هل ينهار “بريكس” بسبب غزو روسيا لأوكرانيا

هل ينهار “بريكس” بسبب غزو روسيا لأوكرانيا

لندن – أدت العقوبات الدولية المفروضة بسبب الحرب في أوكرانيا إلى تباطؤ النمو الروسي، ومن السهل رؤية التأثيرات التراكمية على الصعيد العالمي، من ارتفاع أسعار الغاز إلى التضخم المتسارع.

ويقول جيم أونيل المحلل الاقتصادي ورئيس المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، “إن البعض الآخر من التأثيرات يتطلّب نظرة عن كثب، مثل ما إذا كان الغزو الروسي سيؤدي إلى إنهاء التجمع الرسمي للاقتصادات الناشئة المعروف باسم ‘بريكس”.

ومجموعة بريكس التي تتكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، هي هيئة سياسية تم إنشاؤها بعد حوالي سبع سنوات من صياغة أونيل للمصطلح الأصلي في عام 2001 (مع إضافة حرف “s” صغير للجمع بدلا من “S” كبير لجنوب أفريقيا) وهي تمثيل محركات القوة الاقتصادية المتغيرة للاقتصاد العالمي، وقد تم تحديد تلك الدول الخمس لتأثيرها الكبير على شؤون البلدان النامية، بما في ذلك الاندماج في الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من أن الجزء الرئيسي من أطروحة المحلّل الاقتصادي الشهير الأصلية كان حول تسليط الضوء على الحاجة إلى حوكمة عالمية تمثيلية، إلا أن اختصار “بريكس” حظي بالقبول بسبب القوى الاقتصادية الصاعدة لتلك البلدان، وخاصة الصين، وبينما كان قادة دول “بريكس” متحمسين لنشر الدعاية حول إمكاناتهم الاقتصادية، لكن كان سر انجذابهم لفكرة النادي هو أيضا لتعزيز الاعتراف السياسي بما يتجاوز المؤسسات العالمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

جميل أونيل: أزمة أوكرانيا تجعل “بريكس” مجرد رمز لإمكانات لم تتحقق
وهذا هو الدافع الأولي الذي يبقي تلك الدول كأعضاء متحمسين الآن، فبدلا من القيام بأي تطوير حقيقي للسياسة المشتركة، سيبقى ذلك الدافع بغض النظر عن المغامرة العسكرية الروسية، وهذا هو السبب الذي يجعل أونيل يشكّ في أن الكيان السياسي لدول “بريكس” سيستمر لبعض الوقت، ولكن هل الأمر مهم؟

وتهيمن الصين على الحجم الإجمالي لبلدان “بريكس”، والتي وفقا لبيانات صادرة في نهاية عام 2021، كان اقتصادها بالقيمة الاسمية للدولار حوالي 18 تريليون دولار، ويمثل ذلك أكثر من ستة أضعاف حجم الاقتصاد الهندي، وحوالي 10 أضعاف اقتصاد البرازيل وروسيا، وحوالي 55 ضعفا حجم اقتصاد جنوب أفريقيا. وتلك الدول مجتمعة، تبلغ قيمتها اليوم حوالي 25 تريليون دولار، أي ما يعادل حجم الاقتصاد الأميركي تقريبا.

ولكن الصين هي الدولة الوحيدة من دول “بريكس” ذات الأداء الاقتصادي الذي تجاوز الإمكانات المتوقعة في عام 2001، وقد لحقت بها الهند، ولكن بعد مرور 20 عاما، ولم يكن نصيب البرازيل وروسيا سوى خيبة الأمل، بينما كان أداء جنوب أفريقيا أسوأ مما كان في السابق. وبناء عليه، توقف العديد من الاقتصاديين ورجال الأعمال والصحافيين عن إيلاء الكثير من الاهتمام للتدابير الجماعية لدول “بريكس”.

ومع المشاركة الصينية، كانت دول “بريكس” قوة اقتصادية كبيرة، ولهذا السبب فمن الممكن أن يصبح حجمها الاقتصادي الجماعي كبيرا مثل جي 6 (البلدان التي تكون جي7: ألمانيا، الولايات المتحدة، إيطاليا، المملكة المتحدة، اليابان وفرنسا، ماعدا كندا)، ولكن بحلول منتصف إلى أواخر عام 2030، وفي حال انسحبت الصين، فإن الوزن الجماعي لباقي الدول سيعتمد بشكل كبير على الهند لتحقيق إمكاناتها الحقيقية.

ويشير المحلل الاقتصادي إلى أنه “بالنظر إلى الوضع الحالي، فهناك نوع من الإدراك بأن المجموعة قد تجد صعوبة في لعب دور مؤثر على الساحة العالمية، ومن الناحية الاقتصادية على الأقل، ربما ينبغي التفكير في الأمر على أنه مجرد ‘تحالف صيني – هندي’، والذي يرمز إلى الأهمية الاقتصادية للصين والهند. وبالتأكيد فقد حان الوقت لبدء الأداء بشكل أفضل بالنسبة إلى البرازيل وروسيا لتبرير الاعتراف الاقتصادي العالمي الذي قدمه اختصار ‘بريكس’ (وهو أمر غير مرجح بالنسبة إلى روسيا تحديدا)”.

وبناء على ما سلف ذكره، دعونا ننظر إلى “بريكس” في سياق الغزو الروسي. كتب أونيل، وهو أيضا كبير الاقتصاديين الأسبق في “غولدمان ساكس” وشغل منصب وزير الخزانة في المملكة المتحدة، في جريدة الفاينانشيال تايمز في شهر نوفمبر الماضي احتفالا بالذكرى العشرين لتأسيس مجموعة “بريكس”، حيث لم يتخذ النادي السياسي أي مبادرة سياسية مشتركة كبرى منذ إنشائه، باستثناء تشكيل بنك تنمية البريكس والذي (يسمى الآن بنك التنمية الجديد)، أن ما يحصل أمر مخيب للآمال، حيث إنه على الرغم من الضعف الاقتصادي لثلاثة أعضاء، فقد كان هناك القليل من الإقبال على المبادرات التي قد تعزز أداءهم الاقتصادي الفردي أو الجماعي.

ويمكن رؤية الدليل على تلك اللامبالاة متمثلا في العلاقات الدبلوماسية والأمنية والدفاعية الثنائية المشحونة بين الهند والصين، حيث لم يحضر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعد اجتماعا واحدا “لمبادرة الحزام والطريق” ويعد ذلك تنكرا واضحا يعكس اعتراضات الهند على علاقات الصين مع باكستان، ولكن يمكن أن تجني الدول فوائد استثنائية للتعاون الاقتصادي في ما بينها، مثل الاتفاقيات التجارية أو الوقاية من الأمراض المعدية، وكانت دول “بريكس”، بقيادة الصين والهند، غائبة تماما.

مجموعة العشرين التي منحت دول “بريكس” صوتا عالميا أصبح أداؤها مخيبا للآمال منذ عام 2008 حين كان لها دور فعال في التغلب على الأزمة المالية العالمية

وبالنظر إلى هذا الإطار، يقول المحلل الاقتصادي “إن فائدة هذا النادي السياسي هي الرمزية فقط، مما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة المستمرة لمؤسسات الحوكمة العالمية التي كنت آمل أن يتحسن وضعها بعد إنشاء مجموعة ‘بريكس’، ولكي نكون منصفين، يسري نفس المنطق أيضا على الأندية العالمية الأخرى، سواء كانت مع دول ‘بريكس’ أو من دونها”.

وحتى مجموعة العشرين، التي منحت دول “بريكس” صوتا عالميا فرديا، فقد أصبح أداؤها مخيبا للآمال منذ عام 2008، حين كان لها دور فعال في التغلب على الأزمة المالية العالمية.

ويسلط الرد المتباين لدول “بريكس” على الغزو الروسي الضوء على حقائق المجموعة اليوم، فبينما رفضت البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا انتقاد الأعمال العدائية الروسية في أوكرانيا ولم تصوت ضد الغزو في الأمم المتحدة، لكن لم تفعل أي دولة منها أي شيء لدعم روسيا بشكل فعال أيضا.

ويشكك أونيل في أن ذلك الموقف سوف يتغير. أما بالنسبة إلى روسيا، والتي هي ليست أكبر بكثير من الناحية الاقتصادية من كوريا الجنوبية، فإن انحدارها على الصعيد العالمي سيستمر، ما لم تكن هناك إصلاحات ضخمة، وقد أدرك الرئيس فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة أن بلاده لا تستطيع الحفاظ على استمرار الازدهار الاقتصادي الذي عاشته في السابق، وعليه فقد لجأ إلى الخطاب التاريخي والقومي مستهدفا العديد من المواطنين الروس للحفاظ على شعبيته، وستكون لذلك عواقب سلبية طويلة المدى على روسيا، كما سيضمن عمليا أن تظل مجموعة “بريكس” مجرد رمز لإمكانات لم تتحقق على أرض الواقع.

العرب