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد على أوسع نطاق داخل مؤسّسات الدولة، وأفضت إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.
وتَعد حكومة الكاظمي بالاستجابة لمطالب المحتجيّن، لكنّها تبدو الآن مضطرّة إلى إدارة أوضاع لا تقل سوءا عن تلك التي فجّرت غضب الشارع وربما تفوقها في بعض الجوانب، حيث لم يكن مطروحا على سبيل المثال أن يواجه البلد عجزا عن توفير الغذاء ورواتب الموظفين.
ونقلت صحيفة الصباح الرسمية العراقية عن ممثل برنامج الغذاء العالمي في العراق عبدالرحمن ميجاج قوله إنّ انخفاض أسعار النفط عالميا وخفض الإنتاج أثرا بشكل مباشر على الموارد المتاحة.
ويعدّ العراق أحد البلدان ذات الاقتصاد الريعي، حيث يعتمد على إيرادات بيع النفط لتمويل ما يصل إلى 95 في المئة من نفقات الدولة. وتراجعت أسعار النفط الخام خلال 2020، مصدر الدخل الرئيس للعراق، إلى مستويات كانت الأدنى منذ 22 عاما وبالتحديد خلال الفترة بين مارس وأبريل الماضيين، إلى متوسط خمسة عشر دولارا لبرميل نفط برنت.
وذكر ميجاج أن تخفيض قيمة العملة المحلية “الدينار” لتغطية العجز المالي، رفع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، ما أثّر بدوره على الأمن الغذائي داخل السوق المحلية.
حكومة الكاظمي التي جاءت لتلبية مطالب الشارع أصبحت مضطرة لإدارة أوضاع أسوأ من تلك التي فجّرت انتفاضة 2019
والشهر الماضي، خفضت الحكومة قيمة الدينار أمام النقد الأجنبي، في مسعى لتقليص حجم العجز المالي المخطط في موازنة 2021 التي تجري حاليا مناقشتها في البرلمان، لكن ذلك تسبب بارتفاع كبير في أسعار السلع.
وبلغ سعر صرف الدولار 1470 دينارا لبيع العملة الأجنبية إلى العموم، مقابل 1460 دينارا للمصارف العاملة في البلاد، مقارنة بـ1182 لكل دولار، قبيل تعديل أسعار الصرف.
وفي 2020، دعم برنامج الأغذية العالمي قرابة 630 ألف شخص في العراق ببرامج إنسانية وتنموية وبرامج حماية اجتماعية، للأسر النازحة الضعيفة، والأطفال في المدارس من خلال البرنامج الوطني للتغذية المدرسية، بحسب المسؤول الأممي.
ورغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على حسم الحرب ضد تنظيم داعش والتي تسببت في نزوح الملايين من العراقيين عن ديارهم، لا تزال أعداد من هؤلاء النازحين عاجزة عن العودة إلى منطقها لانعدام الأمن والخدمات الأساسية فيها أو بسبب الخوف من الانتقام بالنسبة لبعض العوائل المتهمّة بأن لها صلات ما مع التنظيم المتشدّد.
ومن شأن الأزمة المالية والغذائية أن تضاعف من معاناة النازحين وغيرهم من الطبقات العراقية الأكثر فقرا والتي توسّعت قاعدتها خلال السنوات الأخيرة.
وأصبحت الأزمة المالية في العراق مدار صراع سياسي، حيث يحاول خصوم رئيس الوزراء استخدامها كدليل على عدم قدرته على قيادة السلطة التنفيذية. وينظر قادة الأحزاب الشيعية العراقية المقرّبة من إيران إلى الكاظمي بعين الريبة ويعتبرونه أقرب إلى الولايات المتّحدة.
وطالب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي (عربي سنّي) الحكومة بوضع خطط لمواجهة الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد. وجاء ذلك خلال اجتماع الحلبوسي مع وزير المالية علي علاوي، الخميس، بحسب بيان لمكتب رئيس البرلمان.
وأورد البيان أن الحلبوسي طالب الحكومة بـ”الحد من انعكاسات الوضع المالي الحالي على الوضع الاقتصادي في البلاد، والعمل على وضع الخطط والإجراءات المطلوبة لمواجهة الأزمة المالية الراهنة وتجاوز تداعياتها وحماية المواطنين”.
وذكر البيان أنّ “الحلبوسي وعلاوي ناقشا مشروع موازنة 2021 التي يجري البرلمان مناقشتها”، إذ أنهى السبت الماضي أول مناقشة لمشروع قانون الموازنة المالية للعام الجاري، التي تبدأ مطلع يناير من كل عام.
ووفق مسودة الموازنة تبلغ النفقات 112 مليار دولار بعجز مالي يصل إلى 48 مليار دولار. واستندت الموازنة إلى سعر تقديري عند 42 دولارا لبرميل النفط وبمعدل تصدير 3.250 ملايين برميل يوميا، بما فيه 250 ألف برميل من حقول إقليم كردستان العراق.
صحيفة العرب