تشعر الميليشيات العراقية بالعزلة: فقبل هجوم الطائرات بدون طيار على رئيس الوزراء الكاظمي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، كان جهدها الأول ينصب في محاولتها الإظهار بأنها الضحية، فضلاً عن إلحاق ضرر سياسي بالكاظمي عن طريق الاحتجاجات.
ازدادت على مر الأسبوعين الماضيين حالة الانعزال التي تعاني منها “المقاومة”. فبدايةً، مُنيت الجهود الانتخابية لـ “عصائب أهل الحق” و”حركة حقوق” التابعة لـ “كتائب حزب الله” بفشلٍ ذريع، ثم أخذ مقتدى الصدر يفصل أنصار “المقاومة”، أمثال “منظمة بدر” ونوري المالكي، عن «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق». وفي الوقت نفسه، شهدت “المقاومة” إدانة ناجحة لعناصر من «كتائب حزب الله» بتهمة قتل متظاهرين في البصرة وتطهير أجهزة الاستخبارات من مسؤولي “المقاومة”. ويبدو أن هذه العزلة أثارت ردّاً منسقاً بل متسرّعاً من «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق». وفي هذا السياق، يتناول الجزء الأول من هذه السلسلة أنشطة الاحتجاج، بينما يتطرق الجزء الثاني إلى الهجوم الذي استهدف منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر بطائرة بدون طيار.
4 تشرين الثاني/نوفمبر: تصعيدٌ في الخطابات
في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، عملت «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» على رفع نبرة خطاباتهما قبل بدء التظاهرات الاحتجاجية. ففي مقابلة على قناة العهد، قال أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، إن “المشاركين في الاعتصام لا يمكنهم العودة إلى منازلهم خاسرين”، مضيفاً أن «عصائب أهل الحق» قد تقاطع مجلس النواب. وذهب أعضاء آخرون في التنظيم إلى أبعد من ذلك، حيث غرّد النائب عن كتلة “صادقون” (الجناح السياسي لعناصر «عصائب أهل الحق») عبد الأمير التعيبان في 4 تشرين الثاني/نوفمبر على تويتر: “نصيحة إلى #الزعماء_العراقيين الذين أزاحتهم السفارة الأمريكية والإمارات من ساحة القرار السياسي بواسطة انتخابات لا يختلف عليها اثنان أنها مزورة. إنكم إذا ابتلعتم الطعم وتغاضيتم عن هذه المهزلة مقابل حصص زائلة، فإن مصيركم كنهاية معمر القذافي [الزعيم الليبي المقتول] الذي مزقت رأسه عصابات منفلتة [عاملة] بإشراف فرنسي”.
5 تشرين الثاني/نوفمبر: بدء الاحتجاجات
يوم الجمعة، الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، زحف أنصار “المقاومة” نحو “المنطقة الخضراء” وألقوا الحجارة على قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وأطلقت الرصاص الحي في الهواء. ونقلت وكالة رويترز عن مصادر في المستشفيات إصابة أكثر من 21 متظاهراً، وقد نتجت الإصابات بمعظمها عن استنشاق الدخان، فضلاً عن إصابة تسعة من رجال الشرطة جرّاء تعرضهم للرشق بالحجارة، كما وقعت حالة وفاة مسجلة واحدة على الأقل. ولم تتوانَ “المقاومة” عن تضخيم المواجهات، علماً بأنها كانت تُعتبر صغيرة نوعاً ما مقارنةً بالتظاهرات العراقية العادية، مما يؤكد أن “المقاومة” تركّز على رسم صورةٍ للواقع أكثر من الواقع نفسه.
ورصدت سلسلة “الأضواء الكاشفة للميليشيات” نشاطاً إعلامياً مكثفاً ومعداً مسبقاً عبر قنوات “المقاومة” الإعلامية، وخاصة قنوات «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، التي نشرت صوراً ومقاطع فيديو للاحتجاجات، من بينها صور للمتظاهرين الجرحى. ولكن طوال هذا الوقت، بقيت المنصات التابعة لـ «منظمة بدر»، مثل “منصة باء”، صامتة إلى حد كبير فيما يتعلق بالاحتجاجات، مما يعكس عدم وجود اهتمام أو دعم من جانب «منظمة بدر» في الكتلة السياسية لـ «تحالف الفتح».
ومنذ حوالي الساعة 17.16 (بتوقيت بغداد)، أعادت “صابرين نيوز” نشر بيانٍ صادر عن “اللجنة التحضيرية للتظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات في بغداد والمحافظات” التي تشكلت حديثاً، وتبعتها عدة قنوات على “تلغرام” تابعة لـ «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله». وكرّر البيان مزاعم التزوير في الانتخابات ودعا إلى تحميل رئيس الوزراء الكاظمي وعبد الوهاب الساعدي وحامد الزهيري “المسؤولية المباشرة لسقوط العشرات من الشهداء والجرحى”. (وتم أيضاً استهداف مسؤول المخابرات أبو رغيف و “نائب قائد العمليات المشتركة” عبد الأمير الشمري بالتهديدات) وسعت العمليات الإعلامية التي قامت بها “المقاومة” إلى خلق موجة من التأييد لإدانة تلك الشخصيات والقضاء على محاولة الكاظمي لإعادة تكليفه بولاية جديدة. (وفي اليوم التالي، تم إنتاج مثل هذه الرسوم البيانية بكميات كبيرة على اللوحات الإعلانية لكي يحملها المتظاهرون).
Open imageiconSelection of threats to IZ defenders, Nov 5, 2021
Figure 1: Selection of threats against authorities defending the International Zone, November 5, 2021
وبحلول الساعة الحادية عشرة مساءً (بتوقيت بغداد)، وصل أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي إلى ساحة الاعتصام وصرّح قائلاً: “سنحاسب كل المسؤولين عن الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقانون”، كما هدد الكاظمي مباشرةً بالقول: “رسالتي إلى الكاظمي نفسه، دماء هؤلاء الشهداء من ردّك بالرصاص الحي… الرد على هذا النحو يعني أنك المسؤول الأول عن هذا التزوير [في الانتخابات] يا كاظمي.. وكل من يقف مع الكاظمي وخلف الكاظمي وأمام الكاظمي وكل من شارك بهذه الجريمة… أيها الكاظمي دم الشهداء هو محاكمتك… دماء هذه الشهداء لن نتركها كما لم نترك دماء أبو مهدي والحاج قاسم، ووصل ردنا لكل القواعد الأمريكية، فحق دماء الشهداء برقبتي [وسنأخذ بحقهم عبر محاكمتك ومحاكمة كل من شارك في إطلاق الرصاص على المتظاهرين]”. وفي اليوم التالي، أطلقت “الوحدة 10000″، التي تعتبر من أبرز قنوات «كتائب حزب الله» الإعلامية على منصة “تلغرام”، قوائم بأسماء عناصر قوى الأمن زاعمةً أنهم مسؤولين عن جرائم القتل التي ارتكبتها قوات الأمن. وكتبت التعليق الآتي: “هذه المرة سنكتفي بنشر هذه الأسماء، لكن المرة المقبلة لا تلُمنا على نشر اسمك صورتك وعنوانك وحتى رقم سلاحك ونوعه”.
6 تشرين الثاني/نوفمبر: الاعتصام والتماس التعاطف
في يوم السبت 6 تشرين الثاني/نوفمبر، نظّم مناصرو “المقاومة” مزيداً من الاحتجاجات في بغداد، وكانت هذه المرة على شكل اعتصام “لتقديم العزاء بأرواح شهداء جرائم الحكومة”. وحضر الاعتصام حشدٌ من زعماء المليشيات، وكان من بين القادة الجالسين في خيمة كبار الزعماء أبو حسين الحميداوي (أمين عام «كتائب حزب الله» الذي حضر متّكئاً على عصاه)، ومحمد محيي (المتحدث باسم «كتائب حزب الله»)، وحسين مؤنس (رئيس حركة “حقوق” التابعة لـ «كتائب حزب الله»، المعروف بأبو علي العسكري)، وأبو آلاء الولائي أمين عام «كتائب سيد الشهداء»، وقيس الخزعلي الأمين العام لـ «عصائب أهل الحق»، وهادي العامري أمين عام «منظمة بدر». وحضر الاجتماع أيضاً أبو فدك من «كتائب حزب الله» (الذي هو قائد عمليات «قوات الحشد الشعبي»)، وأمين عام «كتائب الإمام علي» شبل الزيدي. (وفي 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، تم تشييع المعتصم المقتول والسهر على راحة نفسه، وكان القادة الآنف ذكرهم حاضرين بمعظمهم).
Open imageiconSit-in tent, Baghdad, November 6, 2021
Figure 2: Sit-in tent, Baghdad, November 6, 2021
وتُظهر سلسلة الأحداث التي وقعت بين 4 و 7 تشرين الثاني/نوفمبر أن «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق» تعملان معاً بطريقة سريعة ومتكاملة، وتدمجان بين شبكات الدعاية التابعة لهما، للإشارة إلى أنهما لن تُعزلا وأن لديهما مصالح مماثلة (في هذا الجهد). ولا شك في أن هذه الرسالة موجهة جزئياً إلى سياسيي “المقاومة” الذين ربما يبحثون عن طرقٍ للتعامل مع مقتدى الصدر، أمثال هادي العامري ونوري المالكي. وقد أُجبر هؤلاء الزعماء على العودة إلى كنف “المقاومة” (انظر الشكل 2).
في الجزء الثاني والأخير من هذه السلسلة، ستبحث “الأضواء الكاشفة للميليشيات” في الهجمات المباغتة بالطائرات بدون طيار (التي ربما لها نتائج عكسية من منظور “المقاومة”) والتي استهدَفت منزل الكاظمي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر.
معهد واشنطن