خامنئي يعلن عن وعوده للعام الجديد في إيران

خامنئي يعلن عن وعوده للعام الجديد في إيران

في عيد النوروز، تجنب خطاب خامنئي إلى حد كبير السياسة الخارجية والمفاوضات النووية، وبدلاً من ذلك ركّز المرشد الأعلى الإيراني على رؤيته حول جعل البلاد أكثر اعتماداً على نفسها من خلال اقتصاد قائم على المعرفة.

عادة ما يشكّل الخطاب السنوي الذي يلقيه المرشد الأعلى علي خامنئي في عيد النوروز مؤشراً على أفكاره حول الشؤون الخارجية لإيران، من بين اتجاهات أخرى. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، مهّد خامنئي الطريق أمام مواقف طهران التي تتصف بالمغالاة في مفاوضات فيينا النووية، وشدّد على أنه لا يمكن الوثوق بوعود الولايات المتحدة بغض النظر عمّن يجلس في البيت الأبيض. ولكن هذا العام، كرّس معظم خطابه للسياسات الاقتصادية المحلية وامتنع إلى حدٍّ كبير عن ذكر واشنطن مباشرةً.

مسار إيران في العام الفارسي 1400

عشية عيد النوروز، غالباً ما يمهّد المرشد الأعلى الأرضية لخطابه الرئيسي الذي يلقيه في اليوم التالي من خلال تلخيص أحداث العام الذي سبق وإعلان شعار للعام المقبل. وعادة ما تركّز هذه الرسالة على نجاح إيران وقدرتها على التحمل في مواجهة الضغوط الخارجية. وأشار خامنئي إلى هذا الميل خلال تصريحاته عشية عيد النوروز في 20 آذار/مارس، بقوله إنه أعرب في خطاباته السابقة عن إيمانه بأن الإنتاج “هو مفتاح حل المشاكل الاقتصادية للبلاد” لأنه “يعزز النمو الاقتصادي، ويخلق فرص العمل، ويقلل من التضخم، ويزيد معدل الدخل للفرد الواحد، ويُحسّن الرفاهية العامة، ويخلق شعوراً بالكرامة في الأمة”. وبالفعل، ركزت تسعة من شعارات النوروز العشرة الماضية على اقتصاد إيران “المقاوم” في مواجهة العقوبات الدولية، وهذا العام لا يختلف عن غيره: “عام الإنتاج القائم على المعرفة والمولّد لفرص العمل”.

وكانت نبرة رسالة خامنئي عشية عيد النوروز متفائلةً إلى حد كبير. فعلى الصعيد التكنولوجي، روّج لإطلاق النظام أقماراً صناعية جديدة. وعلى الصعيد السياسي، أثنى على “الإدارة الشعبية” للرئيس إبراهيم رئيسي لإحياء آمال الشعب واتخاذها مساراً مختلفاً عن “الإدارة الشريفة السابقة” لحسن روحاني. كما أشاد بالشعب لإظهار دعمه المزعوم للنظام من خلال الذهاب للتصويت في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، والتي تزامنت مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي سياق متصل، زعم خامنئي أن الإيرانيين نجحوا في مكافحة الجائحة وخفضوا معدلات الوفيات بشكلٍ كبير، وأشاد بالتقدم العلمي الذي مكّن من إنتاج اللقاح. ثم أكّد أن أحد أروع الأحداث التي وقعت في العام الماضي كان عندما “اعترف الأمريكيون صراحةً أنهم عانوا من هزيمةٍ مذلّة في سياسة الضغط الأقصى التي اتبعوها ضد إيران”.

إنه الاقتصاد وليس العقوبات

على الرغم من ادعاءاته بالفوز في المعركة ضد فيروس كورونا، اختار خامنئي على ما يبدو عدم تعريض نفسه لخطر العدوى من خلال السفر إلى الاحتفالات الجماهيرية في مشهد لإلقاء خطابه في عيد النوروز كما كان يفعل قبل انتشار الجائحة. وبدلاً من ذلك، ألقى خطابه في 21 آذار/مارس عبر شاشة التلفزيون من طهران.

وتمحور محتوى الخطاب في الغالب حول كيفية تطوير إيران لاقتصادها من خلال الموارد المحلية. وفي هذا الصدد، انتقد خامنئي ضمنياً سياسات روحاني، بإشارته إلى أن إيران واجهت “عدداً من التحديات الاقتصادية على مدى السنوات العشر الماضية”، وناشد المسؤولين باتخاذ قرارات أفضل لكي يحظى الشعب بحياة أكثر راحة. وقال: “إذا اقترنالاقتصاد يالعدالة، فسوف تحرز البلاد تقدماً حقيقياً”.

وفي رأيه، فإن أفضل طريقة لتحسين الوضع هي التحوّل نحو اقتصادٍ قائم على المعرفة – وهو مفهوم كان يؤكد عليه منذ بعض الوقت الآن. وأكّد أن مثل هذا التحوّل لن يحل العديد من المشاكل الأساسية التي تواجهها إيران في مجالات الإنتاج والزراعة والمياه فحسب، بل سيحوّل البلادأيضاً إلى دولة تنافسية على صعيد الاقتصاد العالمي. وبشكل أكثر تحديداً، وصف كيف يمكن لإيران أن تستفيد من مواطنيها ذوي التعليم الجيد لخفض نفقات الإنتاج، وتحسين جودة المنتجات الإيرانية، وتوليد مئات الآلاف من الوظائف الجديدة.

ولتسهيل هذه الرؤية، اقترح خامنئي استغلال الارتفاع في أسعار النفط الذي يشهده العالم نتيجة التطورات الأخيرة. ولكنه حذّر المسؤولين من إهدار جميع هذا الدخل النفطي المعزّز على مجرّد استيراد المزيد من المنتجات والموارد إلى إيران – وبدلاً من ذلك، عليهم توجيه الإيرادات لتطوير البنية التحتية الوطنية وجعل الاقتصاد أقوى وأكثر اكتفاءً ذاتياً.

وكانت إشارات خامنئي إلى المحادثات النووية غير مباشرة إلى حد كبير، واقتصرت على تكرار فلسفته بأنه من الضروري على الاقتصاد الإيراني أن يدعم نفسه بنفسه بشكلٍ ينزع فتيل العقوبات الأمريكية. وأشار إلى خطاب عيد النوروز في العام الماضي الذي صرّح فيه أنه بدلاً من ترك المسؤولين اقتصاد البلاد “في حالة من الغموض بينما ينتظرون اتخاذ قرارات من قبل الآخرين”، يتعين عليهم التخطيط كما لو أن العقوبات ستبقى ساريةً إلى أجلٍ غير مسمى. وأعلن هذا العام قائلاً: “يجب أن ندير البلاد بطريقة بحيث لا يمكن للعقوبات أن توجه [لنا] ضربةً موجعة”. ويقيناً، أنه لم يقل أن إيران ستتخلى عن جهودها الرامية إلى رفع العقوبات. ففي الواقع، حث “أولئك الذين ينشطون في هذه المجالات” على “متابعة الأمر”. ولكنّه قلل من أهمية العقوبات بالإشارة إلى أن حكومة رئيسي تمكّنت من تحقيق مكاسب كبيرة حتى في البيئة الحالية، مثل زيادة التجارة الخارجية، وتوقيع عقود إقليمية جديدة، وتحسين قطاعَي النفط والغاز الطبيعي.

مقاومة “عالم من الذئاب”

كالعادة، وصف المرشد الأعلى الأحداث الدولية الراهنة بأنها أحد أعراض “الغطرسة العالمية” المزعومة لأمريكا، متّهماً واشنطن وحلفاءها بقمع العالم وإحداث أزمات في مناطق مثل أفغانستان واليمن وأوكرانيا. وفي معرض حديثه عن الصراع الأخير، لم يأتِ على ذكر روسيا بل انتقد الغرب لسياساته التي وصفها بالعنصرية رداً على الحرب (على سبيل المثال، معاملة بعض اللاجئين في أوكرانيا بشكل مختلف اعتماداً على عرقهم). وبالمثل، قال إن وسائل الإعلام الغربية تغطي الحرب بشكلٍ مكثّف لمجرد أنها تحدث على الأراضي الأوروبية، مدّعياً أنها “لا تهتمّ إذا اندلعت الحروب وسُفكت الدماء ونشبت أعمال القتل في الشرق الأوسط”.

ووفقاً لخامنئي، فإن هذه الأمثلة الأخيرة على “عالم الاضطهاد” الذي يديره “الذئاب” بمثابة دليلٍ إضافي على أن إيران كانت على حق طوال الوقت في تبني سياسة خارجية تصادمية، حيث قال: “لم تختر أمّتنا الاستسلام للقوى المتغطرسة”، بل أن الشعب اختار “المقاومة” و”القوة المستقلة والداخلية”. وحثّ أبناء الشعب والحكومة على العمل الجاد في تضامن مع بعضهما البعض في المرحلة القادمة، لمنع الصراعات الداخلية التي تعيق التعبئة اللازمة للتنمية الوطنية على نطاق واسع.

الخاتمة

يمكن النظر إلى خطاب خامنئي في عيد النوروز بطريقتين. فمن ناحية، قد يكون محاولةً أخرى للتقليل من أهمية العودة إلى الاتفاق النووي وتثبيط توقعات الجمهور على هذا الصعيد، وهو ما قد يعيق، في رأيه، الزخم الاقتصادي لإيران. ومن ناحيةٍ أخرى، قد يكون الخطاب أسلوبه في الإشارة إلى توقعاته وإرشاداته المتعلقة بنوع السياسة الاقتصادية التي يجب على طهران اتباعها إذا تم التوصل إلى اتفاق في فيينا – أي السياسة التي تعطي الأولوية للاكتفاء الذاتي مع استخدام الأموال التي يتم جنيها من الاتفاق لإصلاح المشاكل الاقتصادية الجوهرية لإيران.

 

عومير كرمي

معهد واشنطن