السعودية تُنوع شراكاتها بعيدا عن واشنطن بمواجهة التهديدات الإيرانية

السعودية تُنوع شراكاتها بعيدا عن واشنطن بمواجهة التهديدات الإيرانية

الرياض – تُراهن السعودية على تنويع شراكاتها لمواجهة التهديدات التي تشكلها الأنشطة الإيرانية، وذلك بعد الفراغ الذي تركه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.

وتسعى السعودية إلى تطوير برنامجها الصاروخي محليا، أو بالاعتماد على خبرات وتقنيات أجنبية، في سياق مواكبة تطوير إيران حزمة متقدمة من الصواريخ بعيدة المدى التي ترى فيها الرياض تهديدا لأمنها الإقليمي، ومحاولة إيرانية للانفراد بالنفوذ في منطقة الخليج ودول جوار السعودية.

وأثارت توجهات الرياض شرقا نحو الصين وروسيا لاستيراد الصواريخ أو تطويرها، مخاوف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وقد لا يشكل برنامج الصواريخ السعودي خرقا لاستراتيجيات الولايات المتحدة في بقاء التفوّق العسكري لإسرائيل على جميع دول المنطقة.

السعودية ترسخت لديها قناعة بأنه عليها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها بعد أن تخلت واشنطن عن المنطقة

وتحاول واشنطن الحدّ من سباق التسلح في المنطقة خشية الاتجاه نحو تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في الوقت الذي تضغط فيه على إيران لإعادتها إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، لضمان عدم تطوير برنامجها النووي لحيازة السلاح النووي.

وتعمل السعودية على تطوير قدراتها الصاروخية محليا كبديل عن الاعتماد على مظلة الحماية الأمنية للولايات المتحدة، التي اتخذت جملة من الإجراءات منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وتستورد السعودية أنواعا مختلفة من صواريخ الصين منذ سنوات طويلة، لكن بكين تحولت في الآونة الأخيرة إلى شريك في البرنامج الصاروخي السعودي بالمساهمة في البنية التحتية للبرنامج وفق ما كشفته دوائر مخابرات غربية.

واتجهت المملكة في السنوات الأخيرة للاعتماد على نفسها في تصنيع وتطوير الصواريخ محليا ببرنامج لم تكشف عنه الجهات السعودية المعنية حتى وقت قريب، بعد أن كشفت صور الأقمار الصناعية عن منشآت لتصنيع الصواريخ قرب مدينة الدوادمي ضمن منطقة الرياض.

ومنذ أواخر الثمانينات اشترت السعودية من الصين 50 صاروخا من طراز “رياح الشرق”، وفي عام 2014 أضافت السعودية إلى ترسانتها الصاروخية صواريخ صينية متوسطة المدى من طراز “DF-21s”، ما عزز ثقتها بالشراكة مع الصين، وهو ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ في أبريل من العام الماضي.

وآنذاك وصف الرئيس الصيني علاقات بلاده مع السعودية بأنها علاقات استراتيجية شاملة واصفا بكين والرياض بالشريكين الاستراتيجيين، اللذين يقيمان تعاونا مهما بما في ذلك في المجالات العسكرية.

وكانت تقارير صحافية تحدثت عام 2019 عن أن الصين تساهم في بناء منشآت لإنتاج الصواريخ الباليستية، وهو ما لم تنفه بكين التي أكد أكثر من مسؤول فيها أن مثل هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي، ولا يمثل مساهمة في انتشار أسلحة الدمار الشامل.

الصين تهتم بالاستثمار في السوق الخليجية المفتوحة

وتمتلك إيران الترسانة الأكبر من الصواريخ الباليستية في المنطقة بما ينظر إليها بأنها تهديد صريح لأمن دول المنطقة، التي تعرضت منشآتها لهجمات صاروخية إيرانية الصنع عبر ميليشيات موالية لطهران على غرار تلك التي استهدفت منشآت أرامكو في خريص وبقيق في سبتمبر 2019.

إلى جانب التهديدات التي تمثلها دفعات الصواريخ إيرانية الصنع التي تطلقها جماعة الحوثي اليمنية الحليفة لإيران على الأراضي والمدن السعودية، التي تتجه نحو بناء قوة ردع صاروخية لمواجهة التهديدات الإيرانية المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها.

إضافة إلى احتمالات تطور حروب الوكالة في المنطقة إلى مواجهات مفتوحة بين إيران من جهة والولايات المتحدة أو إسرائيل من جهة أخرى، هنا قد لا تجد السعودية نفسها بمنأى عن الدخول طرفا فيها طالما أن طهران ترى في استراتيجياتها لمواجهة واشنطن استهداف الدول الحليفة لها.

وبعد تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2021 علّق بعض مبيعات الأسلحة للسعودية، مع قرار آخر بوقف الدعم للعمليات العسكرية في اليمن.

ورفع الرئيس الأميركي أيضا جماعة الحوثي من لائحة المنظمات الإرهابية واندفع نحو إعادة العمل بالاتفاق النووي لعام 2015، بعد أن قرر سلفه دونالد ترامب الانسحاب منه في مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات على طهران وتشديدها لاحقا ضمن حملة عقوبات “الضغط الأقصى”.

يأتي ذلك في وقت بدأت تترسخ فيه قناعة لدى السعودية بأن عليها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها، بعد أن تخلت واشنطن عن المنطقة في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في مناطق أخرى.

توجهات الرياض شرقا نحو الصين وروسيا لاستيراد الصواريخ أو تطويرها، أثارت مخاوف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

كما أن اندفاع الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران عبر مفاوضات فيينا المستمرة منذ شهور، دفع السعودية ودول الخليج الأخرى إلى إعادة النظر في مدى التزام واشنطن بحمايتها وحماية أمن الممرات المائية في الخليج العربي والبحر الأحمر من التهديدات الخارجية، الإيرانية تحديدا.

ويرى محللون أن اتجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو الشراكة مع الصين ومحاولة الاعتماد على الخبرات والقدرات المحلية في تطوير إنتاج الصواريخ، قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياساتها وموقفها منه.

وتولي الصين أهمية كبرى لدول الخليج سواء ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية التي أعلنت عنها عام 2013، أو ما يتعلق بسد حاجتها المتنامية من الغاز الطبيعي وحاجتها للنفط، إذ تستهلك ما يصل إلى 15 مليون برميل يوميا.

كما تهتم الصين بالاستثمار في السوق الخليجية المفتوحة في قطاع التقنيات الإلكترونية أو التسليح والتكنولوجيا العسكرية، وهو ما ينطبق على روسيا اللاعب الشرقي الآخر.

وفي إطار إعادة السعودية صياغة استراتيجياتها الأمنية والعسكرية وتنويع شراكاتها مع الدول الأخرى، وقعت مع موسكو اتفاقية التعاون العسكري المشترك لتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين في الثالث والعشرين من أغسطس 2021، خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان -سفير الرياض السابق في واشنطن- إلى روسيا.

وأتاح تراجع الولايات المتحدة عن دورها في منطقة الخليج الفرصة للصين لملء الفراغ أو جزء منه وإيجاد موطئ قدم لنفوذها في المنطقة ضمن استراتيجية أشمل في إنشاء تحالفات إقليمية في مناطق النفوذ التقليدي لواشنطن تاريخيا.

العرب