تركز جدول أعمال قمة مجموعة العشرين في العاصمة الإيطالية روما، على ملفات أبرزها كورونا والمناخ، بالإضافة إلى بعض الملفات السياسية الخاصة، التي تهم مصالح الدول، والتي تم إدراجها في لقاءات الرئيس الأمريكي جو بايدن الثنائية مع بعض قادة الدول الأوروبية المهمة، كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، التي تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، كملف إيران النووي، وسياسة طهران المزعزعة للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من تركيز هذا الحدث المُهم على أجندات رئيسية ثابتة، كملف، تغير المناخ والتعافي الاقتصادي العالمي، الذي يشمل سياسات التنمية التي تتعلق بأسواق العمل وقوانينها، ومكافحة جائحة كوفيد 19، بيد أن جدول أعمال قمة مجموعة العشرين، شمل أيضا بحث ملفات متغيرة تخص مصالح الدول العظمى في العديد من بقاع العالم، نتيجة بروز قوى ثانوية جديدة في عالم متعدد الأقطاب، لها القدرة على التأثير في التوازن الإقليمي، وتغيير شكل الخريطة الجغرافية والبشرية، من خلال نشر الأيديولوجية الدينية والتهديد بالأسلحة الباليستية والنووية، التي تنفذها إيران في العراق وفي المنطقة.
من هنا ترجمت هذه القمة السنوية، قلق قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، حيال الموقف الإيراني وتعنته، ودعوا طهران إلى «تغيير موقفها وتجنب تصعيد خطير». من خلال بيان مشترك على هامش هذه القمة، شمل مستجدات هذا الحدث الطارئ، للخروج بموقف مشترك والسبيل لحله. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدم جدوى تأثير هذا البيان، نظرا لانعدام التصويت الرسمي في اجتماعات مجموعة العشرين، التي هي في الأصل بيانات غير ملزمة، تسمح لإيران بالاستمرار في المماطلة، وبعدم الانصياع لقرارات المجتمع الدولي، وهذا ما يجعل من أزمة التدخل الإيراني في العراق، ملف إيران الخاص والمرتبط مع الغرب في غياب للعراق، الذي يُمثل المحور الرئيسي في هذا الصراع، كطرف مستقل في تنافس إيران والولايات المتحدة، في ما يسمى بصراع النفوذ، من خلال الاعتماد على القوى الحليفة، من دون الدخول في صراع مباشر. في الوقت الذي لا يزال تعزيز إيران لفصائلها المسلحة، عن طريق تطوير قدراتها في بناء المزيد من الصواريخ في العراق للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة العرقية والطائفية، تعني قبول التيار الصدري بشروط الأحزاب الخاسرة، لتشكيل ائتلاف سياسي
في المقابل تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وجودها في العراق، إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات نائبة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون إيران والعراق جينيفر جافيتو الأخيرة في أربيل، التي أكدت على «أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى على المدى الطويل، وتنظر إلى العراق كشريك استراتيجي رئيسي، ونحن ملتزمون بهذه الشراكة، لأن العراق هو محور رؤية الولايات المتحدة لشرق أوسط مستقر». وهذا يعني، استمرار دور الولايات المتحدة وإيران في دعم العملية السياسية، وتوافقهما غير المعلن في اختيار رئيس للوزراء، ناهيك من المصلحة المشتركة في استمرار الأحزاب السياسية نفسها في تقاسم السلطة، في ظل نظام المحاصصة الطائفي الحالي، على الرغم من التغير النسبي في نتائج الانتخابات المبكرة، التي أريد منها أن تكون فرصة للإصلاح السياسي، وخطوة لإزاحة الأحزاب الطائفية الحاكمة من السلطة. وهذا يعني أيضا المزيد من الجدل والمفاوضات والتشكيك بنتائج الانتخابات في الغرف الخلفية، في ما يتعلق في من له الحق في تكوين الأغلبية، وحول مصير من يجب أن يكون رئيس الوزراء القادم للعراق. وبمعنى أخر حاجة العملية السياسية المُستمر لتوافق أمريكي ـ إيراني، إذ بدونه لا أغلبية سياسية في البرلمان، ولا توافق على تقاسم المناصب الرئاسية الثلاث، على الرغم من تصدر قائمة «التيار الصدري» الرافضة لتأثير وتدخل الدول الخارجية في تكوين العملية السياسية، إذ سيكون من الصعوبة الافتراض أن السيد مقتدى الصدر، الذي تربطه علاقة جيدة بطهران، أن يعلن رفضه للوجود الأمريكي بعد فوزه في الانتخابات.
لا شك في أن طبيعة النظام السياسي المجزأ، القائم على المحاصصة العرقية والطائفية، تعني قبول التيار الصدري بشروط الأحزاب الخاسرة، لتشكيل ائتلاف سياسي، يضمن استمرار أحزاب إيران، كجزء من المعادلة، ويزيد في الوقت نفسه من فرص تولي مصطفى الكاظمي الذي يدعمه الغرب رئاسة الوزراء لولاية ثانية. وهذا ما يذكرنا بالمقولة «في السياسة ليس هناك عدو دائم، أو صديق دائم بل هناك مصالح دائمة» يفرضها الأمر الواقع، طالما لم يخرج العراق من مظلة التوافق الأمريكي ـ الإيراني، وطالما لم يتم وقف التمدد الإيراني في المنطقة.
لقد أصبح من الواضح ان الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومنذ غزو العراق، تتحمل المسؤولية في فشل نظام الحكم، الذي جعل من الديمقراطية الطائفية وسيلة للوصول بقوة السلاح والتزوير إلى مناصب الدولة، وأفسح المجال للفساد والمحسوبية، في غياب عملية سياسية تكفل الوصول إلى أغلبية مطلقة، تنتهي بعملية مساومة مطولة، تضمن تقاسم السيطرة على مؤسسات الدولة، وتسمح للأحزاب فرصة تقاسم الكعكة العراقية، انسجاما مع المثل القديم «خياطة وتفصال على قدر المقاس» وبمعنى آخر عملية سياسية على مقاس ثقافة الأحزاب المشاركة وأطماع من يقف خلفها. إن غياب موقف أمريكي ـ أوروبي في قمة مجموعة العشرين للوضع في العراق، وصمت الدول العظمى عن التداعيات التي أفرزتها أزمة الانتخابات العراقية الأخيرة، من خلال تهديد الخاسرين باستعمال السلاح، يعني رغبة إدارة جو بايدن الاستمرار في دعم أسس توازن العملية السياسية التي تتقاسمها مع إيران، ووقوفها على الحياد بين أحزاب إيران الخاسرة والحكومة العراقية المدعومة من قبل السيد مقتدى الصدر، للوصول إلى الحفاظ على الوضع الراهن، من خلال حكومة توافق بين الأحزاب نفسها، تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بالقوات الأمريكية في البلاد، على الرغم من تعارض هذه السياسة مع ما تطالب به الأغلبية من العراقيين.
لا شك في أن غياب الاهتمام بالأحداث الخطيرة الأخيرة في العراق، يكشف عن عدم قدرة الولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية على وجه الخصوص، من الاهتمام في الوضع العراقي، من دون ربطه بأزمة المجتمع الدولي مع طهران، والاكتفاء بالمراهنة على استمرار تقاسم العملية السياسية مع إيران، وغض النظر عن الجهود التي تعالج الأسباب الجذرية للأزمة العراقية، بدءا بالمساءلة عن انتهاكات حقوق العراقيين والفساد. بعد فشلهم في إقناع العراقيين بحقيقة الديمقراطية التي وعدوا بها هذا الشعب العريق والمكافح قبل 18 عاما.
القدس العربي