مجلس النواب العراقي إلى الالتئام، اليوم الاثنين، لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن التصويت مهدد بالإلغاء أو التأجيل نتيجة سلسلة من المواقف الصادرة عن كتل برلمانية ونواب أعلنت مقاطعة الجلسة.
وسبق هذه المواقف إعلان القضاء العراقي تعليق ترشيح أحد أبرز المرشحين إلى الرئاسة هوشيار زيباري نتيجة شبهات فساد.
رسمياً، تقرر عقد الجلسة عند الظهر. لكن بعد إعلان عدد كبير من النواب مقاطعتهم الجلسة، قد لا يتوافر النصاب القانوني لالتئام مجلس النواب (الثلثان من بين 329 عضواً). وكانت كتلة التيار الصدري المكونة من 73 نائباً أعلنت منذ السبت مقاطعة الجلسة.
وبناء على دعوى مقدّمة من أربعة نواب، قررت المحكمة الاتحادية العراقية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، أمس الأحد «إيقاف إجراءات انتخاب هوشيار زيباري مؤقتاً لحين حسم دعوى رفعت بحقّه تتصّل باتهامات بالفساد موجهة إليه».
ورأى رافعو الدعوى أن زيباري، أحد أبرز الوجوه السياسية الكردية في العراق خلال حقبة ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003. لا يلبّي الشروط الدستورية لتولي منصب رئيس الجمهورية، ومنها أن يكون «حسن السمعة والاستقامة»، بحسب نسخة عن نصّ الدعوى وقرار المحكمة اللذين نشرتهما وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
وعدّد هؤلاء أسباباً مساندة، منها قرار البرلمان سحب الثقة من زيباري عام 2016 حين كان وزيراً للمالية، على خلفية «اتهامات تتعلّق بفساد مالي وإداري». كما تطرقت الدعوى إلى قضيتين أخريين على الأقل يرتبط بهما الوزير السابق البالغ 68 عاماً، لا سيما خلال فترة توليه وزارة الخارجية.
وتحدث المتقدّمون بالدعوى عن وجود «قضية أخرى» على خلفية قيام زيباري «باستغلال نفوذه وسلطته من خلال صرف مبالغ طائلة على عقار لا يعود إلى الدولة». وكانت كتلة الصدر تدعم زيباري. وأعلنت مقاطعتها الجلسة قبل صدور قرار المحكمة. ويقدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على أنه رأس الحربة ضد الفساد في العراق، ولا شك أن الشبهات حول زيباري من شأنها إحراجه. ودعا الصدر إلى التوافق على مرشح رئاسي.
ومساء أمس الأحد، كشف «تحالف السيادة» الذي يضم 51 نائباً بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو حليف للتيار الصدري، مقاطعته الجلسة. كما أعلنت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي ينتمي إليها زيباري والمؤلفة من 31 نائباً مقاطعتها «لمقتضيات المصلحة العامة وبهدف استكمال المشاورات».
وتعكس هذه التطورات المتسارعة حدة الخلافات السياسية التي يشهدها العراق منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت قبل زهاء أربعة أشهر، وانتهت بفوز كبير للتيار الصدري وبتراجع للكتل الموالية لإيران. ومنذ أول انتخابات متعددة شهدتها البلاد في 2005 ونظمت بعد الغزو العراقي الذي أدى إلى سقوط نظام صدام حسين في 2003، يعود منصب رئيس الجمهورية تقليدياً إلى الأكراد، بينما يتولى الشيعة رئاسة الوزراء، والسنة مجلس النواب.
ويتنافس نحو 25 مرشحاً على منصب رئاسة الجمهورية العراقية، وكان الاعتقاد يسود بأن المنافسة ستنحصر فعلياً بين زيباري والرئيس الحالي برهم صالح. وينتمي صالح إلى الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتقاسم عملياً النفوذ في إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي.
ويتوجب على رئيس الجمهورية أن يختار خلال الأيام الـ15 التي تلي انتخابه، رئيسا للوزراء تعود تسميته إلى التحالف الأكبر تحت قبة البرلمان. وعادة، تحصل تسمية رئيس الحكومة بشكل توافقي بين القوى السياسية الكبرى. ولكن حتى الآن، لم تتمكن هذه القوى من تشكيل تحالف أو الاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الحكومة، وهو المنصب الذي يتولى عملياً السلطة التنفيذية، خلفاً لشاغله راهناً مصطفى الكاظمي.
ولدى تسميته، تكون أمام رئيس الحكومة مهلة شهر لتأليفها. إلا أن مسار الخطوات السياسية يبدو معقداً حتى قبل الشروع فيه. ويؤكد مقتدى الصدر حيازته غالبية كافية في البرلمان للمضي في تشكيل «حكومة أغلبية وطنية»، آملاً بذلك في فك الارتباط مع تقليد التوافق الذي يعرقل غالباً آلية اتخاذ القرار.
لكن هذا يعني أنه يضع خارج حساباته قوى وازنة على الساحة السياسية، خصوصاً «الإطار التنسيقي» الذي يضم تحالف الفتح الممثل لقوات الحشد الشعبي (المكوّن بغالبيته من فصائل مسلحة موالية لإيران) والذي حصل على 17 مقعداً في الانتخابات، وتحالف «دولة القانون» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعداً)، وأحزاباً شيعية أخرى.
ويؤكد الإطار التنسيقي بدوره أنه صاحب الأغلبية في مجلس النواب. ويقول المحلل السياسي العراقي حمزة حداد لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أحد يعرف أن يكون في المعارضة، الجميع يعرفون كيفية تقاسم الحصص»، متحدثاً عن إمكان تشكّل «تحالف موسّع».
ويترافق شد الحبال السياسي مع أعمال عنف بين الحين والآخر، استهدف العديد منها مصالح أميركية. وفي أواخر يناير (كانون الثاني)، سقطت ثلاثة صواريخ قرب منزل الحلبوسي. كما أعلنت السلطات في نوفمبر (تشرين الثاني) نجاة الكاظمي من محاولة اغتيال
الشرق الأوسط