يبحث الإيرانيون عن منفذ جديد إلى المنطقة من خلال علاقة “سوية” بالسعودية. من وجهة نظرهم فإن هدنة مؤقتة قد تمكنهم من غواية الغرب للاستجابة إلى مطالبهم.
ما يشغل إيران اليوم أن لا تعود إلى استئناف مفاوضات النووي إلا بعد أن توضع شروطها موضع التنفيذ. إنها تحاول قبل كل شيء أن تحصل على تعويضات مالية في مقابل أن تكف عن مسعاها لحيازة قنبلة نووية.
لذلك فإنها ترى في التهدئة مع السعودية بادرة تنطوي على محاولة لتشجيع الغرب على أن يفتح لها خزائنه مثلما فعل مع تركيا إبان أزمة اللاجئين السوريين.
لا تفكر إيران في ما يمكن أن يعود به الاستقرار من فوائد على دول المنطقة بقدر ما تفكر في إرجاء مشكلاتها داخل المنطقة إلى ما بعد تفكيك واحدة من أهم عُقد مفاوضات النووي والتي تتمثل في تمكينها من ابتزاز الطرف الثاني، ولا أتصور أن الولايات المتحدة ستبخل في ذلك الشأن ما دامت أجندة أوباما قد وضعت على الطاولة مرة أخرى.
ومن اللافت أن إيران كلما شعرت أن صبر الأميركان والأوروبيين قد بدأ بالنفاد تعلن أن عودتها إلى المفاوضات باتت قريبة.
وإذا ما كان الطرف الأميركي قد تخلى عن الشروط التي أوجبت إدارة الرئيس ترامب على الطرف الإيراني تنفيذها، في مقابل رفع العقوبات والبدء في إبرام اتفاق نووي جديد، فإن إيران لم تظهر تفاعلا إيجابيا مع تلك الخطوة وتبدي استعدادها لبدء مرحلة جديدة من العلاقات على ذلك المستوى بل ظلت تماطل حتى وهي تتفاوض كما لو أن الوقت يجري لصالحها أو هو ما يُفهم من سلوكها.
غير أن هناك نقطة جوهرية تقف بين إيران وبين المضي قدما في المفاوضات. تلك النقطة تتعلق بوضعها الإقليمي الشائك والمعقد وغير المريح بل والمزعج بالنسبة إلى دول المنطقة التي تقف المملكة العربية السعودية في مقدمتها.
تلك النقطة وإن لم تعد إدارة الرئيس بايدن تسلط الضوء عليها باعتبارها شرطا ليس من الصعب توقع وجودها بندا رئيسا في المفاوضات. فإذا كانت إسرائيل قد أعلنت من موقع اليأس استعدادها للتعايش مع إيران نووية فإن السعودية ودول الخليج لا يمكن أن تقبل بذلك.
كما أن الهيمنة الإيرانية المسلحة على أربع دول عربية وعلى القرار السياسي فيها ناهيك عما يمكن أن تشكله الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في تلك الدول من تهديد مباشر لاستقرار وأمن السعودية ودول الخليج، كل هذا لا يشكل عنصرا مشجعا لمَن يسعى لمكافأة إيران بسبب تخليها عن برنامجها النووي العسكري.
بالتأكيد كانت تلك الموضوعات مطروحة على طاولة مفاوضات فيينا. وهو ما شكل عقبة أمام إيران حالت دون استمرار الحوار حيث تذرعت يومها بالانتخابات واختيار رئيس جديد ومن ثم تشكيل حكومة محافظة.
غير أن الحقيقة لا تقع هناك.
ترغب إيران أن تنتهي من خلافاتها الإقليمية قبل الانهماك في مفاوضات دولية تعتقد أنها ستجني من خلالها أرباحا كثيرة تعوضها عن الخسائر التي منيت بها بسبب فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
تحلم إيران بصفقة شبيهة بتلك الصفقة التي عقدتها يوم قرر الرئيس باراك أوباما إبرام الاتفاق النووي معها.
لذلك فإنها تذهب إلى بغداد للتفاوض مع السعودية من غير شروط كما يصرح سياسيوها. هل كان عليها أن تفرض شروطا على السعودية من أجل تنقية أجواء العلاقات التي قامت بتخريبها؟
اللغة المتعالية التي يحرص الإيرانيون على استعمالها لا تنبئ بخير.
أسلوبهم يقوم على الانفراد بالدول العربية دولة دولة مستبعدين مسألة الصلة العضوية بين أمن الدول التي يحتلونها وأمن السعودية. إنهم يريدون الانفراد بالسعودية كما لو أنها لا تشكل اليوم الجزء الحي الأهم من الكيان العربي.
بسبب ذلك التعالي ستصل مفاوضات بغداد كما أتوقع إلى طريق مسدودة. ذلك ما لا يتمناه أحد. ولكن السياسات الإيرانية ومنذ أكثر من أربعين سنة لا تتماشى مع مبادئ حسن الجوار وحق الشعوب في اختيار أنظمتها السياسية.
ليست الوصاية التي يمارسها النظام الإيراني على أربع دول عربية قائمة على أساس التحولات التي شهدتها المنطقة في الألفية الثالثة بل هي تنفيذ حرفي لوصية الإمام الخميني المتعلقة بتصدير الثورة.
وهنا بالضبط تقع المفارقة. تذهب إيران إلى المفاوضات مع السعودية من أجل تنقية الأجواء من غير شروط باستثناء إصرارها على الاستمرار في الوصاية على أربع دول عربية محيطة بالسعودية. ما معنى ذلك؟
معناه أن الإيرانيين يريدون من السعوديين أن يوقعوا لهم شهادة براءة يقدمونها إلى المجتمع الدولي ليقبل بإيران عضوا في النادي النووي. ذلك ما لن يفعله السعوديون.
العرب