انهيار المقاومة، الجزء الثاني: استهداف رئيس الوزراء العراقي بطائرة بدون طيار

انهيار المقاومة، الجزء الثاني: استهداف رئيس الوزراء العراقي بطائرة بدون طيار

تابعت “المقاومة” تهديد قيس الخزعلي للكاظمي بشنها هجوم حقيقي بطائرة مسيّرة على منزله، مما أدى على ما يبدو إلى تحطيم سردية الضحية التي كانت تبنيها الميليشيات.

في الجزء الأول من هذه السلسلة المؤلفة من جزئين، تناولت “الأضواء الكاشفة للميليشيات” الجهود السريعة والمتكاملة التي بذلتها «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» للردّ على انعزالهما السياسي المتزايد عبر تنظيم تظاهرات ضد مركز الحكومة، في محاولة لاستفزاز قوات الأمن وحملها على إلحاق الأذى بالمتظاهرين. وبعد ذلك شنّت «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» حملةً إعلامية مكثفة لإضعاف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وكبار قادته العسكريين، وفي الوقت نفسه إجبار القيادات الأخرى في المقاومة على الابتعاد عن مفاوضاتها للانضمام إلى حكومة جديدة خالية من «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله».

في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، هدد أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي رئيس حكومة تصريف الأعمال الكاظمي شخصياً، قائلاً: “رسالتي إلى الكاظمي نفسه، اسمعها من شروكي أصيل، حق دماء الشهداء برقبتي [وسنأخذ بحقهم عبر محاكمتك … ومحاكمة كل من شارك في إطلاق الرصاص على المتظاهرين]. إلا أن الخطوة الأولى التي اتُّخذت ضد الكاظمي كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون قانونية: ففي وقت مبكر من السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، ضربت طائرتان مسيّرتان رباعيتا المراوح ومحمّلتان بالمتفجرات مكان إقامة رئيس الوزراء الكاظمي، فأوقعتا أضراراً في البناء لكنهما لم تصيبا الكاظمي بأذى.

المقاومة تنفي هجوم حقيقي بطائرة مسيرة.

في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، حوالي الساعة 2:30 (بتوقيت بغداد)، نشرت القنوات الإعلامية التابعة لـ «كتائب حزب الله» خبر وقوع انفجارات وإطلاق نار في “المنطقة الخضراء” في بغداد، فأثارت تكهنات في قنوات “المقاومة” باحتمال وقوع انقلاب. وسرعان ما بدأت قنوات “المقاومة” الإعلامية في تطوير خط من الجدل صوّر الهجمات على أنها عملية زائفة، زاعمة أن وكالات الاستخبارات الغربية أو فريق الكاظمي اصطنعا هجوم الطائرات بدون طيار. وما خدم هذه الرواية، هو تساؤل “قيادة العمليات المشتركة العراقية” عن سبب عدم إطلاق نظام الدفاع الأمريكي (المثبت لحماية السفارة الأمريكية) النار لحماية رئيس الوزراء لو وقعت فعلاً ضربة بطائرة مسيّرة (علماً بأنه من من غير المرجح أن تتدخل الدفاعات الأمريكية من هذه المسافة البعيدة عن السفارة وعلى مقربة من أسطح المباني).

Open imageiconQais drone attack statement Nov 7, 2021
Figure 1: Qais al-Khazali drone attack statement, November 7, 2021
وفي الساعة 4:17 (بتوقيت بغداد) من يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر، نشر أبو علي العسكري من «كتائب حزب الله» بياناً زعم فيه أنه “لا أحد في العراق لديه حتى الرغبة لخسارة طائرة مسيّرة على منزل رئيس وزراء سابق [على حد قوله]”، وأشار إلى أنه إذا كان أي شخص قد فعل ذلك، “فتوجد طرق كثيرة جداً أقل تكلفة”. وفي الساعة 9:54 (بتوقيت بغداد) من اليوم نفسه، كرّر أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي سردية العمل الزائف، لافتاً إلى ضرورة البحث بجدّ عن منفّذي العملية لأنها [الانفجار] “محاولة لخلط الأوراق [أي تعكير المياه] لمجيئها بعد يوم واحد على الجريمة الواضحة بقتل المتظاهرين والاعتداء عليهم وحرق خيمهم”.

الطائرات الرباعية المراوح المستخدمة في الهجوم

كانت الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في هجوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر عبارة عن أنظمة رباعية المراوح قصيرة المدى من النوع الذي شوهد بشكل دوري منذ تموز/يوليو 2020.

Open imageiconComparison of July 2021 and Nov 2021 drone munitions
Figure 2: Comparison of July 2021 and Nov 2021 drone munitions
23 تموز/يوليو 2020: تم العثور على طائرة رباعية المراوح على سطح مبنى في منطقة “الجادرية” ببغداد عند الضفة المقابلة من ضفة نهر دجلة التي تقع عندها السفارة الأمريكية. وكانت مفخخة بذخيرة تطابق بشكل وثيق النوع الذي عُثر عليه (غير منفجر) على سطح منزل الكاظمي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر (انظر الجانب الأيمن من الشكل 2).
4 آذار/مارس 2021: تم استخدام طائرة رباعية المراوح مشابهة لتلك التي عثر عليها في 23 تموز/يوليو في محاولة التحليق فوق مجمّع القيادة الكردية في أربيل خلال فترة توتر بين عناصر “المقاومة” المدعومة من إيران و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بسبب تفاوض الأكراد المسبق مع مقتدى الصدر. وتم الإبلاغ عن مشاهدة طائرة ثانية رباعية المراوح عند منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الليلة نفسها، مما يعكس على الأرجح قلق “المقاومة” من المحادثات التي جرت بين الصدر والكاظمي و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» قبل الانتخابات.
2 تموز/يوليو 2021: تم العثور على طائرة رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرة المحطّمة التي عثر عليها في 23 تموز/يوليو في بغداد (انظر الجانب الأيسر من الشكل 2).
5 تموز/يوليو 2021: كشفت الدفاعات الأمريكية في بغداد عن طائرة أخرى رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرتين اللتين عثر عليهما في 23 تموز/يوليو 2020 و 2 تموز/يوليو 2021، وأسقطتها تلك الدفاعات.

تقدّر “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن تكون الجهة التي نفّذت الهجمات السابقة ربما نفسها التي شغّلت الطائرات الرباعية المراوح التي استُخدمت لاستهداف الكاظمي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وتشير الخصائص التقنية (انظر الشكل 3) للطائرات المسيرة (المظهر، نظام إدارة البطارية عالي الجودة، علبة البطارية المطبوعة بالتقنية الثلاثية الأبعاد، ونظام القياس عن بُعد، والكابلات المميزة) إلى تورّط فريق هندسي ماهر في الهجمات ضد خصوم “المقاومة” في العراق.

Open imageiconQuadcopters in Syria and Iraq, 2019-2021
Figure 3: Near-identical quadcopters in use by Iran-backed muqawama forces in Iraq and Syria, 2019-2021. Thanks to @arawnsley @CalibreObscura @no_itsmyturn.
التداعيات السياسية

لم تتخذ “المقاومة” موقفاً موحّداً حول مسألة الهجوم بالطائرات المسيرة. فقد أدان كلٌّ من «منظمة بدر» ونوري المالكي الهجوم ووصفاه بالاعتداء الحقيقي على رئيس الوزراء، حيث قال قائد «بدر» هادي العامري: “ندين بشدة الاستهداف الذي حصل الليلة البارحة لمنزل رئيس مجلس الوزراء المحترم. نطالب الجهات المختصة التحقيق في الموضوع والتثبت من الحقائق وكشف من يقف وراء ذلك ومحاسبته أياً كان”. ونحذر من أن طرفاً ثالثاً يقف وراء الحدث من أجل خلط الأوراق [تعكير المياه] وخلق الفتنة”. ومع أن العامري لا يزال يتخذ الحيطة، فمن الواضح أنه لن يذهب إلى حد ما ذهبت إليه «عصائب أهل الحق» أو «كتائب حزب الله». وإذا كان قيس الخزعلي و «كتائب حزب الله» يسعيان إلى حمل عناصر “المقاومة” على التكاتف مرة أخرى من خلال مناوراتهم الاحتجاجية بين 4 و 6 تشرين الثاني/نوفمبر، إلّا أن هجوم الطائرات بدون طيار قد قوّض هذا الهدف، ومن المحتمل أن يترك «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» أكثر انعزالاً من ذي قبل، في حين أن الكاظمي نال دعماً قوياً في الخطابات الدولية بعد الهجوم بالطائرات المسيّرة. وقد يكون ذلك مؤشراً إضافياً على أن «عصائب أهل الحق» أو «كتائب حزب الله» أو كلا التنظيمين فاقدٌ للحس السياسي.

معهد واشنطن