بنادق يناير: أي خيارات عسكرية لروسيا في أوكرانيا؟

بنادق يناير: أي خيارات عسكرية لروسيا في أوكرانيا؟

كثيراً ما تتكشف الحروب بطرق غير متوقعة. لم تخض روسيا هجومًا واسع النطاق يشمل إقحام المشاة والدروع والقوة الجوية منذ معارك الذروة في الحرب العالمية الثانية.

ويمكن للبُلدان المعرضة لهجوم أن تبقى متماسكة تماماً بنفس مقدار احتمال انهيارها. ويحذر إيفان تيموفيف من مجلس الشؤون الدولية الروسي من “مواجهة طويلة وبطيئة”، يمكن أن تكون “محفوفة بمخاطر زعزعة استقرار… روسيا نفسها”. الآن، مع اقتراب الحرب بشكل أكبر، ما هي الخيارات العسكرية لروسيا في أوكرانيا؟ كل واحد منها له عيوبه.

* *
في 19 كانون الثاني (يناير)، حذر وزير الدفاع البريطاني الشاب، جيمس هيبي، بالقول: “إن ما يقف أمامنا، والذي قد يكون على بعد أسابيع فحسب، هو أول حرب من نظير إلى نظير، بين جيش متطور صناعياً، مرقمن ومن الطبقة الأولى، ضد جيش من الدرجة الأولى، والتي لم تحدث في هذه القارة لأجيال”.

وكان يشير بذلك إلى حشد روسيا أكثر من 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية. وكرر وزير الدفاع الإستوني التحذير، فقال: “عشرات الآلاف من الناس يمكن أن يموتوا. كل شيء يتحرك نحو الصراع المسلح”.

كان من المقرر أن يلتقي سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، مع أنطوني بلينكين، وزير الخارجية الأميركي، في جنيف يوم 21 كانون الثاني (يناير).

لكن المراقبين رأوا أن آفاق الدبلوماسية قاتمة. في 19 كانون الثاني (يناير)، كان سيرجي ريابكوف، أحد نواب لافروف، قد قال إنه حتى إقرار وقْف اختياري لعضوية أوكرانيا في الناتو لمدة 20 عامًا لن يكون مرضياً لروسيا.

وفي الأسابيع الأخيرة، قامت روسيا بحشد جنود الاحتياط وأرسلت إلى الحدود قوات وصواريخ جلبتها من أماكن لا تقل بعداً عن الحدود مع كوريا الشمالية.

وعلى الناحية الأخرى، تستعد الدول الغربية للأسوأ. في 17 كانون الثاني (يناير)، بدأت بريطانيا في نقل آلاف الصواريخ المضادة للدبابات إلى أوكرانيا.

وقبل أيام من ذلك، كانت السويد قد دفعت بمركبات مدرعة إلى جزيرة غوتلاند بينما مرت ثلاث سفن إنزال روسية عبر بحر البلطيق، ذاهبة إلى وجهة غير معروفة.

وفي اليوم نفسه، تعرضت أوكرانيا لهجمات إلكترونية عطلت مواقع حكومية وأغلقت أجهزة الكمبيوتر الرسمية.

وفي غضون ذلك، قال البيت الأبيض إن لديه معلومات استخبارية تظهر أن روسيا كانت تخطط لأعمال تخريبية مدبرة ضد القوات التابعة لها بالوكالة في شرق أوكرانيا لتوفير ذريعة للهجوم على ذلك البلد.

ويمكن لمثل هذا الهجوم أن يتخذ أشكالاً عديدة. أحد الاحتمالات هو أن تفعل روسيا ببساطة ما فعلته في الخفاء لمدة سبع سنوات: إرسال قوات إلى داخل “جمهوريتي” دونيتسك ولوهانسك، وهي مناطق انفصالية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، إما لتوسيع حدودها غربًا أو الاعتراف بهما على أنهما دولتان مستقلتان، كما فعلت بعد إرسال قوات إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان، في العام 2008.

وهناك سيناريو آخر تمت مناقشته على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، هو أن روسيا قد تسعى إلى إنشاء جسر بري إلى القرم؛ شبه الجزيرة التي ضمتها في العام 2014.

وسوف يتطلب ذلك الاستيلاء على 300 كيلومتر (185 ميلاً) من الأراضي على طول بحر آزوف، بما في ذلك ماريوبول، ميناء أوكرانيا الرئيسي، وحتى نهر دنيبر.

سيكون مثل هذا الاستيلاء المحدود على الأراضي في حدود قدرات القوات التي يتم حشدها الآن في غرب روسيا.

لكن الأقل وضوحًا هو ما إذا كان ذلك سيخدم أهداف الكرملين من الحرب.

فإذا كان هدف روسيا هو تركيع أوكرانيا على ركبتيها ومنعها من الانضمام إلى حلف الناتو- أو حتى التعاون مع الحلف- فمن غير المرجح أن تحقق مجرد السيطرة على دونباس أو قطعة أرض صغيرة في جنوب أوكرانيا ذلك ببساطة.

سوف يتطلب تحقيق ذلك فرض تكاليف باهظة على الحكومة في كييف- سواء من خلال تدمير قواتها المسلحة أو تدمير بنيتها التحتية الوطنية الحيوية، أو الإطاحة بالحكومة الأوكرانية بالكامل.

وقد يكون أحد الخيارات بالنسبة لروسيا هو استخدام أسلحة “المواجهة” من دون وجود قوات على الأرض، محاكية بذلك حرب الناتو الجوية ضد صربيا في العام 1999.

وسوف تُحدث الضربات التي تشنها قاذفات الصواريخ والصواريخ المختلفة دمارًا.

ويمكن استكمال عمل هذه الأسلحة بمزيد من الأسلحة الأكثر جِدة، مثل الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأوكرانية من النوع الذي عطل شبكة الكهرباء في البلد في العامين 2015 و2016.

المشكلة هي أن مثل هذه الحملات العقابية تميل إلى أن تستمر لفترة أطول وتثبت أنها أصعب مما تبدو في بادئ الأمر.

وإذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن تكون ضربات المواجهة مقدمة ومرافقة لحرب برية بدلاً من أن تكون بديلاً عنها.

ويقول ديفيد شلاباك من مؤسسة “راند”، وهي مؤسسة فكرية: “لا أرى الكثير بينهم (القوات الروسية) وبين كييف والذي يمكن أن يوقفهم”.

ربما يكون الهدف هو إلحاق الضرر والألم بأوكرانيا، وليس احتلالها. فالبلد كبير المساحة ومكتظ بالسكان مثل أفغانستان، ومنذ العام 2014 اكتسب أكثر من 300.000 أوكراني شكلاً من أشكال الخبرة العسكرية؛ ولدى معظمهم إمكانية الوصول إلى الأسلحة النارية.

وأخبر المسؤولون الأميركيون حلفاءهم في كييف أن وزارة الدفاع الأميركية ووكالة المخابرات المركزية ستدعمان تمرداً مسلحاً في البلد.

قد تفكر روسيا في ما يسميه الجيش الأميركي “سباق الرعد”، كما يقول السيد شلاباك، وهو هجوم سريع وعميق يُشن على جبهة ضيقة، ويهدف إلى صدمة العدو وشله بدلاً من الاستيلاء على الأراضي. ولا يجب أن يأتي مثل هذا الهجوم من الشرق فقط.

في 17 كانون الثاني (يناير)، بدأت القوات الروسية، بعضها قادم من الشرق الأقصى، بالوصول إلى بيلاروسيا، ظاهريًا للمشاركة في التدريبات العسكرية المقرر إجراؤها في شباط (فبراير).

وقالت روسيا إنها سترسل أيضًا 12 طائرة حربية ونظامي دفاع جوي من طراز (إس -400). وسيسمح الهجوم من الشمال، عبر الحدود البيلاروسية الأوكرانية، لروسيا بمقاربة العاصمة الأوكرانية من الغرب وتطويقها.

ويسأل السيد شلاباك: “بمجرد أن يصبحوا في داخل مدى الصواريخ في وسط مدينة كييف، هل هذا وضع يريد الأوكرانيون التعايش معه”؟ وحتى لو كان فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، على استعداد لتحمل الحصار، فقد تراهن روسيا على انهيار حكومته ببساطة -وقد تستخدم الجواسيس والقوات الخاصة التابعة لها والمعلومات المضللة لتسريع هذه العملية.

ومع ذلك، فإن الحروب كثيراً ما تتكشف بطرق غير متوقعة. لم تخض روسيا هجومًا واسع النطاق يشمل إقحام المشاة والدروع والقوة الجوية منذ معارك الذروة في الحرب العالمية الثانية.

ويمكن للبُلدان المعرضة لهجوم أن تبقى متماسكة تماماً بنفس مقدار احتمال انهيارها. ويحذر إيفان تيموفيف من مجلس الشؤون الدولية الروسي من “مواجهة طويلة وبطيئة”، يمكن أن تكون “محفوفة بمخاطر زعزعة استقرار… روسيا نفسها”.

وحتى النصر سيكون مكلفاً. يقول بيتر زواك، وهو جنرال متقاعد كان الملحق الدفاعي لأميركا في موسكو خلال غزو الكرملين الأول لأوكرانيا في العام 2014: “سوف يقاتل الأوكرانيون ويلحقون خسائر فادحة بالروس -وهم وحدهم بشكل أساسي”.

وإلى جانب التهديد بفرض عقوبات شديدة تقوم أميركا وحلفاؤها الأوروبيون بإعدادها، والغياب الواضح لأي دعم محلي لمغامرة روسية جديدة، فإن كل هذا قد يجعل بوتين، حتى في هذا الوقت، يتوقف لإعادة التفكير.

الغد