التشرينيون والانتخابات العراقية المبكرة

التشرينيون والانتخابات العراقية المبكرة

اعتبر بعض المتفائلين أول إنجازات حكومة مصطفى الكاظمي، أنه أعلن عن موعد الانتخابات المبكرة، التي ستعمل حكومته على تهيئة الأوضاع كافة، لكي تتم في ظروف آمنة، ولتحقق ما يريده الشعب العراقي عبر إيصال ممثليه الحقيقيين إلى كراسي البرلمان.
وللتذكير فقط أقول إن إعلان الكاظمي كان في آخر يوم من تموز/يوليو 2020 عندما قال في مؤتمر تلفزيوني «أعلن عن تاريخ السادس من حزيران/يونيو 2021 موعدا لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة». وأضاف في خطابه «سنعمل بكل جهودنا على إنجاح هذه الانتخابات وحمايتها». ورحبت بعثة الأمم المتحدة في العراق بإعلان الكاظمي، وقالت في بيان رسمي «إن الانتخابات المبكرة تلبي مطلباً شعبياً رئيسياً على طريق تحقيق مزيد من الاستقرار والديمقراطية في العراق». ووعدت بدعم العملية الديمقراطية عبر تقديم الدعم والمشورة الفنية لضمان نزاهة الانتخابات.
ابتدأ العام الحالي بين تشكيك البعض في إمكانية إجراء الانتخابات، وتأكيد البعض الآخر على التزام الحكومة بوعودها، لكن إعلان المفوضية العليا للانتخابات جعل الأمر يبدو محسوما إذ حددت المفوضية موعد تسجيل الكيانات السياسية الراغبة بالمشاركة بالانتخابت من يوم السبت 9 كانون الثاني/ يناير ولغاية يوم الخميس 28 يناير الجاري. لقد سوّق إعلام أحزاب السلطة، وبعض المؤسسات الإعلامية الحكومية، وعلى مدى الأشهر الماضية معلومة زائفة تقول، إن حكومة الكاظمي انبثقت من ساحات الاحتجاج، وجاءت تلبية لمطالب انتفاضة تشرين، كما أن مطالب الانتفاضة تتمحور حول إجراء انتخابات مبكرة، وهذا الأمر برمته محض افتراءات، فالكاظمي تسنم رئاسة الحكومة باتفاق رؤوساء الكتل البرلمانية الكبيرة وهي «الفتح» و»سائرون» والكتلتان الكرديتان، وصوّت عليه البرلمان القائم الذي هو مرفوض أصلا من التشرينيين، لكن بعض الأصوات في ساحات الاحتجاجات طالبت بسماع ما تقوله الحكومة من وعود ومراقبة تنفيذها لها، وإذا لم تلتزم بوعودها فإن العودة لساحات التظاهر هي الحل. ساحات انتفاضة تشرين في وسط وجنوب العراق، طالبت مبكرا بإحداث تغيير سياسي حقيقي، ووعي شباب الانتفاضة كان لافتا، وكانوا واثقين من أن أي عملية تدوير للطبقة السياسية الفاسدة باسم اللعبة الديمقراطية لن تنتج تغييرا حقيقيا، لذلك كانت مطالبهم واضحة، وهي حكومة مؤقتة بصلاحيات واسعة ومسؤوليات قليلة، تعمل تحت ظل إعلان دستوري مع تعليق الدستور الحالي، ليتم الإعلان عن حقبة انتقالية تحدد بسنتين، أو ثلاث سنوات يتم فيها سن قانون الأحزاب والكشف بشفافية عن ممتلكات الأحزاب وتمويلها، كما يتم فيها تعديل قانون الانتخابات، ليتم العمل بنظام الدوائر الانتخابية المتعددة، والمطالبة بإشراف قضائي على الانتخابات، ليتم تحجيم دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي فقدت استقلالها وتقاسمتها أحزاب السطة الفاسدة. ويجب على الحكومة المؤقتة توفير الدعم اللازم لخلق جو آمن لاجراء الانتخابات النزيهة، وحينها يصار إلى انتخاب برلمان حقيقي مسؤوليته أولا تعديل الدستور، وثانيا تشكيل حكومة دائمية تكون أولى مسوؤلياتها مكافحة الفساد، وتقديم قتلة المتظاهرين للعدالة. وواضح أن كل هذه الخطوات يجب أن يكون عمادها القانوني سلطة قضائية نزيهة وغير مسيسة، كما يجب الاعتماد في تنفيذ هذه الخطوات بشكل كلي على مؤازرة الجيش العراقي لمنع تغول سلاح الميليشيات المنفلت على الحكومة المؤقتة.

شباب انتفاضة تشرين، كانوا واثقين من أن أي عملية تدوير للطبقة السياسية الفاسدة باسم اللعبة الديمقراطية لن تنتج تغييرا حقيقيا

لم تطبق أي نقطة من النقاط المشار لها في خريطة طريق انتفاضة تشرين، ما قدم لهم هو انتخابات توصف بأنها «مبكرة» وحتى هذه النقطة يبدو أنها كذبة من أكاذيب الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة، إذ أن الانتخابات أجلت من موعدها في يونيو إلى تشرين الأول/أكتوبر، والأسباب التي أعلنت أشارت إلى أن الأحزاب والكتل السياسية لم تكمل استعدادتها بعد، كما أن المفوضية العليا للانتخابات تشكو من نقص التمويل، الذي يحتاجه إنجاح العملية الانتخابية. وأخيرا طل علينا النائب كاظم الصيادي بحديث للإعلام جاء فيه، إن «كل شيء بالدولة العراقية عبارة عن توافق واتفاق ومحاصصة وصفقات سياسية، وما يجري أمام المواطن هو بمثابة تسويف، أو مماطلة، عكس ما يحدث خلف الكواليس السياسية». وأضاف إنه «من المستحيل إجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب بسبب عدم جاهزية المفوضية وعدم توفر الأموال اللازمة، بالإضافة إلى عدم رغبة الكتل السياسية» مشيرا إلى أن «القوى السياسية اتفقت على إجراء الانتخابات في منتصف 2022». وكما نعلم جيدا إن الموعد الرسمي للانتخابات الرسمية كان آيار/مايو 2022، إذا قضت حكومة وبرلمان 2018 أربع سنوات من حياتها السياسية بالتدحرج وصولا إلى الاستحقاق الانتخابي، ولم يقدم للانتفاضة حتى هذه الأكذوبة.
الكثيرون وجهوا لوما للتشرينيين بقولهم، إذا أردتم التغيير عليكم أن تشكلوا حزبا أو تيارا لتطالبوا بالتغيير عبر منبركم السياسي، وبآليات الديمقراطية المتعارف عليها، وذلك بأن تدخلوا اللعبة الديمقراطية لتحقيق ولو جزء من التغيير. اليوم تم تشكيل بعض الأطر السياسية من منتفضي ساحات الاحتجاج، وسجلت أو ستسجل في المفوضية العليا للانتخابات قريبا، فهنالك اليوم حسب تصريح أمين عام رابطة الاحتجاجات المستقلة عمار النعيمي «اتجاهات غير قليلة من شباب تشرين صارت تؤمن بالعمل السياسي، خاصة إذا توفرت شروط نجاحه، في ما يستبعد آخرون تحقق ذلك مع هيمنة الأحزاب والميليشيات على مفاصل الدولة ومؤسساتها، لكن الجميع يؤمن بقدرته على منافسة أحزاب السلطة وفصائلها في الانتخابات المقبلة». وأضاف النعيمي في تصريح للإعلام «إن أكثر من تسع مجموعات تشرينية، قررت خوض التجربة الانتخابية، وضمنها تجمعنا، وهناك أيضًا (جبهة تشرين، شباب من أجل العراق، البيت الوطني، امتداد، تيار الدولة، حراك 25 تشرين، الموعد) ومجاميع أخرى». لكن اللافت أن الانشقاقات والاتهامات بالتخوين، ابتدأت مبكرا بين هذه التيارات، يضاف إلى ذلك تواجد تيار كبير نسبيا من الداعين لمقاطعة الانتخابات بسبب غياب الشروط الواجب توفرها لإنجاح العملية الديمقراطية الحقيقية، فقد كتب الصحافي والناشط المدني في الحراك الاحتجاجي في بغداد إيهاب شغيدل على صفحته في الفيسبوك تبيانا لوجهة نظر تيار المقاطعين قال فيه،ا»هذه ليست ديمقراطية، ثمة مهزلة فحسب تحصل عبر الصناديق، هذه نكتة، دعابة، نزهة في الجحيم، كل شيء عدا أن تكون ديمقراطية، شارك بها يا صديقي، لكن لا تصادر خياري، لن أشارك في انتخابات تجري تحت تأثير السلاح، ومال سياسي يفوق مال الدولة والمجتمع، حدث بطاقتك، ثم قرر الاشتراك في الحقل، حقل الإخفاقات العراقية. ليس هناك ديمقراطية، هناك نظام يلتف حول إرادة المرشد، والبيت الأبيض، ويطلب صك الغفران من المرجع، النظام هذا حول كلمة ديمقراطية إلى سكين تقطع بها كعكة أروحنا. لن أثق وهذا رأيي، هل يمكن أن تتقبل موقفي بحكم أنك مؤمن بالديمقراطية العراقية العجيبة؟». لكن من جانب آخر عبّر عدد من الناشطين ممن انضووا في تيارات سياسية عن فهمهم للعبة السياسية بقولهم إنهم إنما يسعون ليكونوا فاعلين في المشهد السياسي، وليمتلكوا الحس التنظيمي السياسي الذي سيسهل عملهم في المستقب،ل ليكسروا احتكار أحزاب السلطة للمشهد السياسي في العراق. وأن حالة تواجد اكثر من حركة أو تيار في المشهد التشريني في نظرهم حالة إيجابية وليست سلبية، إذ اتفقت هذه الكيانات السياسية «التشرينية» على فكرة أن المشاركة السياسية لا تعني نهاية الحراك الاحتجاجي، وإنما هي تنويع على الحراك نفسه، والأصل فيه التنظيم، تنظيم العمل الاحتجاجي بما يؤدي إلى المشاركة في الانتخابات، أو التهيئة بشكل أفضل لجولات احتجاجية مقبلة، فالمهم والأساسي في كلا الاتجاهين هو التنظيم.

صادق الطائي

القدس العربي