بعد ساعات فقط من إشراف الرئيس الإيراني حسن روحاني على افتتاح مصنع لتجميع أجهزة الطرد المركزي، تعرض الموقع لحادث أو هجوم أو عمل تخريبي لم تتضح خلفياته حتى الحين.
وقد كان الحادث محمّلا بأبعاد الزمان والمكان، حيث استهدف منشأة نطنز التي تضم أهم المفاعلات النووية الإيرانية، وجاء وسط حراك دبلوماسي لدفع واشنطن للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي الموقع في 2015، والذي يهدف لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية الذرية مقابل رفع العقوبات الدولية.
بيد أن هذه ليست المرة الأولى التي تنال فيها منشأة نطنز زخما كبيرا، فمنذ عقود تتحدث عنها التقارير السرية وتتعرض لهجمات إلكترونية وأعمال تخريبية لا تتبناها أي جهة، لكن طهران تشير دائما بأصابع الاتهام إلى الإسرائيليين والأميركيين.
قدرات نووية
تقع نطنز في إقليم أصفهان على بعد 260 كلم جنوب طهران، وتضم منشأة لتغذية اليورانيوم باستخدام طريقة الطرد المركزي وطريقة الفصل الليزري.
وفي 2003 جاء في تقرير مسرب للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه عثر على يورانيوم من الدرجة المطلوبة للأسلحة في عينات أخذت من الموقع، مع أن إيران ألقت باللوم على مواد مستوردة ملوثة، وأكد تقرير مستقل فيما بعد ما قالته طهران.
وقد علقت إيران العمل على مفاعل لتخصيب اليورانيوم في نطنز عام 2003، لكنها أعادت العمل به لاحقا.
وفي 2006، ذهبت التقديرات إلى أن مفاعل نطنز الذي يقع جزء كبير منه تحت الأرض، قد يضم حوالي 50 ألفا من أنابيب نقل الغاز المتطورة، مما يسمح له بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لتطوير ما يزيد على 20 سلاحا نوويا كل عام.
ووفق تقديرات أخرى، فإن المفاعل يمكن أن تكون فيه 5 آلاف أنبوب للنقل بعد إتمام المراحل الأولية من المشروع، وهو الرقم الذي يمكّن إيران من إنتاج ما يكفيها من اليورانيوم لإنتاج قليل من الأسلحة النووية كل عام إذا شرعت في ذلك، خاصة بعد إجرائها أبحاثا على أجهزة الطرد المركزي “بي2” (B2) الأكثر تطورا وفعالية من أجهزة “بي1” (B1) التي كانت تستخدمها.و في عام 2014، اختارت طهران أجهزة طرد من جيل جديد “آي آر-8” (IR-8) تتيح لها التخصيب بسرعات عالية جدا مقارنة بالأجهزة التي كانت موجودة.
وإلى جانب نطنز، تمتلك إيران العديد من المواقع والمنشآت النووية، من أبرزها مفاعلات: أصفهان وأراك وفوردو وبوشهر
لكن نطنز ظلت الأكثر زخما في التقارير الغربية، والأكثر عرضة للاستهداف من خصوم إيران.
ففي يوليو/تموز 2020، تعرض الجزء الظاهر فوق الأرض من مجمع نطنز لأضرار جسيمة جراء حريق، وبعد ذلك بأسابيع، أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن الحادث نتج عن عمل تخريبي.
وحينها، قالت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) الأميركية إن التفجير الذي استهدف منشأة نطنز النووية الإيرانية تم التخطيط له لأكثر من عام، مشيرة إلى احتمال تفجيرها من خلال زرع عبوة ناسفة أو عبر هجوم إلكتروني.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤولَين اثنين في المخابرات الأميركية، قولهما إن ترميم المنشأة لإعادة البرنامج النووي الإيراني إلى ما كان عليه قبل الانفجار، قد يستغرق عامين.
وقارن مسؤولون مطّلعون على بعض خبايا الانفجار في نطنز، تعقيدات هذا التفجير بهجوم “ستاكسنت”(Stuxnet) الإلكتروني المتطوّر على المنشآت النووية الإيرانية قبل عقد من الزمن، والذي خُطّط له لمدة تجاوزت العام.
وكان البرنامج النووي الإيراني تعرض إلى هجوم إلكتروني من خلال فيروس “ستاكسنت” الذي ضرب البرامج المعلوماتية في طهران عام 2010، وتسبب بعطل في أكثر من 30 ألف حاسوب شمل حواسيب مفاعل نطنز.
أما موقع “ستراتفور” الأميركي، فقال حينها إن إسرائيل مسؤولة على الأرجح عن الانفجار والحريق الذي نشب في منشأة نطنز وربما عن حوادث أخرى مماثلة وقعت بالقرب من طهران في تلك الفترة، ومنها تفجير مجمع خوجير الصاروخي في 26 يونيو/حزيران الماضي.
وبينما تحاول قوى دولية الدفع باتجاه عودة جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق النووي، جاءت حادثة أمس لتقول إن المفاوضات وحدها قد لا تكفي للتعامل مع مفاعل نطنز.
ويأتي الهجوم بعد أيام فقط من صدور تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يؤكد أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم في سلسلة ثالثة من أجهزة الطرد المركزي.
وجاء في التقرير أن “إيران بدأت تخصيب اليورانيوم في سلسلة ثالثة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، في مفاعل نطنز تحت الأرض، في انتهاك آخر للاتفاق الذي أبرمته الجمهورية الإسلامية مع القوى الكبرى عام 2015”.
ووفقا للبيان، فقد تأكدت الوكالة في 7 مارس/آذار الماضي، أن إيران بدأت ضخ سادس فلوريد اليورانيوم الطبيعي في السلسلة الثالثة التي تضم 174 من أجهزة الطرد المركزي.
المصدر : الجزيرة