قوة الصورة: من عائشة إلى إيلان.. أبرز المشاهد المحركة للضمير العالمي

قوة الصورة: من عائشة إلى إيلان.. أبرز المشاهد المحركة للضمير العالمي

3899

صورة الطفل السوري الغريق ” إيلان ” ليست الأولى التي تسهم في تحريك تعاطف وتضامن الرأي العام العالمي مع اللاجئين السوريين، فقد سبقها صور عديدة أثارت ضجة عالمية من أفريقيا إلى آسيا، في مؤشر على ما يبدو لكيف يمكن أن تصبح وسائل الإعلام قوة مؤثرة تحرك الضمائر والقيم في المجتمع العالمي.

لكن الأمر ليس في مجمله مجرد تعاطف إنساني مع لاجئين تدفقوا على السواحل الأوروبية هربا من جحيم الصراع المسلح في سوريا، فالمصالح وعمليات التوظيف السياسي تتدخل من وراء هذه الصور، وتطرح تساؤلات حول لماذا تركت القوى الكبرى الأزمة السورية لتصل إلى هذه الحالة الكارثية ؟، وهل كان من الممكن ألا نصل إلى هذه المشاهد إذا كانت هنالك سياسات استباقية؟، و ما مدى توظيف هذه الأزمات في الصراعات في المجتمع العالمي؟.

في هذا التقرير الرصدي المصور، محاولة للتذكير بصور عديدة لأزمات مختلفة نالت اهتماما عالميا، وأحدثت قدرا من تغيير السياسات لدى الدول والحكومات تجاه الأزمات العالمية.

1- أزمة اللاجئين السوريين:

عقب نشر صورة الطفل السوري “إيلان”، قامت صحيفة “الإندبندنت البريطانية” بإطلاق حملة توقيعات لمطالبة الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات مشتركة مع باقي دول الاتحاد الأوروبي لتخصيص حصة سنوية لاستقبال اللاجئين من دول الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، أعرب رئيس الوزراء “ديفيد كاميرون” عن تأثره بغرق الطفل إيلان، مؤكدًا أن بريطانيا سوف تتحمل مسئوليتها الأخلاقية حيال الأزمة، وتم الإعلان عن أن بريطانيا مستعدة لاستقبال 15 ألف لاجئ سوري.

كما أعلن نائب المستشارة الألمانية “سيجمار جابريل” أن ألمانيا يمكنها استيعاب 500 ألف من طالبي اللجوء سنويًّا، إلا أنها تنتظر في هذا العام ما يقدر بحوالي 800 ألف لاجئ بعد قيام ألمانيا بفتح حدودها أمام اللاجئين السوريين، وبناءً على هذا قامت المجر بفتح حدودها للاجئين السوريين الذين لا يحملون وثائق سفر ويرغبون في الوصول إلى ألمانيا.

وحدد الاتحاد الأوروبي حصةً لكل دولة من اللاجئين المتدفقين من سوريا، وذلك من أجل تخفيف الضغط على المدن الرئيسية، وقد دعا بابا الفاتيكان “فرانسيس” كل أسقفية أوروبية إلى إيواء عائلة من المهاجرين، مؤكدًا أن الفاتيكان على استعداد للبدء في هذا. وبعد ضغوطٍ عديدةٍ على رئيس الوزراء الأسترالي “توني أبوت” أعلن أن بلاده مستعدة لاستقبال المزيد من اللاجئين.

فيما أعلن “روبرت كريبينكو” المسئول عن مكافحة شبكات الجريمة المنظمة في الشرطة الأوروبية عن زيادة الجهود للقبض على شبكات تجارة البشر.

2- الفساد السياسي في بنجلاديش: 

كشفت الصور التي تم التقاطها لضحايا مصنع “رانا بلازا” ومن أشهرها صورة العامل “بارفين” وزوجته “ريحانة” عن شبكات فساد معقدة، يتورط فيها العديد من السياسيين مع عدد من رجال الأعمال، بالإضافة إلى شركات عالمية كبرى، فقد انهار مصنع “رانا بلازا” للملابس في (24 مارس 2013) مما أسفر عن وفاة 1100 عامل، وإصابة المئات منهم.

ويتواجد ببنجلاديش العديدُ من مصانع الملابس التي تقوم بالتعاون مع شركات عالمية متعددة؛ حيث تصنف كثاني أكبر مصدر للملابس في العالم، وعلى الرغم من المكاسب التي يتم جَنْيُهَا من وراء هذه الصناعة فإن العمال يتقاضون أجورًا زهيدة، ولا يتم توفير أي نظام تأمين صحي لهم.

وقد كشف أحد الناجين من الانهيار أن العمال قد عثروا على شقوق متعددة في المبني قبل يوم الحادث، وامتنعوا عن دخوله خوفًا من انهياره؛ إلا أن إدارة الشركة قامت باستخدام القوة الجبرية لإجبارهم على الدخول، وبعد تحقيقات عديدة من منظمة الشفافية الدولية تم التوصل إلى أن 10% من أعضاء البرلمان من أعضاء مجالس إدارات شركات الملابس، كما أن الشركات العالمية المعروفة لديها مصالح متعددة مع الحكومة، وتقوم بممارسة ضغوط على الحكومة لإجبارها على منحهم مزايا إضافية، وتجاهل تطبيق قوانين العمل.

كذلك تم التوصل في تقرير (مؤسسة “فيرايت” المستقلة لمراجعة الحسابات) إلى أن الشركات الغربية تقوم باستيراد الملابس من الدول الفقيرة -مثل بنجلاديش- لتخزينها في مخازنها، وذلك بالاعتماد على شبكة فساد معقدة يتداخل فيها العديدُ من الوسطاء، وسماسرة الباطن، ومراجعو حسابات، واستشاريون، بحيث تتوزع المسئولية بينهم في حالة حدوث أي أزمة.

وهو ما أدى إلى قيام عددٍ من الناشطين بشن حملات لمقاطعة الشركات العالمية المتورطة في هذا الحادث، وقامت صحيفة “نيويورك تايمز” بنشر تقريرٍ مفصلٍ عن الشركات المتورطة في الحادث، واصفة إياه بأنه “واحد من أسوأ الكوارث الصناعية في التاريخ”، واضطرت هذه الشركات إلى الإعلان بأنها تحترم مسئوليتها الاجتماعية، وأنها ستبدأ في صرف تعويضات لضحايا الحادث، ووقَّعت 24 شركة نسيج وملابس اتفاقًا في مايو 2013 يقضي بتمويل إجراءات الأمن والسلامة في المصانع، ويقضي الاتفاق بأن تُساهم كل شركة بحصة وفقًا لقيمة إنتاجها السنوي من الملابس في بنجلاديش، وبحد أقصى 500 ألف دولار سنويًّا ولمدة 5 سنوات.

وبمرور الوقت أصبحت السمعة السيئة تُلاحق أي شركة عالمية للملابس في بنجلاديش لدى المستهلك، مما اضطرهم إلى اللجوء إلى عدد من الدول الفقيرة الأخرى، وبعد تظاهرات ضخمة من المواطنين أعلن المدعي العام في يونيو 2015 عن وجود 41 متهمًا في هذه القضية، منهم 10 مسئولين حكوميين، وعدد من رجال الأعمال الذين يمتلكون سلسلة شركات في الدولة.

3- عنف طالبان ضد النساء: 

نشرت مجلة “التايم” الأمريكية في 2010 صورةً لفتاة أفغانية تُدعى عائشة، قامت جماعة طالبان بقطع أنفها وأذنها عقب محاولة هروبها من منزل زوجها المنضم لجماعة طالبان، والذي تم تزويجها إليه قسرًا في عمر 12 عامًا كنوع من سداد ديون أسرتها له، واستطاعت عائشة عن طريق دعم بعض الناشطين الحصول على لجوء للولايات المتحدة الأمريكية، وقامت باستكمال دراستها فيها.

وتم توظيف هذه الصورة بشكل سياسي من الولايات المتحدة الأمريكية في إطار صراعها مع طالبان، وأعلنت حركةُ طالبان بعد تداول هذه الصورة استنكارها لما حدث مع عائشة، مؤكدةً أنها لن تسمح بحدوث هذه الحوادث مجددًا، وأن من تولى عملية قطع أنفها وأذنها مقاتلون من طالبان يصرفوا بشكل فردي لم تطلبه منهم الجماعة. وبالفعل اضطرت هذه الجماعة التي لا تلتزم بأي قوانين وتضع قوانينها الخاصة بها، إلى إيقاف الحوادث من هذا النوع على الأقل، وذلك على الرغم من استمرار العنف ضد المرأة في أفغانستان، والذي قدرته الأمم المتحدة بحوالي 90% في عام 2013.

4- المجاعة السودانية:

أثارت الصورة التي أُطلق عليها اسم “الفتاة والنسر” ردود أفعال عالمية واسعة النطاق، وتُظهر الصورة التي تم التقاطها في عام 1993 أثناء مجاعة السودان الناتجة عن الحرب الأهلية السودانية فتاة صغيرة ذهب والداها إلى معسكر الأمم المتحدة لتلقي المساعدات الغذائية، وتُركت وحيدة، ويقف بجوارها نسر ينتظر موتها من أجل أكلها.

وعقب نشر الصورة جاءت العديد من الرسائل إلى المحرر تتساءل عن مصير الفتاة، وهل يُمكن تقديم مساعدات لها، وبدأت العديد من الصحف في التركيز على تداول الأخبار عن تفاقم الوضع الإنساني في السودان، والذي ذهب ضحيته 70 ألف شخص، بالإضافة إلى هجرة 72 ألف شخص آخرين، كما لفتت النظر إلى ضعف المساعدات الدولية المقدمة، وسلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان. ونتيجةً لهذا تدفقت المساعدات من كافة أنحاء العالم إلى السودان، وهو ما ساهم في التخفيف من حدة الوضع بعض الشيء، ولا تزال الصورة متداولة حتى الآن، ومستخدمة في العديد من إعلانات المنظمات العالمية للتحذير من خطر تفاقم المجاعات.

5- تهميش المناطق الفقيرة: 

ظهرت صورة “أوميرا سانشيز” عام 1985 التي ظلت عالقة في المياه والكتل الخرسانية لمدة ثلاثة أيام متواصلة بعد انفجار بركان “نيفادو ديل رويز” ثاني أكبر بركان في القرن العشرين، ومما يجدر ذكره أن أكثر المناطق المتضررة من البركان كانت إحدى القرى الفقيرة التي تُعاني من ضعف الخدمات وبصفة خاصة الطبية، كما تأخرت جهود الإغاثة القادمة من العاصمة؛ حيث وصلت بعد 12 ساعة كاملة من وقوع الحادث. ويذكر المصور الذي التقط الصورة أنه كان يُمكن إنقاذ الفتاة لولا بدائية الأدوات المستخدمة في عملية الإنقاذ.

وقد أثارت الصورة غضبًا متزايدًا من الحكومة الكولومبية التي لم تقم باتخاذ أي احتياط قبل انفجار البركان الذي أسفر عن وفاة 30 ألف قتيل، خاصةً أن العديد من علماء البيولوجي قاموا بالتواصل مع الحكومة محذرين من احتمالية انفجار البركان، إلا أن الحكومة لم تهتم بالأمر، حيث كانت تركز في هذه الفترة على حرب العصابات وقمع التمرد، وزاد من عدم اهتمامهم بالأمر أن البركان يقع قريبًا من منطقة فقيرة.

وحاولت الحكومة الادعاء بأن المصور الصحفي الذي قام بالتقاط الصورة يُريد إحداث ضجة، وأنه كان عليه أن يُحاول إنقاذ الطفلة بدلا من تصويرها، بيد أن هذا الادعاء لم يُصدقه أحد، خاصة أنه نشرها بعد ثلاثة شهور من وفاتها، وقام عدد من الناشطين بالتقدم بشكاوى في المنظمات الدولية ضد الحكومة الكولومبية.

وإجمالا.. يمكن القول إن الصور إحدى أبرز الوسائل التي تُستخدم منذ عقود للضغط السياسي على الحكومات، أو مخاطبة الرأي العام وتحفيزه، إلا أنه ومع انتشار آليات الاتصال الحديثة -ومنها مواقع التواصل الاجتماعي- أصبحت درجة تأثيرها وسرعة انتشارها أكبر، ومن ثم حرص كل طرف على أن يعمل على توظيفها لصالحه. فعلى سبيل المثال فإن صورة الطفل “إيلان” تم توظيفها من جانب الناشطين والمجتمع الدولي للدلالة على تفاقم أزمة اللاجئين، وعلى الجانب آخر نشرتها داعش تحت عنوان “خطر الهجرة من دار الإسلام”.

منى مصطفى محمد

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية