إيران ومنظمة شانغهاي: ماذا تعني العضوية الكاملة؟

إيران ومنظمة شانغهاي: ماذا تعني العضوية الكاملة؟

مع إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية، خاصة من القوى العظمى على قيام هذه المؤسسة التي تستهدف بصورة أساسية بناء حالة سياسية واقتصادية وأمنية لا تدور في الفَلَك الأميركي. حاولت كل من هذه الدول صياغة موقفها من منظمة شنغهاي للتعاون وتحديد سياستها تجاهها بناء على أولوياتها الاستراتيجية. وكانت إيران من بين تلك الدول التي يمكن أن تتأثر بتشكيل هذه المنظمة بسبب قربها الإقليمي. وسارعت إيران لتعلن عن رغبتها في الانضمام إلى هذه المنظمة، لتنجح في أن تصبح عضوًا مراقبًا في هذه المنظمة في عام 2005، لكن الوصول إلى العضوية الكاملة اقتضى من إيران أكثر من 15 عامًا من السعي السياسي والدبلوماسي. وأصبحت إيران عضوًا دائمًا، في اجتماع المنظمة، في 17 من سبتمبر/أيلول 2021، والذي استضافته مدينة دوشنبه عاصمة طاجيكستان، في الذكرى العشرين لتأسيس المنظمة. ويحتاج تفعيل العضوية إلى إجراءات وترتيبات قد تصل مدتها إلى عام ونصف. وإضافة إلى ما تعنيه هذه العضوية سياسيًّا واقتصاديًّا، تنظر إليها طهران كأداة لتمهيد الطريق لتأسيس هيمنة إقليمية في الشرق الأوسط.

وسيكون لهذه العضوية مزايا وعيوب، وفق ما يتحدث عنه رئيس مركز التجارة العالمية في طهران، محمد رضا سبزعليبور؛ حيث إن المنظمة هي منظمة حكومية دولية للتعاون الأمني ​​والاقتصادي والثقافي تأسست من قِبل قادة الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان بهدف “موازنة نفوذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في المنطقة”. وفي عام 2016، التحقت الهند وباكستان بالعضوية الكاملة بعد أن بقيتا عضوين مراقبين في المنظمة لعدة سنوات، ورفضت المنظمة في ذلك العام طلب العضوية الرسمية والدائمة لإيران، لتُقبل في اجتماع المنظمة الأخير حيث تكون العضوية بالإجماع ووُقِّعت وثيقة العضوية الدائمة لإيران في المنظمة من قبل قادة المنظمة، بما في ذلك روسيا والصين.

شانغهاي في الميزان العالمي
ويمكن بيان حجم تأثير وحضور هذه المنظمة على الساحة الدولية بتعداد النقاط التالية:

منظمة شنغهاي للتعاون واحدة من أكبر وأهم وأكبر وأغنى المنظمات الإقليمية في العالم وتلعب دورًا مهمًّا للغاية في العلاقات التجارية والأمنية العالمية.
الدول الأعضاء الدائمون والمراقبون في منظمة شنغهاي للتعاون، يعدون من أكبر منتجي ومستهلكي الطاقة في العالم.
تبلغ مساحة الدول الأعضاء في هذه المنظمة 36.889.607 كيلومترات مربعة، أي ما يعادل ربع مساحة الأرض.
يبلغ عدد سكان الدول التسعة الأعضاء في هذه المنظمة حوالي 3 مليارات و363 مليون نسمة، أي حوالي 43٪ من سكان العالم.
يشكِّل أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون الجزء الأكبر من الإنتاج العالمي وتجارة السلع والخدمات في جميع أنحاء العالم، وكذلك (25٪ من النفط العالمي، و30٪ من الغاز، و50٪ من احتياطيات اليورانيوم بشكل إجمالي).
وفقًا لتقديرات البنك الدولي، تجاوز إجمالي حجم الاقتصاد لـ “منظمة شنغهاي للتعاون”، بعد انضمام الهند وباكستان إليها، 15 تريليون دولار أميركي، مشكِّلًا ما نسبته 20 بالمئة من الاقتصاد العالمي البالغ 74 تريليون دولار.
ولعل هذه المزايا تجعل من عضوية إيران الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون فرصة مهمة تعود بالكثير من الفوائد، أهمها:

تنامي نفوذ إيران في المعادلات الأمنية والاقتصادية والسياسية للمنطقة.
زيادة قدرة إيران السياسية والأمنية والاقتصادية على المناورة أمام الغرب، وخاصة ضد الولايات المتحدة.
تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية وتجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ عقود.
توسعة وتفعيل حضور إيران في مجال أمن الطاقة.
الدخول إلى عدد من الأسواق المهمة في العالم وتعزيز التبادل التجاري الدولي.
التعاون المصرفي؛ إذ تتيح عضوية إيران الدائمة في هذه المنظمة المشاركة في المجلس المصرفي المشترك بين الدول الأعضاء، وهدفه تسهيل توفير رأس المال المطلوب لتنفيذ المشاريع المشتركة للمنظمة.
تعزيز التوجه الإيراني شرقًا من خلال التعاون الثنائي لإيران مع الشرق (الصين وروسيا) وكذلك الهند، وتقوية الاتفاقيات التي مدتها 25 عامًا مع الصين وتطوير أنشطة الموانئ، وخاصة ما يتعلق بميناء تشابهار مع الهند.
ومع ذلك، فإنه يجب الانتباه إلى نقطة مفادها أنه من غير المرجح أن تجلب العضوية الإيرانية لمنظمة شنغهاي للتعاون فائدة فورية، بما في ذلك الاستثمار في مجال الطاقة؛ إذ لا تزال الشركات الفاعلة في قطاع النفط والغاز الإيراني تخضع لعقوبات أميركية؛ مما يعرِّضها للمخاطر إذا ساعدت في بناء البنية التحتية التي تحتاجها إيران لزيادة الإنتاج وفق ما يتحدث عنه الخبير في مجال الطاقة في جامعة أكسفورد، سايمون بيراني.

خلاصة
قد لا يُحدث انضمام إيران تأثيرات واضحة على المنظمة ذاتها، لكنه بالتأكيد سيكون ذا تأثير على الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن دخول الأسواق والاستفادة من الفرص الاقتصادية التي يتيحها هذا الانضمام لن يتأتى بسهولة خاصة مع هيكلية الاقتصاد الإيراني الحالية، وتحتاج إيران إلى إجراء كثير من التغييرات في مجال الاستثمار والتجارة الخارجية ومواصفات المنتجات والمقاييس الدولية، كما تحتاج إيران إلى تطوير بنيتها التحتية بصورة كبيرة، كما تحتاج إلى إحراز نجاح في علاقاتها الثنائية مع الدول الأعضاء في المنظمة.

على الجانب الآخر، قد يؤدي ذلك إلى تضخيم حدة الانقسامات والعداء بين إيران وحلفاء الولايات المتحدة العرب في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بملف “مكافحة الإرهاب”، وفق الأجندة الصينية والروسية، ومع تصاعد النقد والحساسية تجاه دور إيران الإقليمي من قبل جيرانها العرب، وقد لا يشكِّل هذا الانضمام عاملًا مساعدًا في الهدف الذي أعلنه الرئيسي الإيراني، إبراهيم رئيسي، عندما تحدَّث عن “أولوية الجوار” والأمن المشترك. وقد تعارض إيران مستقبلًا انضمام دولة مثل السعودية إلى هذه المنظمة.

ولا يمكن في الوقت ذاته إغفال المصالح الصينية والروسية على هذا الصعيد، فالعضوية لا تأتي بعيدًا عن مبادرة الحزام والطريق والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بوصفهما مشروعين جيوسياسيين لحماية “مناطق نفوذ” الصين وروسيا تحت راية نظام عالمي متعدد الأقطاب. وبسبب الموقع الجيوسياسي لإيران وكذلك مجموعة من التطورات الدولية على صعيد الصراع والتنافس مع الولايات المتحدة الأميركية، تعمل روسيا والصين على تنمية تقارب مشروط مع إيران، يحتاج من طهران إلى خطط ذكية لاستثمار فوائده وتجنُّب تبعاته وأثمانه.

فاطمة الصمادي

الجزيرة