توقفت المفاوضات بين إيران والقوى الدولية الكبرى، قبل الانتخابات الإيرانية بفترة، هذه الانتخابات التي فاز بها إبراهيم رئيسي، ولم تبدأ بعد؛ بانتظار تشكيل فريق تفاوض جديد. أمريكا أعلنت، على لسان أكثر من مسؤول فيها، أنه إذا استمر الوضع على حاله؛ فإنها ربما تنسحب من الاتفاق النووي، أو بعبارة أخرى ربما تنسحب من المفاوضات، أي تسدل الستار عليها. وقد رافق أو صاحب هذا التلويح؛ تحرك أمريكي لحشد التأييد الدولي، للضغط على إيران لتحديد موعد لبدء المفاوضات.
الممثل الأمريكي لشؤون إيران روبرت ميلي، زار كلاً من فرنسا وبريطانيا والاتحاد الروسي لهذا الغرض، ربما للسعي لضمان تأييد القوى الدولية الكبرى في إصدار قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ يشجب موقف إيران ويدينها. هذا القرار رغم الجهد الأمريكي؛ لم يحصل بفعل الموقف الروسي والصيني لمصالحهما مع إيران. التحرك الأمريكي الأخير لم يجئ من فراغ، بل بسبب القلق الأمريكي والإسرائيلي معا من برنامج إيران النووي، ودرجة اقتراب إيران من صناعة السلاح النووي، أو اقترابها من العتبة النووية، وهو أمر واقع بشكل واضح؛ فإيران فعلا تقف الآن على العتبة النووية، ولا تحتاج إلا لقرار سياسي لصناعة السلاح النووي، لكن هل إيران في الوقت الحاضر وربما في الأمد القريب؛ قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار في ظروفها وظروف المنطقة الحالية؟ نعتقد أن إيران أذكى من أن تقدم على أي خطوة من هذا القبيل، ليس لأن هذا القرار حاليا؛ يعرضها إلى خطر الهجوم الأمريكي أو الإسرائيلي بضوء أخضر أمريكي، وهو أمر بعيد الاحتمال، إن لم أقل، بعيد كليا؛ لأنه يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية بخصوص إيران هذا أولا، وثانيا؛ كلفة مثل هذا الهجوم إن حدث؛ ستكون باهظة لأمريكا والكيان الإسرائيلي؛ وتحديدا لجغرافية الكيان الإسرائيلي وللقواعد الأمريكية في الخليج العربي، وثالثا؛ لن يقود هذا الهجوم للقضاء على برنامج إيران النووي، أو حتى يلحق به ضررا يؤدي إلى تعطيله بعض الوقت، بفعل الجغرافية الإيرانية الوعرة التي يتركز فيها،؛ أهم مفاصل هذا البرنامج.
أما الحديث عن خطط بديلة أمريكية وإسرائيلية لتطويق برنامج إيران النووي أو القضاء عليه، التي لم يعلن عن ماهيتها أو وسائلها، فقط خطة بديلة؛ في حال فشلت المفاوضات أو رفضت إيران الدخول فيها، وهذا الأمر بعيد كليا. وحتى إن تمت إعادة العمل بخطة العمل الشاملة والمشتركة؛ لأحياء الصفقة النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى؛ فإن إسرائيل سوف تنفذها وعلى شكل مراحل، كما كان وقد قامت بها في وقت سابق من هذا العام والأعوام السابقة؛ وهي عمل من الأعمال المخابراتية بالاستعانة بالحروب السيبرانية التي تتقنها إسرائيل، وبالكادر البشري الإيراني الذي يعمل لصالحها في الداخل الإيراني، من دون أن توجه أصابع الاتهام أو الإدانة الدولية لإسرائيل بالذات، حين لا تعلن اسرائيل عن مسؤوليتها عنها، وهذا هو الاحتمال الوارد جدا، إن لم أقل هو الاحتمال الأكيد، خصوصا أن إسرائيل ليست طرفا في هذه الصفقة، إن تمت إعادة العمل بها. اعتقد أن إيران تدرك ذلك تماما، فقد صرح في وقت سابق من هذا العام، اكثر من مسؤول إيراني؛ بأن الداخل الايراني مخترق من قبل الكيان الإسرائيلي.
إيران فعلا تقف الآن على العتبة النووية، ولا تحتاج إلا لقرار سياسي لصناعة السلاح النووي
نعود إلى المفاوضات التي سوف تكون مفاوضات صعبة ومعقدة جدا، ولن تنتهي في وقت قصير، أي يصار إلى اتفاق جديد أو إعادة العمل بالاتفاق السابق الذي تم تبنيه في عام 2015؛ لأن الكثير من الأمور والأوضاع قد تغيرت، سواء في أوضاع المنطقة أو في الداخل الأمريكي، أي الهزيمة الأمريكية المدوية في أفغانستان، أو في البرنامج النووي الإيراني، وما حصل فيه من تطورات ومراكمة للخبرة في مجال التخصيب، أو في إدارة الرئيس الإيراني وطاقمه المتشدد. من المستحيل أن ترضخ إيران أو تنصاع إلى اتفاق جديد غير اتفاق عام 2015؛ لأن جميع أوراق اللعبة تعمل لصالحها، ومن الغباء التفريط بها، وفي هذا الوقت الملائم لها بالذات، وإيران ليست بهذا المستوى من الغباء، بل العكس هو الصحيح.
أول الإضافات على الاتفاق السابق؛ الصواريخ الإيرانية ونفوذ إيران في المنطقة العربية؛ ولو أن امريكا لم تتحدث عنهما منذ حين من الوقت وهذا يعني أنها قد تخلت عنها. لكن هناك معضلة تكاد تكون عويصة على الحل والحلحلة، ولكنها ليست مستحيلة، وهو ما يجعل تلك المفاوضات صعبة ومعقدة، عندما تبدأ، وستستغرق وقتا ليس بالقليل؛ ألا هو تخصيب اليورانيوم وزمن الصفقة النووية. إيران لا تريد لهذه الصفقة أن يكون زمن العمل بها أكثر مما ورد في اتفاق عام 2015، فيما أمريكا تريد أن تمدد زمن هذه الصفقة اكثر بكثير مما ورد في الاتفاق المذكور؛ وهذا الأمر يتعلق بحسابات أمريكا التكتيكية والاستراتيجية، وبقول أكثر وضوحا وصراحة؛ تعول على فعل الزمن في تحطيم ركائز النظام الإيراني مع مشارط الجراحة الإسرائيلية، إضافة إلى الأساليب الأخرى، ومنها إقامة تحالفات عربية عربية لتطويق النفوذ الايراني في المنطقة، بطريقة ناعمة وغير صدامية؛ الشام الجديد، وابنه الاصيل؛ التعاون والشراكة بين العراق وجواره العربي والإسلامي، إضافة إلى تسكين الخلاف الإيراني السعودي؛ بتطبيع العلاقة بينهما، وما يترتب عليه كلازمة حاكمة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا الدولتين، وأيضا بالنسبة للسعودية؛ امتناع إيران عن التدخل في الشأن العربي، وهنا المقصود حصريا هو اليمن، إذا ما تم الاتفاق على رأب الصدع بينهما، ومن ثم وبالنتيجة تطبيع العلاقة بينهما؛ وهذا الأمر بعيد الاحتمال؛ ان يتم تطبيع العلاقة بين الدولتين، إلا إذا تخلت السعودية عن مطالبها، سابقة الاشارة، أو أن إيران قبلت بها، في الظروف الحالية، من غير المرجح أن تجد الدولتان منطقة وسط تلتقي فيها مصالحهما.
إن إعادة العمل بالصفقة النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى، لا يعني برنامج إيران فقط، بل جميع ملفات المنطقة، بحسب البعد الاستراتيجي الأمريكي لهذه الصفقة، لكن ليس بالطريقة المباشرة أي بحزمة واحدة، فهذا أمر لن يحصل في المفاوضات؛ إنما يحصل بخطوط متوازية ومتزامنة، ومفهومة ومعلومة بالإيحاء التراسلي، بمعنى إرسال رسائل طمأنة لأطراف الحوار المباشرين؛ لإعادة العمل بالصفقة النووية، ولأطراف الظل الخائفين من نتائج إبرام أو إعادة إبرام الصفقة بروح جديدة، وعلى ركائز اتفاق عام 2015. عموما إن إحياء خطة العمل المشتركة والشاملة؛ سوف يتم ولو بعد فترة ليست بالقليلة، وبمفاوضات صعبة ومضنية. فإيران تريد لهذه المفاوضات أن تنجح، لأسباب اقتصادية، ولكن بطريقة تضمن لها الحصول على أكبر قدر من المكاسب، ومن دون التنازل عن تخصيب اليورانيوم على أراضها، والكمية التي تقرر هي حاجتها لها، وهي حجة سوف تستخدمها في هذه المفاوضات، إضافة لزمن الصفقة، فهي لن توافق على أن تكون لانهائية، أو العمل بها للأمد البعيد. أما أمريكا فلن يكون أمامها في نهاية المطاف إلا الاتفاق على إعادة العمل بخطة العمل الشاملة والمشتركة، وإلا سوف تصحو ذات يوم غير بعيد؛ على إيران القنبلة النووية. هذا الامر او الوضع إن حدث سوف يؤثر في أمريكا وإسرائيل وحلفائهما من جهة، ومن الجهة الثانية سوف يدفع لا محال إلى سباق إقليمي على حيازة السلاح النووي، أو الوقوف على العتبة النووية.
على ضوء هذه المعطيات فإن إعادة العمل بالصفقة النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى؛ ستحصل وبكل تأكيد.
مزهر الساعدي
العربي الجديد