تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية تراجعا شديدا منذ آذار/ مارس عام 2020 على الأقل، عندما حمّل تساو ليجان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الجنود الأمريكيين مسؤولية انتشار جائحة كورونا، وعندما أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على كوفيد-19 “الفيروس الصيني”.
ويقول الدكتور ديني روي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو الأمريكية، وزميل مركز أبحاث الشرق والغرب الأمريكي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، إنه “بعد مرور عامين تقريبا، هناك ما يبرر بحث المراقبين عن الدلائل الأولى على حدوث تعاف في العلاقات يعترف فيها الجانبان بقيمة التعاون وأخطار التوترات المنفلتة. ولكن ربما يكون بحثهم بدون جدوى”.
فبعد أن عقد كبار المسؤولين الأمريكيين والصينيين اجتماعا مثيرا للجدل في تكساس في آذار/ مارس 2021، كانت القمة الافتراضية بين جو بايدن وشي جين بينغ في تشرين ثاني/ نوفمبر قمة عملية للغاية. ومع ذلك لم تسفر القمة عن التقدم المرجو منها من خلال خفض تصعيد التوترات. وفي الأيام التالية للقمة، استمرت الطائرات الحربية الصينية في تحليقها حول تايوان، مواصلة بذلك حملة ضغط عسكري دامت شهرا. وبالمثل أعلنت إدارة بايدن مقاطعة دورة الألعاب الشتوية التي تستضيفها بكين، وعقد بايدن قمة من أجل الديمقرطية. وانتقدت الحكومة الصينية كل ذلك بشدة.
ويقول روي إن هذا السلوك المتبادل ليس أمرا غير عادي. فالعلاقات الأمريكية الصينية في فترة ما بعد عهد ماوتسي تونغ اتبعت بشكل عام نمطا دوريا، حيث كانت تحدث انتكاسات تتبعها فترات من التعافي. فمذبحة تيانانمين في حزيران/ يونيو 1989، دفعت واشنطن لتوجيه انتقادات للصين وفرض عقوبات، وهو ما ردت عليه بكين بغضب. ومع ذلك، سرعان ما تم رفع معظم العقوبات أو لم يتم تنفيذها أساسا. واحتفظت الصين بوضعها التجاري باعتبارها الدولة الأكثر تفضيلا وازدهرت التجارة بين أمريكا والصين في تسعينيات القرن الماضي.
ومثال آخر هو اصطدام طائرة مراقبة أمريكية مع طائرة مقاتلة صينية فوق المياه الدولية قرب جزيرة هاينان عام 2001، تسبب في وفاة طيار صيني وأدى إلى احتجاز مؤقت للطاقم الأمريكي وكان وراء حدوث أزمة ثنائية. ووجه كل طرف اللوم للآخر بالنسبة للاصطدام.
ومع ذلك، صرح مسؤولون أمريكيون كبار بعد أربعة أعوام بأن العلاقات الأمريكية الصينية في أفضل حالاتها خلال ثلاثة عقود.
ويقول روي إنه لحسن الحظ كانت عمليات التراجع الثنائية قصيرة. وتاريخيا، هناك إجماع في الدولتين على أن الحفاظ على علاقة بناءة يستحق تحمل القليل من التطورات المعاكسة. ولكن التعافي من التراجع في الوقت الراهن أمر أقل تأكيدا لأن الظروف الأساسية التي تؤثر على العلاقات الأمريكية الصينية تغيرت.
فحتى مؤخرا، تمتعت أمريكا بميزة هائلة بالنسبة للصين في القوة العسكرية والاقتصادية، وأسهم ذلك في توفر علاقات مستقرة.
ولتوضيح ذلك، فإنه لم يكن بمقدور الصين إلحاق ضرر كبير بأمريكا. وبالتالي، كانت لدى واشنطن فرصة لاتباع نهج مرن تجاه الحشد العسكري الصيني، والسنوات الأولى من الفائض التجاري الصيني المتزايد مع أمريكا، ومزاعم الصين بالنسبة لبحر الصين الحنوبي، وتهديد مستمر بإعادة توحيد تايوان معها بالقوة، وانتهاكات الصين للالتزامات الدولية. وبالتالي، لم تكن السياسة الأمريكية تجاه الصين معبأة تماما للتنافس والردع، ولكنها اشتملت على جهود لتشجيع اندماج الصين في المنظمات والنظم الدولية بهدف تجنب الظهور بمظهر “معاملة الصين كعدو”.
وبالنسبة لبكين، كان عدم توازن القوة الذي ظل بشكل كبير في صالح أمريكا في فترة ما بعد الحرب الباردة، يعني أنه ليس من المتصور أن تتحدى الصين بصورة مباشرة ، الوضع الاستراتيجي لواشنطن في شرق آسيا، أو فرض إرادة بكين على دول هامشية تتصرف ضد أجندة الصين تحت ستار النظام الإقليمي الذي ترعاه أمريكا. وكما جاء في توجيه دينغ شياو بينغ، مهندس الإصلاح الصيني الخاص بالسياسة الخارجية، فإن ذلك كان وقتا مناسبا لتقوم الصين ببناء قوتها عن طريق التجارة والاستثمار مع أمريكا وتجنب المواجهة ما لم تقم أمريكا بتهديد مصلحة صينية حيوية.
وقبل تولي شي القيادة، كانت بكين تبدو حذرة إزاء أي سياسات قد تدفع الدول الأخرى إلى تشكيل تحالف دفاعي معادٍ للصين، وكل ذلك أدى إلى تهدئة مخاوف واشنطن إزاء نوايا معينة للصين.
ويقول روي إنه مع ذلك تضاءل هذا الاختلاف في القوة بدرجة كبيرة في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن الصين ليست أقوى عسكريا من أمريكا، فإن الجيش الشعبي الصيني قوي الآن بدرجة كافية لإلحاق خسائر فادحة بالقوات الأمريكية في أي سيناريو تحاول فيه القوات الأمريكية حرمان الصينيين من تحقيق انتصار عسكري في المنطقة. كما أن الأهمية الاقتصادية الكبيرة للصين توفر لها ميزة استراتيجية.
وتستطيع بكين استخدام تجارتها كسلاح لإرغام الدول غير الموالية تقليديا للصين على دعم أهدافها في الخلافات السياسية. كما أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، يتمثل في حقيقة أن لدى الصين فرصة منطقية للاستحواذ على القيادة في تطوير التكنولوجيات المستقبلية الأساسية مثل الذكاء الاصطناعي، وإنتاج الطاقة الخضراء، والأدوية المتقدمة.
وأكد روي أن اقتراب الصين من مستوى المنافس الندّ يعيد تشكيل العلاقات بين الدولتين. فواشنطن تعتبر الصين الآن خصما محتملا حاليا وليس مستقبلا. والإعداد لحرب ممكنة وتجنب التعاون الذي قد يكون في صالح الوضع الاستراتيجي للصين أصبح أمرا يثير قلقا ملحّا لدى أمريكا. وهذا النهج المعادي يحول دون أي عودة لذلك النوع التاريخي من العلاقات الذي كان سائدا قبل فقدان أمريكا لقوتها الاستراتيجية. وعلاوة على ذلك، فإن الجو السياسي المحلي في الدولتين يعادي بصورة متزايدة أي عودة للوضع الطبيعي الثنائي القديم.
ويختتم روي تقريره بالقول إنه من المرجح أن تؤدي عودة وجود فجوة في القدرات بين الصين وأمريكا إلى الحد من التنافس الاستراتيجي الثنائي، وتفسح الطريق أمام علاقات أكثر تعاونا. وسيكون السبب الأكثر احتمالا حدوث أزمة اقتصادية أو اضطراب سياسي، مما يدفع أمريكا أو الصين إلى الانسحاب من المنافسة، بنفس الطريقة التي انسحب بها الاتحاد السوفياتي من الحرب الباردة.
(د ب ا)