اياد العناز
أتت الأحداث الأخيرة التي رافقت العملية العسكرية التي شنتها القوات الجوية والصاروخية الإسرائيلية نحو الأراضي الإيرانية بعديد من الوقائع والمتغيرات الميدانية انعكست على طبيعة العلاقات الدولية والإقليمية، منها ما شهدتها العلاقات الروسية الإيرانية من تباين في المواقف التي كان الحليف الاستراتيجي الإيراني يتوقعها من الشريك الروسي، فجاءت المواقف دون مستوى الطموح السياسي والعسكري الذي أعلنته السلطات الروسية وعبرت عنه عبر مواقفها من المواجهة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية التي امتدت طوال (12) يوم، حيث لم تتمكن موسكو من تقديم أي دعم عسكري ومشاركة عدى ما تضمنه موقف الكرملين والرئيس فلاديمير بوتين والمسؤولون الروس من إدانة رسمية للضربات الإسرائيلية ولم يبدوا أي علامات حول نيتهم تقديم دعم فعلي.
أوضحت هذه المواقف توترًا واضحاً في العلاقات بين موسكو وطهران سبقها عدم قيام وزارة الدفاع الروسية بالاسراع والتأخير في إجابة رئاسة أركان الجيش الإيراني بتزويدهم بمنظومة الدفاع الجوي ( إس 400) والطائرات المقاتلة نوع ( سو 35) لزيادة القدرة الدفاعية والهجومية للقوات العسكرية الإيرانية، كما كانت للأحداث السياسية التي أدت لسقوط نظام بشار الأسد الحليف المشترك لهما وتراجع روسيا عن التزاماتها العسكرية نحو إيران والتحول الروسي نحو الاهتمام بالحرب الأوكرانية، كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انحدار في طبيعة العلاقات المشتركة بين روسيا وإيران، والتي كان لها ردود أفعال معاكسة في أروقة النظام السياسي الحاكم في طهران ونظر الكثير من قيادات الحرس الثوري وفيلق القدس وبعض القيادات السياسية إليها بشئ من الريبة وعدم القبول بل تعدى ذلك إلى اتخاذ مواقف داعمة لإعادة النظر في الشراكة الروسية وتحديد أطر ومسار العلاقات المستقبلية معها خاصة بعد موقف الرئيس بوتين بدعوته الى تصفير تخصيب اليورانيوم الإيراني والذي شكل صدمة كبيرة في الأوساط السياسية الإيرانية مع إيجاد اسباب حقيقة تقنع القيادة الإيرانية بمواقف الروس مما حدث في مواجهتها مع إسرائيل.
أدى الموقف الروسي إلى صياغة علاقة إيرانية تدعمها مواقف بعض المسؤولين الإيرانيين الذين أشاروا إلى أن الوقائع السياسية اثبت لهم أن العلاقات السياسية تدار بمنطق المصالح والمنافع وليس هناك محددات والتزامات وفق المنظور الاستراتيجي والشراكة الراسخة، وهو ما يجعل من القائمين على السياسة الخارجية الإيرانية بالعودة إلى قراءة المواقف من جديد واعداد صياغة أولويات السياسة الخارجية وحدود ما يمكن أن يقدمه الشركاء في المستقبل وعند أي منعطف لمواجهة قادمة،كما راجعت إيران ذاكرتها السياسية وعادت إلى قراءة المواقف في القصور الروسي من الاستجابة لطلباتها في الحصول على أنظمة دفاعية روسية متقدمة وطائرات مقاتلة نوع ( 57-SU) المصممة لاختراق الدفاعات الجوية المتطورة والتي تقارب في إمكانياتها قدرات الطائرة الأمريكية (إف 35)، ولاحظت أن سبب التأخير أو الممانعة هي الضغوط الخارجية والحسابات الجيو سياسية التي لا يمكن للشريك الروسي أن يتعداها في علاقته مع أطراف إقليمية ودولية.
تسعى روسيا للحفاظ على العلاقة النسبية التي تحسنت مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد مجئ الرئيس دونالد ترامب وتجنب أي حالة من التوتر في العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي العربي، ولهذا فهي لم تتأخذ أي موقف مساند بشكل فاعل مع إيران ولم يكن لها أي تأثير ميداني في نتائج المواجهة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية وارادت التمسك بعلاقة متوازنة مع جميع الأطراف وتحديداً أقطار الخليج العربي المنتجة للنفط والحفاظ على مكتسباتها المتحقق في منظمة اوبك واسواق الطاقة، رغم العلاقة المتميزة التي تطورت كثيراً بين روسيا وطهران بعد الحرب الأوكرانية وتزويد إيران للجيش الروسي بالصواريخ والطائرات المسيرة التي احدثت فعالية كبيرة في الميدان العسكري، ووصل الأمر إلى اتهام الدول الأوربية لإيران بأنها من تزود روسيا بالذخائر وقذائف المدفعية وآلاف الطائرات المسيرة التي تهاجم البنية التحتية في أوكرانيا، إضافة إلى الشراكة الاقتصادية في مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي، ومع كل هذا التعاون المشترك ألا أن القيادة الروسية اتخذت موقفًا محايدًا من المواجهة الإسرائيلية الإيرانية واقتصر الرد الروسي على توجيه إدانات رسمية طالت الهجوم الإسرائيلي نحو العمق الإيراني دون تقديم أي دعم عسكري وسياسي داعم لإيران.
عاودت إيران مسار علاقتها مع روسيا بعد العرض الأوربي ببدأ مباحثات مشتركة بين دول ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) مع إيران في مدينة إسطنبول التركية يناقش السبل الكفيلة للتركيز على رفع العقوبات الاقتصادية وإزالة القلق المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ورأت ان استعادة علاقتها سيؤدي إلى تعزيز دورها لبحث ملفها النووي مع مسؤولين روس وصينيين ومنحهما قدرة على التأثير في قراراتها وتحسين علاقاتها الدولية، وهو ما جعل المرشد الأعلى علي خامنئي يوفد مستشاره السياسي علي لاريجاني الي العاصمة الروسية ( موسكو) واللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين ونقل رسالة من القيادة الإيرانية تتعلق بمسار العلاقات بينهما وطبيعة الملفات السياسية المشتركة ومناقشة ما سيتم الحوار به مع ممثلي الدول الأوربية بشأن البرنامج النووي الإيراني، كما زار وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصر زاده موسكو بدعوة من وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف واجريا محادثات مشتركة في الثاني والعشرين من تموز 2025 لتعزيز التعاون بينهما في مجالات التسليح وتطوير المؤسسة العسكرية الإيرانية في كافة صنوفها، ويمكن النظر إلى مشاركة السفينة SB738 التابعة للبحرية الروسية في مناورات الإنقاذ البحرية “كاساريكس 2025” المشتركة مع إيران في بحر قزوين أنها تندرج في سعى الجانبان إلى إعادة دفء العلاقات بينهما، ومعلوم أن هذه المناورات تجري تحت شعار (معًا من أجل بحر قزوين آمن ومستقر) ، بمشاركة القوات البحرية للجيش والحرس الثوري الإيرانيين وقيادة شرطة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والبحرية الروسية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
