اياد العناز
تقترب الوقائع وتتطور الأحداث وفق المنظور السياسي والعسكري في إمكانية عودة إسرائيل لمواجهة جديدة وضربات جوية وصاروخية للعمق الإيراني وفق العديد من المعطيات التي تراها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقناعات المشتركة الأمريكية الإسرائيلية بعدم تحقيق النتائج الكفيلة بشل القدرات النووية الإيرانية وضرورة العمل باتجاه إعادة تفعيل العمليات العسكرية في ضوء التوجهات الإيرانية باعتماد سياسية الغموض النووي والابتعاد عن مجمل الإجراءات الميدانية في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم الإفصاح عن حقيقة احتفاظها ب(408) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والتي لم تتأكد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من تحديد مواقع خزنها أو تدمير معظمها بعد الضربات الجوية التي أصابت المنشآت النووية في ( فوردو ونطنز وأصفهان) وترى أن إيران يمكن لها استخدامها في إنتاج أسلحة وقنابل نووية.
لا زالت القيادة الإيرانية متمسكة باستراتيجيتها الخاصة بالأمن القومي وثوابت عقيدتها السياسية والعسكرية مع تصريحات قيادتها بقدرتهم على مواجهة الهجمات الأمريكية الضربات الإسرائيلية وإلحاق الأضرار الجسيمة بالمواقع والمراكز الأمنية والاقتصادية والعلمية داخل العمق الإسرائيلي، وهذا ما يساهم في تعزيز النشاط الإستخباري وتوسيع دائرة البحث الأمني والانتشار الميداني من قبل المصادر والأدوات الإسرائيلية واعتماد العمليات الخاصة لمعرفة الوسائل والطرق الإيرانية التي تعمل بموجبها على تأهيل مواقعها النووية ومواصلة تخصيب اليورانيوم وتنفيذ عمليات هجومية واسعة أكثر تأثيراً لما حدث في الضربات السابقة، وهذا ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديثه الذي نشرته ( ووتل ستريت جورنال) الأمريكية في 12 تموز 2025 وذكر فيه (أن إسرائيل ستنفذ ضربات عسكرية ضد إيران إذا ما استأنفت مساعيها لامتلاك سلاح نووي).
ترى إسرائيل أن الحل الأمثل للتخلص من البرنامج النووي الإيراني يتمثل في إسقاط النظام السياسي الإيراني، وهو ما كانت تسعى إليه إسرائيل في هجومها الاخير ولكنه لم يكن هدفًا أمريكيًا، وبسبب الإجراءات والممارسات الإيرانية وعدم قبولها لأي مبادرة وحلول أمريكية وامتناعها عن عقد الجلسة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي ابتدأت في العاصمة العُمانية واستمرار سياسة التوجه نحو تفعيل آلية الأنشطة النووية ورفض دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتصريح المرشد الأعلى علي خامنئي في أول ظهور له بأن الولايات المتحدة لم تحقق أي إنجاز عسكري في مواجهتها لإيران في حزيران 2025 ، جعل إسرائيل أمام خيار العودة ثانية لهجمات عسكرية أكثر ضراوة، إلا إذا التزمت إيران بالشروط الأمريكية والإسرائيلية بتوضيح مصير المواد النووية المخصبة بنسبة 60٪ ووقف عملية التخصيب ووضع ضوابط ميدانية على القدرات الإيرانية الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والسلوك السياسي في التمدد والنفوذ في الشرق الأوسط والوطن العربي.
أمام هذه المعطيات والتطورات السياسية جاءت الإجراءات الإيرانية الأخيرة بالإعلان عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني الأعلى وتعيين على لاريجاني أمينًا لمجلس الأمن القومي الإيراني في محاولة إيرانية لإعادة ترتيب فاعلية المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية وخططها الميدانية ومعالجة جميع الإخفاقات التي رافق عملها خلال (12) يومًا من المواجهة مع واشنطن وتل أبيب، ولأجل الاعداد السليم لاحتمالية توجيه ضربة جوية وصاروخية أخرى، سارعت إيران إلى تلافي الإخفاقات الأمنية وإعادة تأهيل أجهزتها الأمنية وتنشيط فعالية دورها في متابعة شبكات التجسس والتي ابتدأتها بترحيل اعداد من اللاجئين والذي بلغ عددهم (800) ألف وفق ما أعلنه وزير الداخلية الإيراني في 19تموز 2025 خشية من تعاونهم مع أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، مع إعطاء أهمية اجتماعية في تعزيز الانتماء الوطني والنزعة القومية بعيدًا عن الرمزية الدينية في محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية وإبعاد أي خلافات سياسية وصراعات فكرية تضعف حالة التماسك الداخلي والابتعاد عن النزاعات الانفصالية التي تدعو إليها شعوب إيران من ( العرب الأكراد والبلوش)، وهذا ما ظهر واضحاً في 5 تموز 2025 أثناء الاحتفالية الكبرى بيوم عاشوراء التي حضرها المرشد الأعلى علي خامنئي ووجه ببث نشيد ( يا إيران) للمؤلف القومي الإيراني ( تورج نجبهان) والذي يحظى بمحبة شعبية واسعة رغم أنه من المعارضين للنظام غادر للولايات المتحدة الأمريكية وتوفي في ولاية لوس أنجلوس عام 2008، وهو اجراء وتوجيه سياسي يؤكد الاهتمام الكبير بالحفاظ على بقاء النظام والعودة للمواطنين الذي أشار اليه خامنئي بالقول ( أن إيران بحاجة للقوة الوطنية)، وهو الواقع الذي بدأت تدركه القيادة الإيرانية عبر النتائج التي آلت إليها الضربات الجوية الأمريكية الإسرائيلية باسقاطها للاستراتيجية الإيرانية التي اعتمدت عليها في بنائها واعدادها ودعمها والمتمثلة بالشركاء والحلفاء من الفصائل المسلحة المرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري والدول الكبرى ( روسيا والصين) مع ادراكها الضرر الكبير الذي لحق بمنظومتها الدفاعية والصاروخية والخشية من اندلاع تظاهرات واحتجاجات شعبية كبيرة كالتي انطلقت في أيلول 2023 بعد مقتل الشابة الكردية همسا آميني.
ثم التوجه نحو الصين الحليف الاستراتيجي رغم الموقف الرسمي للقيادة الصينية وعدم وصوله إلى مستوى الطموح الذي كانت ترغب به القيادة الإيرانية أثناء المواجهة العسكرية مع إسرائيل، فقد سعى وزير الدفاع الإيراني ( عزيز نصير زاده) أثناء زيارته للصين في 25 حزيران 2025 لحضور اجتماع وزراء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي على لقاء نظيره الصيني (جون دونغ) لمناقشة تعزيز التعاون العسكري بين الدولتين وطلب شراء منظومات دفاعية جديدة وتزويد إيران بنظام الدفاع الجوي الصيني ( HQ-16) وهو نظام صاروخي متوسط المدى يستخدم لاعتراض الأهداف الجوية وإمكانية الحصول على طائرات مقاتلة نوع (C10 – j) متعددة المهام، وهي محاولة إيرانية جادة لتنويع مصادر أسلحتها وتقوية دفاعاتها الجوية والصاروخية واستبدالها بأنظمة جديدة، وهو ما أكده نائب عمليات الجيش الإيراني ( محمد موسوي) في 20 تموز 2025 بأن ( إيران استبدلت جزءًا من أنظمة الدفاع الجوي المتضرر) واستلامها منظومات جديدة من الصين وبطاريات صواريخ أرض – جو ودفعت قيمتها المالية من عمليات تصدير النفط الإيراني للصين.
وتشهد التحركات الإيرانية متابعة أمنية استخبارية إسرائيلية وعبر شبكاتها وجواسيسها العاملة في الداخل الإيراني وعبر منافذ ومساحات أخرى ولهذا فهي تستعد لمواجهة أي إجراءات إيرانية تتعلق بتخصيب اليورانيوم وخشيتها من إمكانية إنتاج إيران القنبلة الإشعاعية (EEI) التي يمكن الوصول إليها بمواد أقل تخصيباً.
ثم العمل باتجاه تقوية الانفتاح السياسي والاقتصادي وتدعيم العلاقات الثنائية بين دول الجوار الإيراني وخاصة اقطار مجلس التعاون الخليجي العربي والتي تقدر إيران موقفها من الحرب الأخيرة مع إسرائيل برفضها استخدام مرور الطائرات الإسرائيلية عبر اجوائها وادانتها للعمليات العسكرية وتعزيز الدور الإقليمي لإيران ومحاولة اعتماد الخطاب السياسي الذي يؤكد على عدم وجود أي دوافع لاستهداف المنطقة أمنيًا وعسكريًا وأن لا وجود للخطر الإيراني على الإقليم.
وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للسلوك الإيراني تجاه شركائها من الحوثيين وحزب الله اللبناني وطبيعة العلاقة معهم وماهي الإمكانيات التي لا زالت القيادة الإيرانية متمسكة بتقديمها إليهم رغم التحذيرات الشديدة التي ظهرت في رسائل وأحاديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن إيران لا زالت تدعم ممارسات الحوثيين في اليمن ومنها ما كشفت عنه ( وول ستريت جورنال) استمرار تسريع الجهود الإيرانية في تسليح حلفائها في انحاء الشرق الأوسط، وأوضحت أن خفر السواحل اليمنية اعترضوا شحنة كبيرة تحمل صواريخ ورؤوس حربية وطائرات مسيرة وقطع غيار ومعدات عسكرية متوجهة للحوثيين تم اخفائها بحاويات خاصة مكيفات الهواء في إحدى السفن المبحرة في البحر الأحمر للتنويه والخداع، وكذلك ما تم ضبطه من قبل السلطات السورية من عدة شحنات لأسلحة ومعدات وذخيرة وصواريخ موجه نوع ( جراد) ، مع اعتراض كتيبة من الجيش السوري عند الحدود اللبنانية على شحنات أخرى تحتوي أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ روسية، كانت متجه لكتائب ومقاتلي حزب الله اللبناني.
ثم تصريح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي في مقابلة له مع وكالة تسنيم الإخبارية الإيرانية في 9 أب 2025 بأن (إيران تعارض بالتأكيد نزع سلاح حزب الله لأنها ساعدت على الدوام الشعب اللبناني والمقاومة وما زالت تفعل)، ثم اضاف (هل تملك الحكومة اللبنانية أي شعور بالمسؤولية إزاء حماية البلاد والشعب حتى تطرح مثل هذه المشاريع؟ وإذا وضع حزب الله سلاحه، فمن سيدافع عن أرواح اللبنانيين وأموالهم وأعراضهم؟).
تبقى أمام القيادة الإيرانية فرصة سياسية وخيار ميداني لمنع أي ضربة محتملة بأن تتأخذ من المباحثات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية طريقًا يوصلها لتحقيق غاياتها وأهدافها في رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق أموالها المجمدة وإعادة دورها الإقليمي وتأثيرها في أسواق الطاقة، وإلا فإن الحرب وإمكانية عودتها قائمة وستكون أكثر تأثيراً مما سبقتها وأنها قد تكون لها ابعادها الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وبقاء النظام السياسي الحالي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
