مجلس الدفاع الإيراني الأعلى.. استراتيجية أمنية واعداد لحرب قادمة

مجلس الدفاع الإيراني الأعلى.. استراتيجية أمنية واعداد لحرب قادمة

اياد العناز

فرضت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية التي انطلقت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 العديد من المتغيرات الداخلية على طبيعة وسير العملية السياسية والتوجهات التي تابعتها القيادة الإيرانية في مراجعتها الدقيقة لمجمل الأوضاع الميدانية وما احدثته الضربات الإسرائيلية من إعادة للنظر في استخدام الأدوات العسكرية والأساليب الأمنية وكيفية الاعداد لمرحلة قادمة قد تؤدي إلى حرب خاطفة أخرى بعد هدنة عسكرية مع إسرائيل تراهاز إيران أنها كانت ذات طبيعة هشة.
فجاء الرأي السياسي في مجلس الأمن القومي الإيراني بالعودة إلى المادة 176 من الدستور الإيراني المعدل عام 1989 التي أقرت تشكيل مجلس الدفاع الأعلى بعد الحرب العراقية الإيرانية والذي تم تأجيل تشكيله بعد الموافقة الإيرانية على قرار مجلس الأمن الدولي في الثامن من آب 1988بوقف القتال مع العراق.

أن الاعلان عن تشكيل مجلس الدفاع الإيراني الأعلى فرضته الظروف التي تلت المواجهة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية ونتائجها في الميدان الإيراني والتي يمكن النظر إليها من عدة محاور رئيسية..

1.المحور الداخلي..
أ.تفعيل أنشطة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وإعادة ترتيبها من جديد والوقوف على السلبيات التي واجهت عملها والإخفاقات التي رافقت الضربات الإسرائيلية داخل العمق الإيراني واعداد الخطط الكفيلة بتداركها والعمل على هيكيلة نظامها عبر تنويع المصادر الأمنية وتنشيط الخطط الأمنية.
ب. مواجهة أي محاولات لانتفاضة شعبية داخل المدن الرئيسية المهمة ( طهران وأصفهان وتبرير وكرمنشاه والأحواز) وتقعيل دور الأجهزة التنفيذية من الأمن العام والشرطة المحلية في التصدي لها ومنع امتداد الاحتجاجات الشعبية في عموم الأراضي الإيرانية.
ج. تنشيط العمل الميداني ومتابعة حركة وتوجيهات جميع الأحزاب السياسية وقيادتها المعارضة لسياسة النظام الإيراني الداخلية والخارجية.
د. دراسة دقيقة لحال المنظومة الأمنية وتحديد استراتيجية عمل لها تتوافق مع المخاطر والأحداث التي تتعرض إليها إيران واعداد الخطط الحديثة التي تتلائم وطبيعة الأزمات التي تواجهها داخليًا وخارجيًا.
ه. إجراء مراجعة جذرية شاملة لمجمل الخطاب السياسي الذي يحيط بمنظومة الحكم القائمة في طهران.
و. ترتيب الوضع الأمني الداخلي وتصحيح المسار التنفيذي المسؤول عن قيادة الأجهزة الأمنية وتعيين الكوادر الفعالة في المناصب العليا اعتمادًا على الكفاءة والخبرة الميدانية في كشف شبكات التجسس والأنشطة الأمنية المعادية.
ز.اعادة تشكيل مجلس الدفاع الأعلى لا يكون على حساب الدور الفعال والميدان لباقي مؤسسات النظام الإيراني وأهمها مؤسسة خاتم الأنبياء والحرس الثوري ولا تتناقض صلاحيته الدستورية مع باقي واجبات القيادات التشكيلات العسكرية.

2.المحور الخارجي..
1.تعزيز العمل الدبلوماسي والحوار السياسي مع الأقطار المحيطة بإيران وتفعيل اتفاقيات التعاون المشترك معها والانفتاح على البعض منها في تبادل الخبرات والمعلومات الأمنية والاستخبارية التي تصب في مصلحة النظام.
ب. تفعيل الاتفاقيات مع اقطار مجلس التعاون الخليجي العربي وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية وتبادل المعلومات الاستخبارية وتنشبط التعاون الأمني بينها.
ج. اعتماد صيغة واضحة في العمل السياسي يواكب التوجه الإيراني نحو أقطار الخليج العربي وباقي العواصم العربية من أن إيران لا تشكل تهديدًا فعليًا يمس الأمن القومي العربي وتعزيز حالة الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
د. إعطاء صلاحيات واسعة للمجلس في تحديد المهام والأهداف الاستراتيجية في مجال السياسات الدفاعية للدول الحليفة مع إيران وتوسيع التعاون وتبادل المعلومات ذات الطبيعة الأمنية والاستباقية في تحديد الأخطار التي تتعرض للأمن القومي الإيراني.
ه. إعادة تشكيل مجلس الدفاع الأعلى مؤشر واضح على تقديرات عسكرية بعودة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية مرة أخرى، وأن القيادة الإيرانية لا زالت ترى أنها في حرب قائمة ومواجهة مستمرة.
و. رسالة إلى الدول الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بأن أي محاولة لتفعيل آلية الزناد وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران أثناء المراجعة التي ستتم في 18 تشرين الأول 2025 سيواجه بخطوات كبيرة قد تؤدي إلى زيادة حالة التوتر والقلق في منطقة الشرق الأوسط وتفتح المجالات لجولة أخرى من المواجهات العسكرية المباشرة.
ز.يعتبر مجلس الدفاع توجه سياسي إيراني لتوحيد الرؤى السياسية والعسكرية في العقيدة الاستراتيجية الأمنية الإيرانية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ويمثل القرار الإيراني لاستعادة وتقوية الهياكل الأمنية الداخلية في مواجهة التهديدات الخارجية في ضوء المتغيرات الميدانية وتصاعد النزاعات العسكرية في الإقليم.

أتى القرار السياسي للقيادة الإيرانية بإعادة تشكيل مجلس الدفاع الأعلى ليعطي انطباعًا مهمًا عن الاهتمام الذي أولته القيادة الإيرانية بضرورة أحداث تغييرات جوهرية في هيكلية المنظومة الأمنية والعسكرية والتي تكللت بإعادة تأسيس المجلس وفق ترتيبات أمنية جديدة تتزامن مع الاستعدادات العسكرية الإيرانية تحسباً لجولة جديدة من الهجمات الإسرائيلية في عمق الأراضي الإيرانية.

وتم تكليف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان برئاسة المجلس وعضوية كل من رؤساء السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وممثلين عن المرشد الإيراني علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي ووزير الاستخبارات ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة وقادة من الحرس الثوري والجيش ومقر خاتم الأنبياء.

أن الاعلان عن تشكيل مجلس الدفاع يؤكد توجه القيادة الإيرانية لتعزيز دور مؤسساتها العسكرية والأمنية في سرعة اتخاذ القرارات ذات الطبيعة الدفاعية وزيادة عملية التنسيق بين جميع الهيئات والمؤسسات العسكرية والأمنية حماية لأي خطر جسيم يتعرض له الأمن القومي الإيراني ومواجهة التهديدات الداخلية والخارجية عبر اتباع الأساليب والخطط المشتركة التي يتم الاتفاق عليها واقرارها.

أن الغاية الأساسية من تفعيل مهام مجلس الدفاع، حماية النظام السياسي الإيراني واستمرار ديمومتها وتأثيره داخليًا ومنع أي محاولات خارجية لاسقاطه عبر وسائل وأدوات تدعم التيارات والاحزاب السياسية المعارضة للنظام أو عبر عمل ومواجهة عسكرية قادمة تتوقعها الأوساط السياسية والامنية الإيرانية، وسعي النظام لإعادة هيكلية مؤسساته وإنشاء منظمومات جديدة أكثر فاعلية بعد التسلل والخروقات الأمنية التي طالت القيادات العليا في الدولة الإيرانية بتغلغل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني مستهدفة اماكنه ومواقعه الحساسة والتي شكلت صدمة كبيرة للإيرانيين ، واذا لم تسارع القيادة الإيرانية في معالجة الفساد السياسي والاقتصادي والأزمات الكبيرة التي يعاني منها النظام مع انعدام البدائل المفروضة وذات الخبرة الميدانية، فإن أي تغييرات تنظيمية سوف لا تحمي النظام ولا تمنع سقوطه أو استهداف منشأته النووية والعسكرية والأمنية في أي هجوم قادم جديد.

رافق قرار الاعلان عن تشكيل مجلس الدفاع الأعلى، تعيين مستشار المرشد الأعلى للشؤون السياسية على لاريجاني أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، بعد سنوات من الابتعاد عن العمل في المنظومة الأمنية التي يعتبره النظام مهندسًا لها لما يمتلكها من إمكانيات ميدانية وعلاقات واسعة في الأوساط السياسية والأمنية داخل وخارج إيران، مما يساهم في عملية إعادة تكوين المؤسسة الأمنية الإيرانية وأحداث تغييرات جوهرية فيها تخدم مسيرة النظام بعد المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، والتي تعتبر بداية لمرحلة جديدة في إدارة الملفات ذات الطابع السياسي في العلاقات الدولية والإقليمية.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة