سجل الإنتاج النفطي الروسي أعلى معدلاته منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ بلغ المعدل نحو 10.74 مليون برميل يومياً في أيلول (سبتمبر) الماضي، بزيادة 1.3 في المئة عليه في أيلول 2014، وفقاً لدائرة الإحصاء في وزارة الطاقة الروسية، كما جاء في خبر لنشرة «بلاتس أويل غرام نيوز» النفطية اليومية.
تحقّق روسيا هذه المعدلات الإنتاجية النفطية العالية، وهي مستويات تضعها في مصاف الدول النفطية الثلاث ذات الطاقة الإنتاجية الأضخم في العالم مع السعودية والولايات المتحدة. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لكل من هذه الدول الثلاث ما يزيد عن 10 ملايين برميل يومياً. وتأتي المسيرة المتصاعدة للإنتاج الروسي في وقت أعلن الأمين العام لمنظمة «أوبك» عبدالله البدري، الأسبوع الماضي، عن دعوة روسيا الى حضور اجتماع فني خلال الشهر الجاري. والاجتماع «الفني» هذا هو اجتماع دوري تعقده المنظمة مع الدول المنتجة خارج «أوبك»، وهو الاجتماع الثاني من نوعه هذا العام مع روسيا. وتعقد منظمة «أوبك» منذ فترة، اجتماعات دورية «فنية» على مستوى الخبراء مع الدول المنتجة والمستهلكة، مثل دول السوق الأوروبية المشتركة أو وكالة الطاقة الدولية.
يُذكر أن الإنتاج الروسي للنفط الخام في ارتفاع مستمر خلال هذه السنة، على رغم تدهور الأسعار والتوقعات السلبية لصناعة النفط الروسية. إذ تشير معلومات وزارة الطاقة الى أن زيادة صادرات النفط الخام خلال العام الحالي (حتى نهاية ايلول)، تقدر بنحو 4.434 مليون برميل يومياً، أو 2.8 في المئة أكثر مما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام السابق. ومن الملاحظ أن ارتفاع صادرات النفط الخام ازدادت في شكل ملحوظ على رغم قوانين الحصار الغربية التي فرضت على روسيا منذ النزاع مع أوكرانيا. ويعزى السبب لهذه الزيادة الى تغيير نظم الضرائب المحلية، التي شجعت الشركات على زيادة الصادرات بدلاً من التركيز على التكرير المحلي للحصول على منتجات بترولية أكثر للسوق المحلي.
فكيف استطاعت روسيا زيادة الإنتاج والصادرات على رغم تدهور الأسعار؟
هناك عوامل أساسية ثلاثة ساعدت على هذه الظاهرة.
أولاً: خفض معدلات الضرائب على الإنتاج في شكل متقارب مع انخفاض الأسعار.
ثانياً: الاستفادة من انخفاض قيمة الروبل في مقابل الدولار. فالاستثمارات ونفقات التطوير والإنتاج في روسيا تُدفع بالروبل، بينما تقبض الشركات من مبيعات التصدير بالدولار. وتستفيد الشركات الروسية من فرق العملة هذه.
ثالثاً: تحقّق غالبية الزيادة من الحقول الجديدة. أما الحقول القديمة، فقد هرم الكثير منها لأسباب طبيعية بسبب الفترة الطويلة في الإنتاج منها أو المعدلات العالية للإنتاج.
تشير المعلومات هذه عن مستوى إنتاج النفط الروسي وصادراته الى الآتي:
– استخدام موسكو نظم الضرائب المرنة في توفير الحوافز اللازمة للشركات الروسية، في زيادة إنتاجيتها من جهة، أو في زيادة صادراتها للنفط الخام من جهة أخرى. بمعنى آخر، استعمال الحوافز الاقتصادية للشركات لخدمة السياسات الاقتصادية للبلاد. كما تدل هذه المعلومات على أهمية استخدام العامل الضريبي لتشجيع الشركات على التفاعل مع سياسات الدولة وأولوياتها، أو لردعها عن الاستمرار في بعض السياسات التقليدية، ما يدل على مرونة النظام السياسي والاقتصادي الروسي في التفاعل مع الأزمات الداخلية والخارجية.
– تدل زيادة إنتاج النفط الروسي وصادراته خلال هذه الفترة الصعبة من صناعة النفط، على ضرورة تبني منظمة «أوبك» سياسة ذات أفق أوسع مع الدول المنتجة خارج المنظمة، أكانت هذه دولاً منتجة كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، أو صغرى. فأقطار منظمة «أوبك» تنتج نحو 32 مليون برميل يومياً من النفط الخام، مقارنة بمجمل الإنتاج العالمي البالغ 92 مليون برميل يومياً، أو الثلث تقريباً. ويُذكر أن دور منظمة «أوبك» تغير قياساً الى ما كان عليه في الماضي، ومن الضروري تبني سياسات وعلاقات مختلفة ومرنة مع الدول المنتجة من خارج المنظمة.
– معروف أن لدى روسيا احتياطات نفطية ضخمة، وأن عمليات الاكتشاف وتطوير الحقول في ازدياد مستمر. وفي هذا الصدد، يشير التقرير الإحصائي السنوي لمنظمة «أوبك» لعام 2013، الى أن الاحتياط النفطي الروسي ارتفع من نحو 75.954 بليون برميل عام 2008 الى 80 بليوناً في 2012.
وعلى رغم ضخامة هذا الاحتياط، فهو أقل كثيراً من احتياطات كلّ من السعودية وفنزويلا والعراق وإيران. هذا يعني أن على روسيا، إذا قررت الاستمرار لفترة طويلة في إنتاجها المرتفع، العمل المستمر للاستكشاف، من أجل تعويض النفط المنتج وزيادة حجم الاحتياط. وهناك مناطق شاسعة في سيبيريا لا تزال غير مكتشفة وهي متوافرة لهذا الغرض.
– إن الأرقام التي أعلنتها وزارة الطاقة الروسية عن ارتفاع الإنتاج والصادرات، عامل مهم في زيادة الإمدادات للأسواق العالمية والتخمة النفطية التي نتجت منها. كما أن معدلات الإنتاج العالية هذه تعكس توافر الخطط والاستثمارات الجاهزة لدى الشركات الروسية للمضي قدماً في زيادة الإنتاج، ما يوضح لماذا رفضت روسيا التعاون مع منظمة «أوبك» في منتصف عام 2014 لخفض الإنتاج.
نقلا عن الحياة