اياد العناز
يرى الإيرانيون أن العاملين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد ساهموا وعبر التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بتزويدهما بمعلومات استخبارية تتضمن فعاليات نووية واماكن ومواقع لأنشطة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، كانت هي إحدى الأسباب الرئيسية التي سارعت في توجيه الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 ثم اكملتها الضربات الأمريكية على منشأت ( نطنز وأصفهان فوردو) النووية في الثاني والعشرين من حزيران 2025، إضافة إلى التقارير العلنية الفصلية التي تصدر عن محافظي الوكالة والتي أعلنت فيها وقبل بدأ العمليات العسكرية بعدم تعاون الإيرانيين معهم وأن المفتشين غير راضيين عن طبيعة النشاطات الإيرانية وأنها بدأت بالخروج عن التزاماتها بخصوص نسب تخصيب اليورانيوم وعدم التمسك ببنود اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في تموز 2015 بحضور مجموعة ( 5+1) والخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى أن القيادة الإيرانية مستاءة من عدم اعلان الوكالة الدولية عن رفضها واستنكارها للهجمات الإسرائيلية الأمريكية.
أعلنت الإدارة الأميركية رفضها لقرار إيران بعدم استقبالها للوكالة الدولية وطالبتها بالعدول عن قرارها والسماح لمفتشيها بممارسة وتنفيذ اعمالهم في المراقبة الدقيقة والتفتيش المستمر، وبينت أنها لا تزال متمسكة بقرارها بعدم تخصيب اليورانيوم وضرورة تفكيك البرنامج النووي وإزالة البنية التحتية لجميع الأنشطة النووية الإيرانية، وهي الأولوية التي يعمل عليها المبعوث الرسمي الأمريكي ( ستيف ويتكوف) بانهاء فعالية البرنامج النووي ومنع أي عملية تطوير ونشاط لإنتاج السلاح النووي وقطع إيران بعلاقتها مع المليشيات والفصائل المسلحة.
رغم المواقف الدولية من القرار الإيراني إلا أن العديد من الدول الأوربية لا تزال راغبة في استخدام الحوار الدبلوماسي والمفاوضات السياسية لإقناع إيران بالحد من عمليات تخصيب اليورانيوم وإيقاف نشاطاتها النووية وتسليم المواد عالية التخصيب والالتزام بنسبة معينة للاستفادة منها في المجالات العلمية والإنسانية،ولكن القيادة الإيرانية ترى الموقف الأوربي يشكل استسلام واضح للشروط والاملاءات الأمريكية.
أن عملية الدعوة للتفاوض مع إيران وفسح المجال للحل السلمي إنما هي تأكيد للشروط التي تحد من عمليات التخصيب بوضع آليات جديدة لمراقبة دائمة عبر مفتشين من الوكالة أو بمشاركة علماء ومفتشين أمريكان، إذ إن تعليق إيران لعملها مع الوكالة لا يعني عدم السماح لأي عملية للمراقبة وادامة التواجد في المنشآت النووية عند حدوث أي اتفاق دائم جديد نتيجة عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران، رغم الاعلان الإيراني عن حالات اشتباه بوجود شرائح تجسس مشبوهة بأحذية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثناء تفتيشهم المواقع النووية الإيرانية.
قد تعود فعالية المفاوضات والوصول لحل توافقي يرضى جميع الأطراف، يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 5٪ رغم تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية عبر مبعوثها (ويتكوف) على ضرورة قيام إيران بتصفير تخصيب اليورانيوم، مع تحقيق التأكد من عدم تطوير إيران لأي نوع من أنواع الأسلحة النووية، وهو ما يمكن أن توافق عليه إدارة الرئيس ترامب اذا ما تحققت الظروف المناسبة لعقد الجولة السادسة من المفاوضات والمقترحة من الجانب الأمريكي في العاصمة العُمانية ( مسقط).
ويسعى المسؤولين الإيرانيين إلى تحقيق حالة من التواصل الدولي والإقليمي للحفاظ على طبيعة علاقتهم ومنع حالة الانعزال السياسي أو الممانعة في قبول المبادرات الأمريكية، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الثالث من تموز 2025 بإعلانه رفض طهران الدخول في (أي مفاوضات جديدة تكون نتيجتها إنهاء البرنامج النووي)، إلا أن مجيد تخت روانجي نائب الوزير عراقجي بين أن بلاده على استعداد لاستئناف المفاوضات على أن ( تقدم الولايات المتحدة الأمريكية ضمانات بعدم توجيه أي ضربات جديدة على إيران)، وهذا ما يؤكد حقيقة المخاوف الإيرانية واحتمالية إقدام واشنطن وتل أبيب بتنفيذ هجمات عسكرية مستقبلية قد لا تكون أهدافها معنية بأماكن ومواقع الأنشطة النووية، بل القضاء الكامل على ما تبقى لإيران من قدرات وإمكانيات دفاعية وصاروخية، بعد أن تم تداول العديد من الأحاديث والتصريحات حول الهجمات الأمريكية التي تعرضت للمنشأت النووية ( نطنز وأصفهان فوردو) والغموض المتعلق بطبيعة الخسائر والدمار الكبير الذي أصابها، والذي لا يمكن التحقق منها ومعرفة الأضرار فيها إلا عبر التفاوض والوصول إلى نتائج إيجابية بين الفريقين الأمريكي والإيراني ومنها ما يتم الاتفاق عليه بتفعيل مسار عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى حقيقة الجدل القائم عن نقل إيران لكمية من اليورانيوم المخصب تقدر ب (408) كيلو غرام من مفاعلاتها النووية إلى أماكن غير معلومة، وهو ما أكدته بعض التقارير الأمريكية والغربية غير الرسمية بشأن عدم تأثر المفاعلات النووية بعد الهجمات الجوية والصاروخية الأمريكية الإسرائيلية.
يبقى الاعتقاد السائد والرأي القائم لدى أركان القيادة الإيرانية أن التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية مشروط بتحقيق الثقة الكاملة، بعد عقد سلسلة ما جولات المفاوضات انتهت بعمل عسكري إسرائيلي طال العمق الإيراني ثم ضربات جوية أمريكية لمواقع ومنشأت نووية إيرانية، والخشية من أي عملية خداع أخرى قد يسبب عملًا عسكريًا أو استخباريًا كبيرًا تجاه إيران، وأن ما يناقش في الإدارة الأميركية بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إيقاف القتال وتحقيق هدنة ميدانية في قطاع غزة لا ينفي أن يكون الملف الإيراني محورًا رئيسًا في المباحثات بينهما.
إذا ما أرادت القيادة الإيرانية تحقيق أهدافها وسعيها لرفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق أموالها المجمدة وإيجاد حلول جذرية لازماتها الاقتصادية والاجتماعية، فعليها العودة للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولة منع اي هجمات عسكرية مماثلة تجاهها، ومعلوم أن لإيران أهداف سياسية أخرى تتمثل في الحفاظ على نظامها وعدم الاعتداء عليها ومهاجمتها وزعزعة استقرار النظام، وما عرضته إيران في الجولات الخمس الماضية على المفاوض الأمريكي تضمن أولويات في رفع العقوبات وابداء الرغبة الإيرانية في تعاون اقتصادي واستثمار أمريكي بقيمة تريليون دولار يخص جميع المجالات ومنها قطاع الطاقة.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
