يسعى رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، للظفر بالكتلة البرلمانية الكبرى، والعودة مجدداً إلى رئاسة الوزراء. «ائتلاف دولة القانون»؛ الفائز بنحو 36 مقعداً. لا يخفي هذه الطموحات، لكنه يواجه خصمه مقتدى الصدر، وحلفاءه من الفصائل الخاسرة، والتي تلوح بفعل عسكري على الأرض.
يقول مصدر مقرب من المالكي إن الأخير «جس نبض جميع الفائزين في الانتخابات بشأن توجهاتهم في التحالف. إنه الآن يدرس الخطوة التالية». وبحسب قياديين في «ائتلاف دولة القانون»؛ فإن «المالكي يريد تشكيل الكتلة الكبرى، دون أن تستثني خصومه التقليديين في الساحة الشيعية».
يُنظر إلى المالكي، بعد مرور 7 سنوات على مغادرته رئاسة الحكومة، على أنه «رجل أزمة»، بتاريخ من الحوادث الإشكالية سياسياً وأمنياً، لكن نتائج الانتخابات الأخيرة وضعته مجدداً على مسار المنافسة. ويتفوق المالكي على كثيرين، بقدرته على التفاوض، وإجادته تصميم الرسائل السياسية، وتكييفها للجمهور تارة، ولشركائه أو خصومه تارة أخرى، غير أن خيار الثقة به لا يزال محل شك وانقسام.
أجرى الكاتب، خلال الأيام القليلة الماضية، حوارات مع 3 زعامات عراقية، عرفت بخصومتها للمالكي بين عامي 2010 و2014، وجمع انطباعات متناقضة بشأن المشهد الراهن. وأظهرت خلاصة تلك الحوارات أن المالكي بمقدوره «ضبط الإيقاع الشيعي»، وإنهاء محركات الاضطراب بين القوى على الأرض، لكنه، أيضاً، «ميّال للانقلاب على الشركاء، وطموح لحصر النفوذ بيده وحاشيته».
وتتردد جميع القوى السياسية العراقية في إظهار موقف واضح من الانضمام إلى تحالف يقوده المالكي. وفيما يتعلق بالكتل السنية والكردية، فإنها تفضل «انتظار توافق شيعي – شيعي على معالجة الأزمة التي يتسبب فيها الخاسرون في الاقتراع».
يقول مستشار سياسي كردي: «الحسابات معقدة! لو اتفقنا مع المالكي، فما الذي سيفعله الصدر؟ أين سيذهب سلاح الفصائل التي تراجعت مقاعدها في البرلمان إلى نحو 20 مقعداً».
لكن الصدر؛ الفائز بـ73 مقعداً في البرلمان الجديد، يربك حسابات المالكي. هذا الأخير يدرك أيضاً أن «التيار الصدري» يتصدر لائحة الفائزين بأكبر عدد من المقاعد.
ورغم أن المالكي بدأ فعلياً في تصميم استراتيجيته للكتلة الكبرى؛ فإنه يوفر دعماً سياسياً للمعترضين على نتائج الانتخابات، وإلى حد كبير يتفق مع الفصائل التي تتهم السلطات بتزويرها. والحال؛ لن يكون هذا تناقضاً، بل مناورة من المالكي لفتح نافذة توافق بينه وبين الآخرين.
ومن بين الخيارات التي تبدو متاحة أمام المالكي، الإفادة من الضغط الذي تمارسه الفصائل في الشارع، في التوصل إلى تفاهم مع الصدر على تسوية الخلافات، وتشكيل كتلة كبرى، تقدم بعض الضمانات للخاسرين. «يعرف المالكي، رغم كل شيء، أنه غير قادر على إقصاء الصدر»؛ يقول سياسي رفيع من «دولة القانون».
يقول مصدر من داخل «دولة القانون» إن المالكي يرى أن المجتمع الدولي – الولايات المتحدة على وجه الخصوص – لا يفضل التعامل مع حكومة صدرية، تحت منصة سياسية ترفع شعارات معادية للغرب. ويبدو أن المالكي يحاول صياغة فرضية تجبر الصدر على التفاوض.
في المقابل؛ يبدو الصدر هادئاً أكثر من اللزوم. آخر مرة أطلق فيها رسالة للمالكي، كانت عندما غرد أحد مساعديه عن خطايا وأخطاء «حزب الدعوة»، لكنها تضمنت إشارة مبطنة إلى التفاوض: «لقد جرب (المالكي) ولم ينجح… والمجرّب لا يجرّب».
لكن الصدر نفسه؛ من كان يصر على حكومة صدرية حصرية، تراجع نسبياً عن ذلك. كتب الأسبوع الماضي أن «الفوز أولاً في الانتخابات ليس أهم من تلبية حاجة جميع العراقيين».
والحال؛ أن مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة لن تكون سهلة على الإطلاق، فالنتائج التي تبدو حاسمة رياضياً تفتح باب المصاعب من باب فض الاشتباك أو تعظيمه بين المالكي والصدر، ويبدو أن الخيار الأول مرهون بمن يمتلك حيلة سياسية متماسكة أكثر من غيره.
الشرق الأوسط