عندما بدأ وزير الخارجية الأمريكية بومبيو حملته الهادفة للإيحاء بعلاقات تحالفية بين «القاعدة» وإيران، انطلقت حملة إعلامية موازية للترويج لهذه الروابط، خاصة من إعلام ممول من حكومات كالسعودية، ترى في «القاعدة» وإيران عدوين مشتركين.
ومن الناحية المعرفية فإن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لم تمنحنا أي دليل جاد أو معلومات محددة تقود لعلاقة ارتباط بين طهران و»القاعدة» عدا عن وجود قيادات لـ»القاعدة» في الأراضي الإيرانية، بعضهم بعلم الحكومة وضيافتها، من دون أن يعني هذا دعمها لمشروع «القاعدة» المناوئ تماما، والمصطدم تماما مع حلفاء طهران في سوريا والعراق واليمن، فاستضافة الخميني كضيف في عراق صدام حسين لسنوات طويلة، لا يعني أن العراق البعثي، كان متحالفا أو داعما لمشروعه.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لم تمنحنا أي دليل جاد أو معلومات محددة تقود لعلاقة ارتباط بين طهران و«القاعدة»
الأهم أن الوثائق الأمنية الأمريكية الصادرة عن المخابرات المركزية، كشفت منذ سنوات عن رسائل بخط يد بن لادن، تتحدث بشكل مفصل عن وضع قيادات القاعدة في «ضيافة» إيران، التي لا يبدو أنها كانت أكثر من إقامة جبرية في أحسن الأحوال. فرسائل بن لادن نفسها، التي نشرتها «سي آي أيه» تشير إلى أن بن لادن كان قلقا من تعرض ابنه سعد للتعذيب في سجون طهران، بعد تعرضه للإقامة الجبرية، وكذلك القيادي سيف العدل، الذي ظل معتقلا في إيران مع قياديين آخرين، ولم يفرج عنهم إلا بصفقة تبادل، كما تم تسليم صهر بن لادن، سليمان أبو غيث لتركيا والأردن لتعتقله الولايات المتحدة. وهكذا، فإن ما ورد من تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو، من حديث عن علاقة بين «القاعدة» وإيران، يشبه ما ورد على لسان زميله كولن باول الذي أطلق مجموعة من الأكاذيب في كلمته الشهيرة في الأمم المتحدة، تبريرا لغزو العراق، عندما اتهم العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل، وبامتلاك علاقات مع «القاعدة» بل إن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي نفسه، قال عام 2002، في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي «إنه يملك أدلة دامغة كالرصاص على وجود أعضاء من تنظيم القاعدة في العراق» وبالتالي فإن هذه التصريحات، تندرج في إطار الحملات المسيسة، التي لا يمكن الاستناد لها كحقائق، لكن لا يمكن أن تجد مثل هذه المعلومات في تقرير للمخابرات الأمريكية أو لمركز بحثي أمريكي، أو في صحيفة أمريكية رصينة تعتمد على مصدر استخباري. وقبل يومين أصدرت الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة الأمريكية، بيانين يعلنان وضع أبو فدك المحمداوي القيادي البارز في حزب الله العراقي المرابط في ايران، على قائمة عقوبات أمريكية للإرهاب، وكان من المفارقات، أنه بينما احتوى بيان وزارة الخزانة على اتهام لأبو فدك المحمداوي بالارتباط بتنظيم «الدولة الإسلامية» فإن بيان وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بعقوبات أبو فدك المحمداوي، كان على النقيض، يقول إنه متهم باختطاف مئات الأبرياء من مناطق حررت من «داعش»
وعندما اطلعت على هذه الجزئية في بيان وزارة الخزانة، الخاصة بربط قيادي بميليشيات شيعية موالية لإيران، بتنظيم «الدولة» قلت إن الأمر يبدو غريبا، لأن تثبيت اتهام مسيس كهذا في وثيقة أمريكية، من دون أدلة ليس أمرا شائعا، وهو إذن، إما مواصلة لسياسة الحملات الدعائية، وإما أن يكون خطأ فنيا، وهو الأرجح لديّ، لأن رمز SDGT الخاص بالمحمداوي، يعني Specially Designated Global Terrorist، وبالفعل، بعدها بيوم، قامت الخزانة الأمريكية، التي أوردت اتهامها لأبو فدك بالارتباط بتنظيم «الدولة» بشطب هذه الفقرة والاتهام بالموقع الرسمي، ويمكن ملاحظة ذلك حتى الآن عند تصفح البيان الخاص بوزارة الخزانة الأمريكية.
وائل عصام
القدس العربي