عادل عبد المهدي
للديمقراطية عيوب ومزايا.. واحدى مزاياها، التي تستغل ضدها، انها لا تبقي شيئاً تحت السطح، خلافاً للدكتاتورية فان كل ما فيها تحت السطح.. فتبدو الامور هادئة مستقرة.. ويبدو الجميع مؤيد لا يستطيع ان يتفوه بكلمة اعتراض، بل لا يستطيع الا ابداء التأييد والحماس للحكومة، والا الاعتقال والتعذيب والموت. فلا مظاهرات، ولا احتجاجات، ولا معارضة، ولا صحف وفضائيات، تجلد الحكومة والمسؤولين ليل نهار. ثم فجأة يعلن البيان رقم واحد او تحصل احداث عنيفة وتخرج الارض اثقالها، فاذا كل شيء بالضد مما كان يجري، ويتغير الحال من حال الى حال.. ويخرج من في السجون ليصبح حاكماً، وليدخل السجن، او ليسحل ويشنق من كان حاكماً.
واليوم تجري حركات احتجاج غير قليلة.. فالمظاهرات باتت اسبوعية، وتمتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب.. تعبر عن رأيها بحرية غير قليلة، دون ان ينفي ذلك بعض الانتهاكات، ليس فقط من قبل بعض رجال الامن، بل احياناً من بعض المتظاهرين انفسهم. ومطالب المتظاهرين عديدة لا تتعلق بامر واحد.. بل تتناول مواضيع كثيرة.. بل الاهم من ذلك هناك مزاج عام في البلاد يعبر عن الاحباط وعدم الرضا من قطاعات واسعة تشكل -في نهاية التحليل- القاعدة العريضة التي انتخبت مجلس النواب وبالتالي الحكومة.. ونعتقد ان هذا امر محمود وجيد.. فالافضل سماع رأي المواطنين، والافضل ان يعبر الناس عن قناعاتهم الصحيحة او الخاطئة.. والافضل للحكومة الاستجابة الى العادل والمشروع والممكن من المطالب.. والا توسعت حركة الاحتجاجات، التي لن ينفع معها القمع والاعتقال والملاحقة.
في قبال ذلك للديمقراطية مزايا.. فعدا الحريات التي تمنحها ودليلها الاعلام الحر وشرعية التظاهر والتعبير عن الراي وفق القانون، فانها تعتمد ايضاً على مبدأ الانتخابات الحرة والتداول السلمي للسلطة ودولة المؤسسات. صحيح ان انتخابنا او مؤسساتنا لم تبلغ المستوى الناضج والمسؤول تماماً.. لكنها برهنت ان فيها الكثير من عوامل مشاركة الشعب في اختيار ممثليه بدليل نسب المشاركة العالية.. والعدد الكبير للكيانات والشخصيات المرشحة. فعموماً لا يمنع من الترشيح سوى من تناله -بعدل او ظلم- اجراءات المسائلة او القضاء، وهو لا يتعدى العشرات امام عشرات الاف المرشحين. فالشعب هو من يختار. اذ تجري الانتخابات تحت اشراف الاعلام الوطني والدولي والامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، وتظهر النتائج التي لا شك انها تتضمن بعض التأثيرات المباشرة، او اعمال التزوير والغش، لكنها عموماً تعبر عن المزاج العام في البلاد، وتحمل دائماً المفاجئات، ويتم اختيار ممثلي الشعب، الذين يمنحون بدورهم الثقة للحكومة ومنهاجها.
واننا امام الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.. والحرب ضد داعش.. والشحة المالية، والفساد المالي والاداري، واستمرار العمل بالقوانين والتشريعات والتعليمات القديمة، التي برهنت عن تعسفها وحمايتها لفلسفة حجز التقدم والانطلاق لمصالح انانية ضيقة، مما منع التقدم الحقيقي وساهم في تردي الخدمات وزيادة البطالة، رغم مرور اكثر من 12 عاماً على التغيير، علينا ان نعود الى انفسنا وشعبنا لنسأل من هو المسؤول عن ذلك؟ هل هو الشعب الذي لم يحسن اختيار ممثليه؟ ام انها القوى السياسية التي لا تحسن تقديم مرشحيها، او لم تطور وعيها من عقل المعارضة الى عقل الدولة، وما زالت غارقة في سياسات المحاصصة والاستئثار؟ ام انه مجلس النواب الذي لم يحسن اختيار حكومته؟ ام ان التذمر هو حالة طبيعية للتعبير عن صعوبة الاوضاع.. وان الحكومة ما زالت تتمتع بقاعدتها الشعبية.. وانها امام امتحان عسير، لن تنجح فيه ما لم يتحمل الجميع مسؤولياتهم.. ولن تنجح فيه ما لم تعتمد الاجراءات والسياسات الديمقراطية القائمة على المشورة والخطوات المؤسساتية في تبني السياسات واتخاذ القرارات. فمع رحيل صدام حسين صارت موضوعة “القائد الضرورة” تهمة يرفضها الجميع دون استثناء.. فاذا كان ذلك صحيحاً، فان البلاد ما زالت تمتلك من الموارد والامكانيات والحصانات ما يسمح بمعالجة ازماتها، وعبور صعوباتها، والتجاوب مع رغبات شعبها، شريطة العمل على ذلك لا الكلام به فقط.