بجهد دبلوماسي ملحوظ من قبل تونس، وبعد التأييد الذي حصلت عليه مصر والسودان من قبل الجامعة العربية في خصوص الأزمة الجارية بين البلدين العربيين وإثيوبيا، اجتمع مجلس الأمن الدولي وناقش طلب القاهرة والخرطوم بتدخّل دولي لإقرار اتفاق عادل بين سلطات الدول الثلاث، لكن نتيجة الاجتماع كانت على غير ما أملت مصر والسودان وانتهى الأمر بتأييد أعضاء مجلس الأمن لجهود الوساطة التي يجريها الاتحاد الأفريقي وحث جميع الأطراف «على استئناف المحادثات».
تجاهل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذن مشروع القرار التونسي الذي يحثه على الضغط لإبرام اتفاق ملزم بين البلدان الثلاثة بشأن آلية التشغيل، وأكّد ما سبق أن صرّح به رئيسه الفرنسي نيكولا دو ريفيير أن مجلس الأمن ليس مخولا ببحث أزمة سد النهضة وأن كل ما يستطيعه هو «جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفها، ثم تشجيعها للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل».
وسواء كان ذلك يعود إلى «انحياز فرنسا إلى إثيوبيا» كما صرّح دبلوماسي مصريّ، أم لأن مصر والسودان لم تعدا جيدا للجلسة ولم توضحا بشكل كاف خطورة السد عليهما، على حد قول عبد الرحمن خريس، من المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السودانية، وأن النتيجة هي «لا فائز ولا خاسر» فالحقيقة التي يجب أن تواجهها حكومتا البلدين العربيين هي أن عليهما العودة مجددا لاستخدام نفوذ الجامعة العربية والضغط الدبلوماسي داخل الاتحاد الأفريقي، كما كان الأمر قبل صعودهما شجرة «مجلس الأمن» وانتهاء «المباراة» بالتعادل السلبي بين أصحاب الأزمة.
ينبع النيل «الأزرق» من إثيوبيا، فيما ينبع النيل «الأبيض» من بحيرة فكتوريا ويغطي حوضه عُشر مساحة قارة أفريقيا، ويضم أجزاء من تنزانيا وبوورندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وجنوب السودان وإثيوبيا والسودان ومصر، وبهذا المعنى فهو نهر يخصّ مجمل القارة الأفريقية لا يقتصر على ثلاثة بلدان فيها، وهو ما يفرض فعلا تعاون مجمل القارّة لتحقيق الاستفادة القصوى لكل البلدان المتشاركة فيه، وعدم الإضرار بطرف أو ببلد، وبالتالي تحقيق العدالة التي تفيد الجميع.
وإذا كان تراخي مجلس الأمن يستند إلى أن حوض النيل يشكّل مصلحة وجودية لكثير من البلدان العربية ـ الأفريقية أساسا، فالحقيقة أنه شأن عالميّ أيضا، ليس لأن الخلافات بين البلدان المتشاركة في النهر وحوضه قد تفضي إلى نزاعات خطيرة بينها، في قارة معرّضة للزلازل السياسية التي قد تنداح باتجاه أوروبا وآسيا، ولكن، أيضا، لأن احترار المناخ وآثاره الخطيرة تمسّ العالم برمّته، ولأن أعداد السكان تتزايد في كل هذه البلدان، وبالتالي فإن مياه النيل لن تكون كافية وحدها لسد حاجات تلك البلدان، وهي في حاجة حيوية للتعاون فيما بينها، وكذلك للعمل على إيجاد حلول استراتيجية لا ترتكز فقط على مياه النيل.
القدس العربي