الرباط – تواجه الحكومة المغربية الجديدة برئاسة عزيز أخنوش تحديات كثيرة لمعالجة أهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد وفي مقدمتها التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد – 19 التي سبّبت ركودا غير مسبوق.
وكان أخنوش رئيس الحكومة المغربية المكلف قد أعلن في مؤتمر صحافي عن تشكيلة الائتلاف الذي سيقود الحكومة الجديدة، ويضم حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.
وقال أخنوش إن الائتلاف الحكومي (269 مقعدا من أصل 395 بالبرلمان) “سيعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي الذي سيكون خارطة طريق عمل التحالف”.
وكلّف العاهل المغربي الملك محمد السادس في العاشر من سبتمبر الجاري أخنوش بتشكيل حكومة جديدة، بعدما تصدر حزبه “التجمع الوطني للأحرار” نتائج انتخابات تشريعية ومحلية جرت قبلها بيومين.
وخلال الحملة الانتخابية أطلق حزب الأحرار خمسة التزامات و25 إجراء تجاه المواطنين للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز المكتسبات.
ويرى مراقبون أن توجهات الأحرار في المرحلة المقبلة، يمكن استشرافها عبر قراءة طبيعة مكوناته، وخصوصا الأشخاص المؤثرين في قراراته، والذين يتجاوز تأثيرهم نطاق الحزب، إلى التأثير في البنية الاقتصادية والاجتماعية، لموقعهم المتصدر في عالم المال والأعمال.
وقال الصحافي والمحلل السياسي يونس مسكين إنه “يمكن استقراء التوجهات والاختيارات التي سيقدم عليها حزب الأحرار، من خلال مؤشرات تتمثل أولا في تجربته السياسية السابقة وكشريك في عدد من الحكومات، ثم ثانيا في ظروف نشأته، ثم طبيعة مكوناته وبنيته الداخلية”.
وأضاف “يمكن أن نضيف إلى ذلك كله الخصائص المرتبطة بشخصية قائده الحالي عزيز أخنوش، ذلك أن وزن ودور هذا الأخير يفوقان وزن الاعتبارات المرتبطة بالحزب نفسه، نظرا لتجربته الشخصية كرجل أعمال راكم ثروة لم يسبقه إليها غيره من المغاربة”.
يونس مسكين: التجربة الحكومية المقبلة ستكثّف العمل على الواجهة الاقتصادية
وأردف “وكذلك لدوره في وصول الحزب إلى مكانته السياسية الحالية، حيث نقله من المرتبة الرابعة في انتخابات 2016 التشريعية حين كان أخنوش مستقيلا من الحزب إلى الصدارة حاليا”.
وتابع “يبدو أن المزج بين عالم السياسة والمال لدى قيادة التجمع الوطني للأحرار سيضفي توجهات بعينها على التجربة الحكومية المقبلة، عمادها تكثيف العمل على الواجهة الاقتصادية”.
وأفاد بنيونس المرزوقي أستاذ القانون الدستوري بجامعة “محمد الأول” (شرق)، بأن “مسار الأحرار كان واضحا خلال عقود طويلة كتنظيم حزبي، لا يمكن أن يخرج عن دوره السياسي الذي تم تأسيسه من أجله”.
وذكر أنه بالرغم من ذلك فإن “الدور المتزايد في عالم السياسة للعديد من الشخصيات الفاعلة في المجال الاقتصادي والمالي، ساهم في تقريب المسافة بين الطرفين منذ مدة”.
ويقول المرزوقي إن “عوامل إضافية عديدة قد ساهمت في تقوية الاعتماد على هذا الحزب، لإحداث تغييرات بنيوية على الاقتصاد الوطني، منها التراجع الملاحظ في قدرة أحزاب الكتلة الديمقراطية على القيام بهذه المهمة (حزب الاستقلال) و(الاتحاد الاشتراكي/يساري- 35 مقعدا) أساسا”.
وبالنظر إلى طبيعة التحالف الحكومي المشكل من الأحزاب الثلاثة المتصدرة للانتخابات الأخيرة، والذي يسري على المحافظات والمدن الكبرى، فإن التوجهات العامة ستكون محكومة بدور فاعل لرجال الأعمال.
وقال الصحافي مسكين “يمكن القول إننا مقبلون على عهد سيطرة رجال الأعمال والتكنوقراط (غير المحزبين)، وهو ما سيتجلى في سياسات تهدف إلى تحقيق نتائج رقمية في الاقتصاد على وجه الخصوص”.
وأشار مسكين إلى “إهمال محتمل لعنصر الإنسان والتنمية البشرية، وهو ما قد يتعارض مع ما يهدف إليه النموذج التنموي الجديد الذي كلف الملك لجنة من الخبراء بإعداده”.
وتابع “باستثناء بعض الإجراءات المعزولة والمرتبطة بخطط معدة سلفا، كتلك التي ترمي إلى توسيع التغطية الاجتماعية والصحية (التأمين الصحي)، سوف تحمل سياسات حزب الأحرار وحلفائه، نفسا رأسماليا، يركز على مصالح الشركات والرأسمال الخاص”.
واستدرك “في الحقيقة هذا التوجه كان واضحا من خلال التحركات التي سبقت الانتخابات بزمن ليس بالقصير، واتضحت أكثر خلال فترة الدعاية الانتخابية”.
وبهذا الخصوص، يعتقد الأكاديمي المرزوقي “أن تحرك حزب أخنوش على الواجهة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية في وقت مبكر قبل استحقاقات 2021، سهل له عملية التمكن من الاكتساح، مقابل عجز حزب العدالة والتنمية عن تجديد آليات عمله التي بدأت تخفت داخل المجتمع”.
واستطرد “ومع فكرة اعتماد مشروع تنموي جديد للبلاد، لم يضع حزب التجمع الوطني الأحرار الوقت، إذ عمل على بلورة مشروعه الخاص الذي لم يكن ليخرج عن التوجهات الكبرى”.
ومن المنتظر أن تتبنى جل الأحزاب الممثلة في البرلمان ميثاقا من أجل “نموذج تنموي جديد” يدشّن “مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات” في أفق العام 2035.
ويرسم هذا المشروع الخطوط العريضة لتحقيق نهوض اقتصادي وتقليص الفوارق الاجتماعية العميقة في المملكة، مع الطموح إلى تشجيع الاستثمار ورفع مستوى التعليم وجودة الخدمات الصحية.
ومقابل التوجه نحو إذكاء العمل على المحور الاقتصادي الذي يبقى مهمّا، بالنظر لتطلعات المواطنين، المتأثرين بتبعات أزمة جائحة كورونا، فإن إهمال المجالات الأخرى، قد يخلق تحديات عدة للائتلاف الحكومي الجديد.
العرب