ينتظر كل مواطن يعيش في القارة الأوروبية، ارتفاعا صاروخيا بأسعار فاتورة الكهرباء، وذلك بسبب أزمة الطاقة التي بدأت تضرب كل الدول الأوروبية، وتسببت في ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز بـ5 أضعاف مقارنة مع أسعار العام الماضي.
وبدأ القلق ينتاب المواطنين الأوروبيين من إمكانية استمرار هذا الارتفاع في فاتورة الطاقة، بينما تسارع الحكومات الوقت للحد من آثار هذا الارتفاع على جيب المواطن.
وتتداخل العديد من الأسباب في تفسير هذه الظاهرة المقلقة التي وصفتها صحيفة “تلغراف” (Telegraph) بأنها “حرب الطاقة”، بداية من تسارع التعافي الاقتصادي بعد الوباء، وارتفاع الطلب على الطاقة في آسيا، وحسابات روسيا التي يختلط فيها ما هو سياسي بما هو اقتصادي، وصولا لمرحلة الانتقال الطاقي في أوروبا.
من أين تحصل أوروبا على الغاز؟
تعتبر روسيا أكبر مزود لأوروبا بالغاز بنسبة 41%، ثم النرويج بنسبة 16.2%، فالجزائر في المرتبة الثالثة بنسبة 7.6%، تليها قطر بنسبة 5.2%، والبقية تأتي من مصادر مختلفة.
هذه الأرقام تجعل أوروبا تعتمد وبشكل كبير على الغاز الروسي في الحصول على حاجياتها من الطاقة، وهو ما يفسر ما سيأتي من أسباب أخرى، في ارتفاع فاتورة الطاقة بنسبة 500% خلال الموسم الجاري، وحسب صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية فإن ما يحدث يظهر الضعف الهيلكي للقارة الأوروبية في توفير الغاز.
أسهم شتاء العام الماضي الذي شهد انخفاضا لدرجات الحرارة في آسيا وروسيا، في استنزاف التخزين في روسيا ووصولها لمستويات منخفضة، وبينما تقول الرواية الأوروبية إن شركة “غاز بروم”، لم تقم باللازم لدفع الدول الأوروبية إلى إعادة التخزين، ورفضت شحن إمدادات إضافية عبر أوكرانيا بخلاف ما تم الاتفاق بموجب العقود طويلة الأجل بين الطرفين.
أما الرواية الروسية فتقول إن الأولوية يجب أن تمنح للسوق الداخلية أمام ارتفاع الطلب المحلي، في المقابل تقول أوكرانيا إن موسكو تريد “عسكرة الغاز”، للضغط على ألمانيا من أجل تسريع الموافقة على خط الأنابيب “نورد ستريم 2” المثير للجدل، والذي سيمكن من توصيل إمدادات الغاز مباشرة من روسيا لألمانيا عبر بحر البلطيق.
كما بدأت روسيا بإمداد الصين بالغاز عبر خط الأنابيب “باور سيبيريا” عن طريق حقول غاز لم يتم استخدامها من قبل، كما تدرس شركة “غاز بروم” بناء خط أنبوب جديد سيربط هذه الحقول بغرب سيبيريا بالصين بحلول عام 2030.
لماذا ارتفع الطلب على الطاقة في الصين؟
نما الطلب الآسيوي على الغاز بسرعة كبيرة بنسبة 50% على مدى العقد الماضي، بقيادة الصين التي زاد استهلاكها 3 مرات خلال السنوات العشر الأخيرة.
أسهم الشتاء البارد ثم الصيف الحار الذي مرت به الصين، ثم عودة النمو الاقتصادي، في أقوى زيادة للطاقة في الصين، وهذا هو سبب أزمة الكهرباء الحالية بالصين.
وخففت الصين من استهلاك الفحم قبل أشهر للتقليل من الانبعاثات الملوثة، إلا أنها ستعود مجبرة إلى سوق الفحم لتشغيل محطات الطاقة، ما أدى لارتفاع أسعار الفحم الحراري في آسيا إلى مستويات قياسية.
وتفاقمت أزمة الكهرباء في آسيا، بسبب مرور الهند بنفس الظروف التي تمر بها الصين، حيث ارتفع الطلب على الطاقة بشكل غير قياسي، وحاليا كل المؤشرات الاقتصادية تقول إنه لا يوجد ما يكفي من الفحم في آسيا لتغطية الطلب.
وارتفع توليد الكهرباء في الصين بمقدار 616 تيراواتا في الساعة، مسجلا بذلك ارتفاعا بلغت نسبته 13%، خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، وهناك توقعات أن تضطر الصين لرفع الحظر الذي سبق وفرضته على الفحم الأسترالي للاستجابة للطلب الداخلي.
وأطلقت الصين خطة تهدف لتخفيض انبعاثات الغاز، ما يجعلها تعتمد بشكل متزايد على الغاز المسال، ما يعني أنها ستصبح منافسة لأوروبا في استيراد الغاز.
دخلت أوروبا في مرحلة الانتقال الطاقي لتحقيق صفر انبعاث للغازات، ما قلل من رغبة المستثمرين في توظيف الأموال لتطوير إمدادات الوقود الأحفوري الذي يعتقدون أنه سيصبح من الماضي خلال العقود الثلاثة المقبلة.
كما تراجعت إمدادات الغاز المحلي في أوروبا بنسبة 30%، ورغم أن الطلب على الغاز يذهب أساسا إلى الصناعات الثقيلة، فإن الاعتماد عليه في الشتاء يرتفع بشكل كبير في المنازل وعلى سبيل المثال يذهب حوالي 40% من إجمالي استهلاك الغاز في المملكة المتحدة مباشرة إلى تدفئة المنازل.
ومن بين أسباب تراجع مخزون الغاز في أوروبا، هو ما يعيشه حقل خرونينغن في هولندا الذي يعتبر أكبر حقل غاز في أوروبا، ذلك أن الهدف من هذا الحقل كان الحفاظ على التوازن في السوق الأوروبية، إلا أنه تحول لعبء على الحكومة الهولندية، وتم اتخاذ القرار بالبدء في إغلاقه حيث يضخ الحقل الآن ثلاثة أرباع أقل مما كان عليه في عام 2018.
من الدول المتضررة؟
كل الدول الأوروبية ستعيش أزمة الطاقة خلال هذا الشتاء، مع توقعات باستقرار أسعار الطاقة بداية من العام المقبل حسب آخر نشرة لصندوق النقد الدولي، إلا أن حجم الضرر سيختلف من دولة لأخرى.
بالنسبة لفرنسا لن تعاني بشكل كبير لاعتمادها وبشكل كبير على مولدات الطاقة التي تشتغل بالطاقة النووية، وهو ما دفع الرئيس ماكرون للإعلان عن استثمار مليار يورو بهذه المحطات في أفق 2030.
أما في النرويج والسويد، فإنهما تعتمدان وبشكل كبير على الطاقة الكهرومائية، وتعتمد البرتغال على الريح والماء للتزود بنصف حاجياتها من الطاقة.
ويظهر أن بريطانيا ستكون أكبر متضرر من هذه الأزمة، لاعتمادها وبشكل كبير على الغاز الطبيعي الذي يشهد ارتفاعا صاروخيا بأسعاره، إضافة لعدم توفرها على قدرات كبيرة لتخزينه، وأخيرا لأنها لم تعد ضمن السوق الطاقية الأوروبية ما قد يحرمها من التزود بالطاقة من أوروبا.
المصدر : الجزيرة