إن مشاهدة خطاب الرئيس الجديد جو بايدن، الخميس، وقد أطلق رسمياً عقيدته في السياسة الخارجية، تدل على ثورة حقيقية من ناحية الأهداف وسلم الأولويات لدى الإدارة الجديدة، من شأنها أن تؤثر على مسيرة السلام الإقليمية، وكذا على إسرائيل بشكل مباشر.
أولاً، في كل ما يتعلق بساحة الخليج، وبكل ما تبقى من أطر أخرى عني بها بايدن في خطابه، برز تطلعه بانقطاعها بشكل فوري وجارف عن السياسة العالمية والإقليمية التي نهجها ترامب. فقد أقام الرئيس الـ 45 سلوكه في الساحة على التوريد المتواصل للأسلحة المتطورة للسعودية، بهدف منحها شبكة أمان صلبة ووسائل دفاع وردع للتحدي الإيراني، وفي الوقت نفسه السماح لها بممارسة ضغط عسكري متواصل على الثوار الحوثيين في اليمن، القريبين من طاولة طهران والمؤتمرين بإمرتها.
إضافة إلى ذلك، تستهدف سياسة توريد السلاح إلى الرياض تشكيل حافز للنظام السعودي ليقدم الدعم للمسيرة السلمية الإقليمية، وذلك على أمل أن تعطي لاحقاً مباركتها ورعايتها لاتفاقات إبراهيم كشريك كامل. والأمر ذاته ينطبق على الإمارات، التي اجتازت منذ وقت قصير الروبيكون ووقعت على اتفاق سلام مع إسرائيل. ومثلما في المستوى السعودي، ففي ساحة الإمارات أيضاً أدت إدارة ترامب دور “الوسيط المثيب”.
وها هي في الجبهتين معاً، قررت إدارة بايدن تنفيذ التفافة حدوة حصان مفاجئة والتجميد الفوري لكل صفقات السلاح (الهجومي) مع السعودية والإمارات، بما في ذلك صفقة الـ F35 التي شكلت مدماكاً مركزياً في قرار الاتحاد دخول السلام الحار مع إسرائيل.
وذلك، ظاهراً، بهدف معلن لوقف تيار المساعدة العسكرية واللوجستية للتحالف الذي يقاتل في اليمن بقيادة السعودية وأدى عمله إلى المس الشديد والمتواصل للسكان المدنيين. ومع ذلك، وتحت هذا الغطاء الأخلاقي الذي يعكس بإخلاص مزعوم أمنية بايدن إقامة سياسته الخارجية على أساس قيمي أخلاقي صافٍ، ليس صعباً علينا أن نشخص جملة الاعتبارات الاستراتيجية الصرفة التي تقف في مركزها الرغبة في توجيه رسالة نوايا لإيران.
بتعبير آخر، فإن تجميد المساعدة للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الخليج والذين يكافحون التحدي الإيراني، يشكل إشارة واضحة لطهران عن نية الإدارة استبدال سوط الردع، والإنفاذ والمساعدة للحرب ضد مرعيي إيران في اليمن، بأدوات ووسائل أكثر تصالحاً بكثير، مأخوذة من صندوق أدوات “دبلوماسية القوة الرقيقة”. إن خطوات التجميد هذه تجاه الشركاء التقليديين في الطريق يفترض بها أن تبني الثقة في طهران، وهكذا تشق الطريق لاستئناف المفاوضات في مسألة النووي والانضمام الأمريكي المتجدد لـ “اتفاق فيينا”. على هذه الخلفية، يطرح السؤال: ما هي آثار هذه السياسة على السلوك المستقبلي لكل حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين. ومع أنه من السابق لأوانه التقدير الصارم لما سيحصل في محيط دينامي مركب كهذا، ثمة افتراض بأن الجهد الأمريكي لتخفيف فوري للتوتر مع النظام في طهران، سيمس بأساس اتفاقات إبراهيم وسيوقف مسيرة توسعها وانتقالها إلى مناطق أخرى.
فعندما يدير السيد الأمريكي الظهر للاعب مركزي في العملية كلها (أي السعودية) ويطلق رسالة مصالحة ضمنية مع عدو الرياض اللدود، فسيعمم الشك في كل ما يتعلق بمكانة ودور القوة الأمريكية العظمى في كل الجبهة، ويجب أن يبعث القلق في القدس أيضاً.
وذلك أيضاً في ضوء المقياس المزدوج الذي يكشف عنه سلوك الرئيس منذ الأيام الأولى لحكمه. ففي الوقت نفسه الذي تعاقب فيه السعودية والإمارات بشكل فوري على نشاطهما في الجبهة في اليمن، غاب عن خطاب بايدن تنديد واضح وعالٍ لسلوك إيران، سواء بالنسبة لمساعيها المتسارعة على المستوى النووي أم في مستوى مؤامراتها المتواصلة في المنطقة.
الأيام ستقول إذا كنا بالفعل، على الأقل، في السياق الإيراني، في بداية رحلة في نفق الزمن للعودة إلى عهد باراك أوباما في البيت الأبيض، والذي كان فيه بايدن نائبه المخلص على مدى ثماني سنوات.
بقلم: البروفيسور أبراهام بن تسفي
معهد واشنطن