فشل فرنسا السابق في فرض تطبيق مخرجات المؤتمر الذي رعته حول ليبيا واللقاء بين القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج، يقلل من التوقعات بشأن نجاحها هذه المرة في تحقيق أي اختراق، لاسيما بعد أن خسرت نفوذها لصالح تركيا وروسيا.
تونس- اختارت فرنسا العودة إلى ورقة تنظيم المؤتمرات الدولية بشأن ليبيا في خطوة ينظر إليها مراقبون على أنها محاولة تهدف إلى استعادة نفوذها الذي خسرته في البلاد بعد تدخل روسيا وتركيا عسكريا في البلاد.
وينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا بشأن ليبيا في الثاني عشر من نوفمبر المقبل أي قبل نحو شهر من انتخابات عامة تهدف إلى طي صفحة عقد من النزاع في هذا البلد، غير أن شكوكا تحيط بإمكانية إجرائها.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال مؤتمر صحافي على هامش الجمعية العامة الـ76 للأمم المتحدة أنه “على خلفية الانتخابات في ديسمبر، ستنظم فرنسا مؤتمرا دوليا حول ليبيا في الثاني عشر من نوفمبر”.
كما يترأس لودريان مع نظيريه الألماني هايكو ماس والإيطالي لويجي دي مايو اجتماعا مخصصا لليبيا الأربعاء في نيويورك.
وذكّر لودريان بأن فرنسا تدعو إلى الإبقاء على موعد الانتخابات المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر و”رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة”.
وأحيا إعلان لودريان عن المؤتمر التنافس الفرنسي – الإيطالي على البلاد خلال السنوات التي سبقت الحرب الأخيرة في طرابلس، حيث تنافس البلدان على تنظيم المؤتمرات حول ليبيا. لكن البلدين أعلنا مؤخرا عن التوصل إلى تفاهمات وأن الخلاف على ليبيا قد انتهى.
وخسرت إيطاليا نفوذها غرب البلاد لصالح تركيا التي حازت على أغلب مشاريع إعادة الإعمار بالإضافة إلى مشاريع التنقيب عن النفط والغاز، في حين أدى التدخل الروسي إلى تبديد أحلام فرنسا في السيطرة على المنطقة الوسطى بعد حديث عن انتشار مرتزقة فاغنر في سرت وفي مناطق جنوب البلاد (إقليم فزان) الذي يعتبر منطقة نفوذ تاريخية لها.
وسبق أن نظمت باريس في مايو 2018 مؤتمرا حول ليبيا كان من أهم مخرجاته تحديد الرابع والعشرين من ديسمبر من نفس السنة موعدا لإجراء انتخابات عامة وهو الأمر الذي لم يتحقق.
وفي يوليو 2017 نظم ماكرون لقاء بين القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق آنذاك فايز السراج واتفق الطرفان على عدة تفاهمات لم تتحقق أيضا.
ويتساءل مراقبون عما يمكن أن تقدمه باريس من خلال هذا المؤتمر لليبيا والليبيين خاصة وأنها لم تنجح في تحقيق شيء عندما كانت الساحة الليبية شبه خالية تقريبا سوى من بعض التدخلات غير المباشرة.
وكانت فرنسا أحد الأطراف الدولية المتدخلة بشكل غير مباشر في الصراع حيث كشفت عدة حوادث وجودها لتعزيز صفوف الجيش الليبي بقيادة حفتر. ففي 2016 أسقطت مجموعات متطرفة مروحية عسكرية فرنسية ما دفع فرنسا للاعتراف في ما بعد بوجودها، وقالت إن تلك العناصر تم إرسالها في سياق مهمة استخبارية.
وفي الحرب الأخيرة التي دارت على تخوم العاصمة طرابلس عثرت ميليشيات المنطقة الغربية على صواريخ جافلين الأميركية في مدينة غريان الجبلية التي كانت أولى المدن التي استعادتها الميليشيات بعد 3 أشهر من المعركة، واعترفت باريس في ما بعد بأن تلك الصورايخ تعود لها، لكنها أنكرت أن تكون قد منحتها للجيش ليستخدمها في معركة طرابلس.
وبعد تلك “الفضيحة” شن الإسلاميون حملة شديدة ضد فرنسا بالإضافة إلى حديث عن ضغوط دولية خاصة من قبل الولايات المتحدة أجبرت باريس على “تجميد” دعمها العسكري للجيش وهو ما فتح الباب على مصراعيه لروسيا للانفراد بالبلاد.
وأدى اكتفاء فرنسا بمراقبة ما يجري إلى انحسار الصراع بين روسيا من جهة وتركيا التي تدخلت في ما بعد من جهة أخرى، ما سهل التوصل إلى تسوية انتهت بانسحاب الجيش والمرتزقة الروس الداعمين له من جنوب طرابلس وكامل المنطقة الغربية.
وتنفي روسيا وجود قوات تابعة لها في ليبيا لكن تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حملت اعترافا ضمنيا بوجودها عندما قال في يناير 2020 “حتى إذا كان هناك في ليبيا مرتزقة روس.. فهم بالتأكيد لا يمثلون دولتنا”.
واتخذت تلك القوات من سرت التي لطالما خططت فرنسا للسيطرة عليها باعتبارها ستسهل مهمة الربط بين أفريقيا والبحر المتوسط، مركزا لها بالإضافة إلى التمركز داخل قواعد جنوب البلاد.
ولم تكتف روسيا بذلك، حيث أشارت تقارير إعلامية غربية عديدة إلى أن مرتزقة فاغنر قاموا بتدريب المعارضة التشادية التي تتمركز جنوب ليبيا وساعدتها على تنفيذ الهجوم الذي أدى إلى مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي.
ومؤخرا انتشرت تقارير تفيد بتفعيل فرنسا لدورها العسكري في ليبيا حيث قامت حسب قيادات من المعارضة التشادية المسلحة بتوجيه ضربات جوية مساندة للعملية العسكرية التي أطلقها الجيش الليبي لطرد المعارضة التشادية من جنوب البلاد.
وتقول التقارير إن تلك العملية العسكرية تقودها بالأساس باريس في إطار خطة فرنسية – تشادية لإضعاف المعارضة وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهو ما يشكل فرصة أيضا للجيش الليبي للتخلص من تلك المجموعات التي لطالما شكلت صداعا له جنوب البلاد خاصة بعد أن انخرطت في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة التي نفذت عدة هجمات على مواقع الجيش خلال السنوات الماضية.
مراهنة روسيا على شخصيات من النظام السابق قد تثير انزعاج حفتر وتدفعه إلى توطيد علاقته بالغرب وبحليفته فرنسا
وأثار انخراط الجيش في تلك العملية الاستفهامات حول ما إذا كانت علاقته قد ساءت بروسيا ومجموعة فاغنر الداعمة له. ولا يستبعد مراقبون حدوث توتر، لاسيما في ظل الحديث عن مراهنة روسيا على شخصيات من النظام السابق وهو أمر أكيد سيثير انزعاج حفتر الذي يطمح لقيادة البلاد ويدفعه إلى توطيد علاقته بالغرب وبحليفته فرنسا أكثر من أي وقت مضى.
ويمثل إخراج روسيا من ليبيا تحديا كبيرا بالنسبة إلى فرنسا خاصة بعد ما أبانت عن طموحاتها للتمدد في أفريقيا حيث ستكون السيطرة على ليبيا وخاصة على سرت مسألة في غاية الأهمية بالنسبة إلى موسكو التي بات لديها الأن منفذان على البحر المتوسط: من سوريا وليبيا.
وفي حين لم يصدر أي تعليق فرنسي رسمي بشأن تورط فاغنر في تدريب المعارضة التشادية المسلحة، إلا أن باريس عبرت مؤخرا بوضوح عن رفضها لاستعانة الجيش المالي بعناصر فاغنر لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الفرنسي المخطط له قبل مطلع العام القادم.
وتحولت روسيا إلى خطر حقيقي يهدد نفوذ فرنسا في مستعمرتها الأفريقية السابقة. وبالإضافة إلى تشاد ومالي أصبحت أفريقيا الوسطى ساحة تنافس بين البلدين مؤخرا.
العرب