قطر تواصل مساعدة طالبان لكن مقابل ماذا؟

قطر تواصل مساعدة طالبان لكن مقابل ماذا؟

الثروة التي تجلس عليها طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان، تفسر بحسب مراقبين الاهتمام القطري المبالغ فيه بالملف الأفغاني، الذي بدأ بتنظيم حوار بين الحركة والحكومة السابقة ويتواصل لإقناع العالم باحتواء الحركة.

نيويورك – تقود قطر حملة علاقات عامة إقليمية ودولية لاستيعاب التغيير في أفغانستان والاعتراف بحكومة طالبان، تجعلها بالنسبة للحركة قارب النجاة الوحيد من العزلة التي لا تزال تحيط بها حتى الآن، جراء التردد الدولي في الاعتراف بها.

ويرأس هذه الحملة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما يعكس أهمية الملف الأفغاني بالنسبة إلى قطر والذي يبدو واضحا أنه يتعدى الوساطة إلى طموحات البلاد للظفر بصفقات في أفغانستان، خاصة في قطاع المعادن الثمينة التي يوصف بعضها بأنها نفط وغاز المستقبل.

حملة العلاقات العامة لصالح طالبان، والتردد الدولي في الاعتراف بحكومتها في أفغانستان يوفران لقطر فرصة فريدة بأن تحظى بنفوذ واسع النطاق في هذا البلد. كما يفتحان أمامها فرصا للاستثمار تعثرت حتى الولايات المتحدة في الأخذ بها بسبب انشغالها المتواصل بالنزاع المسلح مع حركة طالبان.

حملة العلاقات العامة لصالح طالبان والتردد الدولي في الاعتراف بها يوفران لقطر فرصة كي تحظى بنفوذ واسع في البلد

ومثلما سعى الشيخ تميم إلى دعوة دول العالم، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى استيعاب الحركة والحوار معها بدلا من عزلها، فإن وزير خارجيته الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني قام بجولة شملت إيران وباكستان وتركيا وروسيا وأفغانستان للنظر في سبل الدعم التي يمكن توفيرها لضمان الاستقرار في أفغانستان ودعم حكومتها الجديدة.

الشيخ تميم شدد أمام الأمم المتحدة على “ضرورة استمرار الحوار مع طالبان لأن المقاطعة لا تؤدي إلا إلى الاستقطاب وردود الفعل، في حين أن الحوار يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية”.

بينما شدد الشيخ محمد بن عبدالرحمن خلال كل فصول جولته على أن ضمانات الاستقرار في أفغانستان تستوجب تقديم الدعم لحركة طالبان واحتوائها وتشجيعها على الاعتدال.

وزاد على ذلك بالقول خلال اجتماع وزاري افتراضي على هامش الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن بلاده تدعم مطالب الأفغان بالاستقرار والتنمية والسلام، وإنها “تؤمن بأن السلام الشامل والمستدام هو المفتاح الرئيس لوقف الأزمة الإنسانية التي تعيشها أفغانستان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي مقدمتها حق التعليم للجميع”.

وتشكل صناعة التعدين، ومنها استخراج مادة الليثيوم، التي تعد “نفط وغاز المستقبل” إحدى أهم ركائز الاهتمام بالنسبة إلى قطر. ويشكل احتلال مركز رئيسي لاستغلال هذه الثروة التي تقدر قيمتها بنحو ثلاثة تريليونات دولار أحد أهم أسباب السباق الذي تتصدره الدوحة الآن، بين منافسين آخرين مثل الصين وتركيا والولايات المتحدة نفسها.

وتشمل المعادن النادرة، التي تعد حجر الزاوية في الصناعات التكنولوجية الحديثة، السيريوم، والنيوديميوم، وعروق الألمنيوم، والذهب، والفضة، والزنك، والزئبق، والليثيوم. وهذا الأخير، ضروري لإنتاج السيارات الكهربائية وإلكترونيات الطائرات وبطاريات الطاقة المتجددة، وهو موضع تنافس شديد بين الولايات المتحدة والصين، للسيطرة على أهم جزء في سلاسل إنتاج الطاقة النظيفة، وذلك وسط الضغوط المتزايدة من أجل الحدّ من الانبعاثات الضارة بالمناخ، التي تسببها مصادر الطاقة التقليدية.

وكلما ترددت دول العالم في فتح الأبواب أمام طالبان، اتسعت الفرص أمام قطر لتكون هي جسر العبور الرئيسي أمام الاستثمارات في أفغانستان.

الدوحة تحاول في الوقت نفسه أن تجمع بين هذا الطموح وبين دفع حركة طالبان إلى إظهار المزيد من الاعتدال. لاسيما وأن الاستثمارات التي تعطلت لعشرين عاما، يمكن أن تتعطل من جديد إذا ما اتضح أن أفغانستان عادت لتكون مصدر تهديد للخارج أو حتى مصدرا للأخبار الداخلية التي تثير الامتعاض، وتحول دون الاعتراف بحكومة طالبان، وتحول بالتالي دون إقامة علاقات تجارية مثمرة.

أمير قطر قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن “على المجتمع الدولي مواصلة الحوار مع طالبان، وفصل المساعدات الإنسانية عن المسارات السياسية في أفغانستان، وحماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان”.

وفي المقابل شدد وزير خارجيته على أنه لا يمكن السماح بتحول أفغانستان إلى “أرض للمنظمات الإرهابية، وأنه من غير المقبول أن نرى أي معاملة سيئة للنساء في أفغانستان”.

الجمع بين تسويق طالبان للمجتمع الدولي، وبين دفعها إلى ممارسة الاعتدال قد يبدو صفقة معقدة بالنظر إلى التباعد الشديد في المفاهيم والاعتبارات والأولويات بين الطرفين، إلا أن قطر تبدو في وضع يؤهلها للدخول في “مغامرة ناعمة”، ولو كانت غارقة بالمخاطر.

فمن ناحية، تحتضن قطر المكتب السياسي لحركة طالبان منذ عدة سنوات وساهمت في إدارة المفاوضات بين قيادة الحركة وبين الولايات المتحدة، مما جعلها جسرا موثوقا به بين الطرفين.

ومن ناحية أخرى، فإن انسحاب العديد من السفارات الأجنبية إلى الدوحة جعل العاصمة القطرية تبدو وكأنها العاصمة الأفغانية البديلة. وتأمل الدوحة أن تبقى مركزا رئيسيا للحوار بين أفغانستان ودول العالم الأخرى.

ويُتبين من سجل المخاطبات القطرية بين حركة طالبان والمجتمع الدولي نوعان من التحذيرات، الأول يتوجه إلى طالبان لكي يطالبها بممارسة الاعتدال. والثاني يتوجه إلى المجتمع الدولي لكي يطالبه باحتواء هذه الحركة وتشجيعها على الاعتدال.

والسبب الذي يجعل من هذه المخاطبات مغامرة محفوفة بالمخاطر، هو أن البون لا يزال شاسعا أمام حركة طالبان لتكون شيئا آخر غير ما يعرفه العالم عنها. كما أن فقه التطرف، إن لم يكن رعاية تنظيمات مثل “القاعدة” و”حقاني” لا يزال هو “الثقافة” التي تريد طالبان أن تعود لتفرضها على أفغانستان، وهي ثقافة لم تفتأ تثير الأزمات، وتبدد الانطباعات المتفائلة بإمكانية التعامل مع الحركة.

السؤال الذي قد يواجه الدوحة، وبقية العواصم الدولية، هو هل تغني الاستثمارات في معادن أفغانستان، عن النظر في “معادن الثقافة الطالبانية”؟

الجواب بالنسبة إلى الولايات المتحدة كان حربا استمرت عشرين عاما، لا تحققت فيها استثمارات ولا تغيرت فيها طالبان.

العرب