تغير لافت للمجتمع الإيزيدي بعد مأساته مع “داعش”

تغير لافت للمجتمع الإيزيدي بعد مأساته مع “داعش”

لم يلقَ وفد من السياح العراقيين والألمان سوى الترحاب من الناشط الأيزيدي لقمان سليمان وهو يستقبلهم في معبد لالِش للأقلية الأيزيدية، وهو ما ظهر جلياً في حديثه لهم: “نحن نرحب حقاً بزيارتكم”.
ويُعد معبد لالش الذي يقع عند أطراف محافظة دهوك في شمال العراق، مكاناً مقدساً عند الأقلية الأيزيدية، إذ يحج إليه الكثيرون حيث يتعين على كل أيزيدي المجيء إلى المعبد مرة واحدة على الأقل في حياته، غير أن اللافت هو أن هذا المعبد أصبح مؤخراً مقصداً للسائحين بشكل كبير.
يقول سليمان، وهو الناطق باسم إدارة المعبد: “من المهم حقاً أن يأتي الناس إلى هنا ويستمعون إلى الأيزيديين. لا ينبغي أن يكون مصدر الحديث عن الأيزيديين أشخاصا غير أيزيديين لأنهم قد يتحدثون عنا بشكل خاطئ”.
وعُرف عن الأيزيديين التحفظ والسرية داخل المجتمع العراقي بشأن دينهم وطقوسهم، غير أنه أعيد تسليط الضوء على هذه الأقلية بعد ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق في العام 2014، حيث استهدف مسلحو التنظيم الإرهابي الأيزيديين والإيزيديات وأخضعهم للاستعباد في مأساة صنفتها كيانات دولية، مثل برلمان بلجيكا، باعتبارها إبادة جماعية.
انفتاح إيزيدي على العالم
على وقع دحر تنظيم “داعش” في العراق في العام 2017، تغير المجتمع الإيزيدي وأصبح يعيش في الوقت الحالي قرابة 240 ألفا من أفراده في مخيمات النازحين شمال العراق، ومعظمهم يقبع في فقر مدقع.
غير أن اللافت هو أنها طرأت على المجتمع الإيزيدي بعض التغيرات التي لم تكن متوقعة في السابق، كما يقول مراد إسماعيل، وهو ناشط إيزيدي ورئيس “أكاديمية سنجار” في شمال العراق التي توفر التعليم لأبناء الأقلية الإيزيدية.
ويضيف إسماعيل: “لقد انفتح المجتمع الإيزيدي كثيراً ولم يعد لدى هذا المجتمع ما يخفيه. اعتقد أنه في الماضي كثير من الأشخاص يرون أنه من الأفضل عدم مناقشة القضايا المتعلقة بالهوية أو الدين. ولكن أعتقد أن العالم اليوم أصبح متحمساً وداعماً أكثر للأيزيديين، وهو الأمر الذي يشجعهم على أن يكونوا أكثر انفتاحاً”.
وبينما كان يشرح لزوار معبد لالش تاريخ الإيزيديين وإرثهم، أصر سليمان على أن “الإيزيديين لم يتغيروا هم أنفسهم. لقد بدأ العالم في التركيز علينا فقط. ولذلك أصبح المزيد من الناس -حتى الذين كان لديهم معرفة مسبقة بالأيزيديين- يعرفون عنا الآن أكثر. وهو ما جعلنا أكثر انفتاحاً”.
مناخ حر جديد للإيزيديات
وأشار سليمان، في حديثه، إلى الوفد السياحي إلى أن أحد التغيرات الكبيرة واللافتة التي طرأت على المجتمع الإيزيدي هو حصول النساء في المجتمع الإيزيدي على مزيد من حقوقهن، وقال: “قبل مجيء تنظيم داعش، لم تكن المرأة الإيزيدية تتمتع بحريتها في مغادرة قريتها من دون ولي الأمر”.
وأضاف: “ولكن بعد دحر داعش، أصبح المجتمع الإيزيدي أكثر انفتاحاً. وأصبح للنساء الحق في مغادرة قريتهن، بل وحتى السفر إلى أوروبا”.
وقد أكدت هذا التغير نافين سموقي، وهي صحفية من الطائفة الإيزيدية، وقالت: “في الماضي، لم يكن المجتمع يتقبل هذا الأمر. ولكن بعد نزوح العديد من الإيزيديين، اضطر العديد منهم إلى العيش في مناطق مختلفة من العراق ما أدى إلى اندماجهم أكثر وأكثر”.
وأوضح أحد سكان شمال العراق من الإيزيديين ذلك متحدثاً عن حياة الأيزيديين قبل مأساة “داعش” وبعدها. وقال لدويتشه فيله: “تخيل أنك جئت من مجتمع زراعي منعزل من دون موارد وفيرة حيث لم يتجاوز مستوى التعليم المدرسة الابتدائية. وبعد ذلك تم تهجيرك لتعيش في مخيم حيث تتواجد منظمات غير حكومية تدير برامج للتعليم وحقوق المرأة. هكذا حدث التغيير في المجتمع الإيزيدي”.
سيدات إيزيديات يقدن سيارات
وأشارت سموقي إلى أن سنجار كانت في السابق مدينة منعزلة، مشيدة بالتغيير الذي طرأ على المدينة، خاصة على حياة النساء. وقالت إنه أصبحت الآن في سنجار مدارس لتعليم النساء قيادة السيارات، بل إن الفتيات إيزيديات أصبحن يدرسن في الجامعات، فيما شاركت فتاة أيزيدية، أميرة عطو، في مسابقة ملكة جمال العراق للعام 2021.
وقال المدير التنفيذي لـ”مبادرة نادية”، عابد شمدين، إن الجرائم التي ارتكبت في حق الأيزيديين من قتل للرجال واسترقاق للنساء جعلت العديد من الأيزيديات يتحملن العبء الأكبر.
يشار إلى أن التي أسست هذه المبادرة هي نادية مراد، وهي ناشطة أيزيدية كان قد اختفطها في العام 2014 مسلحو “داعش” بعد أن قتلوا ستة من أشقائها وتعرضت للاغتصاب وهي في الأسر لديهم.
وفي العام 2018، نالت مراد جائزة نوبل للسلام. وقبل ذلك بعامين عينتها الأمم المتحدة سفيرة للنوايا الحسنة لمكافحة المخدرات والجريمة. وفي العام نفسه فازت بجائزة ساخاروف التي تعد أرقى جائزة أوروبية في مجال حقوق الإنسان.
وتساعد “مبادرة نادية” الإيزيديات على الحصول على فرص للتعليم والعمل وإنشاء مشاريع خاصة بهن، وهو الأمر الذي كان له تأثير كبير على المجتمع النسائي، حسب ما قال شمدين.
وأضاف في حوار مع دويتشه فيله: “لقد رأينا أن هذه المشاريع كان لها تأثير إيجابي كبير على الإيزيديات. بعد التدمير الكبير الذي تسبب فيه “داعش”، اضطرت النساء إلى أخذ زمام المبادرة”.
ويشارك في هذا الراي إسماعيل، رئيس “أكاديمية سنجار” في شمال العراق، الذي قال: “تحظى الإيزيديات اليوم بفرص أفضل في التعليم والتوظيف. هناك عدد أكبر من النساء العاملات والبعض منهن يمتلكن مشاريع تجارية صغيرة أو يدرن منظمات غير حكومية. هذا أمر جديد جدا بالنسبة للإيزيديين والإيزيديات في العراق”.
الطريق ما يزال طويلاً أمام الأقلية الإيزيدية
ولكن، على الرغم مما تحقق من تغيير إيجابي في حياة الأقلية الإيزيدية، وخاصة للنساء، أكد كثيرون أنه ما يزال هناك الكثير الذي يتعين فعله. وفي هذا السياق، يوضح عامل سابق في أحد مخيمات شمال العراق أنها ما تزال هناك تفرقة في التعامل مع الناجيات الأيزيديات اللواتي تعرضن للاستعباد والاعتداء الجنسي من قبل مسلحي “داعش” وُعدن إلى منازلهن.
وأوضح ذلك بقوله: “البعض منهن رحب بهن ذووهن، لكن البعض الآخر لم يلقين الترحيب. هذا الأمر يمثل كارثة على الرغم من أن المجتمع الإيزيدي لا يرغب في الحديث عن هذه المشكلة”.
وأضاف بالقول: “كل هذه الحقوق الجديدة التي تتمتع بها المرأة الإيزيدية ما تزال مشروطة بالحصول على إذن من ولي الأمر. التغيير يتطلب وقتاً طويلاً”.
ويقول إسماعيل بدوره: “ما تزال هناك بالتأكيد بعض المشاكل الاجتماعية”، مضيفاً: “سوف يستغرق الأمر وقتاً كما يتطلب المزيد من التعليم. لكنني أعتقد أن الإيزيديات كن قدوة يحتذى بهن أثناء جرائم الإبادة الجماعية. لقد كن في طليعة النضال وأصبحن الآن رموزاً”.

الغد