المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران والدول العظمى حول عودة الولايات المتحدة المخطط لها إلى الاتفاق النووي ووجهت بصعوبات متزايدة. وكتب العقيد (احتياط) أودي أفينطال من المركز متعدد المجالات في هرتسليا، أمس، أن ما يحدث في فيينا يستدعي “المشهد الشديد للأيام التي سبقت الاتفاق الأصلي”، في 2015. “إيران توسع مشروعها النووي وتراكم معرفة لن يكون بالإمكان أخذها منها”، وأضاف: “وتستغل الوقائع التي تضعها على الأرض في المجال النووي لتحقيق إنجازات في المفاوضات”. كل ذلك نتيجة محتمة لقرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق في 2018، بتشجيع كبير من رئيس الحكومة في حينه، نتنياهو.
ويبرز استفزاز إيران أيضاً في ساحات أخرى. ففي نهاية حزيران هاجمت الولايات المتحدة قاعدة للطائرات المسيرة لمليشيات مؤيدة لإيران على الحدود بين سوريا والعراق، ومنذ ذلك الحين وقعت سلسلة هجمات انتقامية بواسطة طائرات مسيرة ضد قواعد أمريكية في العراق. منذ بضع سنوات، يستخدم الحوثيون في اليمن الطائرات المسيرة من إنتاج إيران في حربهم ضد السعودية. رأى الإيرانيون أنه أمر جيد، ونقلوا طائرات مسيرة كهذه أيضاً إلى مبعوثيهم في العراق. وكانت النتيجة هجمات واسعة النطاق، ودقيقة وأكثر ضرراً، يتعرض لها الأمريكيون أيضاً. لا يجري كل شيء بتوجيه مباشر من إيران؛ فالحديث أحياناً يدور عن مبادرة ذاتية لمليشيات شيعية تستغل الوسائل القتالية التي بحوزتها.
تلاحظ إسرائيل وجود محاولة إيرانية لفحص حدود المعركة، مع دخول إدارة بايدن إلى الصورة وعودتها إلى المفاوضات النووية. يقف في الخلفية إعلان الرئيس الأمريكي سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان. وإذا خرجت الولايات المتحدة نهائياً من أفغانستان بعد عشرين سنة مخيبة للآمال، ستطمح طهران إلى خطوة مشابهة في العراق، التي يمكن أن تعزوها لنفسها. كل عوامل القوة في المنطقة – إيران والسعودية وإسرائيل ودول أخرى – تنظر باهتمام إلى العلاقة المحتملة بين التوقيع الجديد على الاتفاق النووي وسحب المزيد من القوات من منطقة الشرق الأوسط.
الساحة الأكثر اشتعالاً في هذه الأثناء هي لبنان. فالحكومة الانتقالية في بيروت تجد صعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، من الدواء وحتى الوقود. تزويد الكهرباء في بيروت الآن مقلص أكثر مما هو في غزة، التي ما زالت تنهض من العملية العسكرية الإسرائيلية. عندما بدأت موجة الاحتجاج على أداء الحكومة في لبنان قبل سنتين تأثرت إسرائيل من الشباب المتظاهرين الذين تعاونوا معاً رغم الفروق بين الطوائف والأديان. ولكن يبدو أن الضائقة تدفع الدولة إلى العودة إلى البنية الطائفية المتنازعة.
بنظرة من إسرائيل، لا يبدو أن هناك سيناريوهات متفائلة تخرج العربة من الوحل. النظام السياسي في لبنان منقسم وفاسد، وسيجد صعوبة في تلبية المعايير العالية للشفافية التي تطالب بها المؤسسات الدولية كشرط لإدخال المساعدات إليها. والدول التي تهمها بدرجة أقل، مثل السعودية، لا تسارع إلى مد يد العون. هذا الوضع قد يخدم حزب الله وسيده، إيران، بالأساس إذا تم التوقيع على الاتفاق النووي والاقتصاد الإيراني، الذي سيكسب من رفع العقوبات، ويمكنه توجيه مساعدات مالية إلى بيروت.
قد يكون لهذه الفوضى تأثير كابح على حزب الله، الذي لن يسارع إلى مواجهة إسرائيل (عملياً، هو تجنب ذلك منذ 15 سنة). وعلى المدى الأبعد، كل عوامل القوة في لبنان ضعفت، والدولة تجد صعوبة كبيرة في النهوض. والجيش اللبناني الذي ما زال يحظى بتعاطف ما من الجمهور الواسع، هو أيضاً غارق في مشكلاته. هذا الأسبوع وعدته قطر بتحويل 70 طناً من الغذاء شهرياً لإطعام جنوده. وفي الوقت نفسه، بدأ الجيش في إعداد طائرات مروحية لنقل السياح في محاولة لزيادة مداخيله. وإذا أخذنا في الحسبان وضع الصيانة المتدني للطائرات اللبنانية، فإن هذه التجربة لن تكون ناجحة كما يبدو.
على المسار
في الأسابيع الأولى لحكومة بينيت – لبيد، يبدو أن هناك انشغالاً كبيراً بمشكلتين أمنيتين ملحتين: التهديد النووي الإيراني، والوضع في قطاع غزة. ولكن هاتين الساحتين، الضفة ولبنان، تضعان أمام الحكومة الجديدة تحديات غير متوقعة عندما تتعرض إسرائيل إلى جزء من الهزات الثانوية التي تخلقها الأزمات الداخلية لدى الجيران. إضافة إلى ذلك، يبدو أن القيادة الجديدة بدأت في الصعود على المسار. بدأت العلاقات مع إدارة بايدن بصورة صحيحة، ويسير الحوار مع المستويات المهنية في جهاز الأمن كالعادة وبصورة موضوعية، وتتم معالجة عودة كورونا في هذه الأثناء بحذر وبدون هستيريا مبالغ فيها (الزيادة في عدد من يحملون كورونا عالية وواضحة، لكن نفتالي بينيت على حق عندما يركز على العدد المنخفض لمن يتم علاجهم ويرفض شل الاقتصاد مثلما حدث في بداية الوباء).
القدس العربي