من جدة إلى طهران .. قمتا المصالح المتناقضة

من جدة إلى طهران .. قمتا المصالح المتناقضة

تنعقد اليوم في طهران قمة ثلاثية حيث يستضيف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن إطار “عملية أستانا للسلام” الرامية لإنهاء النزاع السوري. والبحث في ملفات مفتوحة مثل الحرب الروسية في أوكرانيا ومشكلات الطاقة والغذاء ومساعي إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من الخلافات بين الرؤساء الثلاث ، فإن لديهم مواضيع للتباحث وقضايا للمناقشة بشكل ثلاثي أو منفرد.

الأتراك
بالنسبة للأتراك، يأتي رئيسهم أردوغان إلى طهران للحصول على الضوء الأخضر الذي يحتاجه لبدء “عمليته الخاصة” ضد المقاتلين الأكراد في شمالي سوريا، حيث يريد إقامة “منطقة آمنة”. هذا التدخل العسكري “من الصعب تجنبه”،لكن الرئيس التركي يحتاج إلى استخدام المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا إلى حد كبير، وبالتالي فإنه يأمل في أن يجد في فلاديمير بوتين، الذي يقود أيضا “عملية خاصة” في أوكرانيا، أُذناً متعاطفة مع قضيته. في المقابل، ووفق الباحث في الشؤون التركية في معهد كارنيغي-أوروبا سنان أولغن، “لا تريد السلطات التركية أن تخوض العملية من دون ضوء أخضر من روسيا (…)، لأن المنطقتين المستهدفتين تقعان تحت إشرافها، كما تريد تركيا التمكن من استخدام المجال الجوي”.

وفي المقابل لدى تركيا ما تقدمه، فهي التي تحافظ على علاقات جيدة مع موسكو وكييف وتسيطر على الوصول إلى البحر الأسود: دور الوسيط في الصراع الأوكراني والسيطرة على إخلاء 20 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه تجنيب العالم أزمة غذاء. وسيكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه عبر الأمم المتحدة بموافقة موسكو وكييف موضوع مناقشات ثنائية بين أردوغان وبوتين.

 فالقمة في بعدها الثلاثي فهي تأتي ضمن الحاجة الإيرانية الروسية المشتركة في محاولة احتواء الموقف التركي وإرضائه حتى لا يندمج أكثر في علاقاته الغربية وخصوصا الناتو، ويأتي هذا الإصرار على احتواء أنقرة باعتبار أنها شريك جغرافي وممر إلزامي بين القوقاز وشرق المتوسط والخليج العربي.

وهذا يفرض ضرورة تفهم حساباتها وموقعها كونها من ضمن الناتو من جهة وشريكا في إعلان إستانا بخصوص سوريا من جهة أخرى، وتتحكم بجزء أساسي من الصراع الأذري الأرمني، الأمر الذي يدفعهما إلى عدم ابتزازها أو دفعها إلى الانحياز الكامل للجهة الأوروبية الأميركية، لأن ذلك سيؤدي إلى خسارتهما لكثير من المنافع الإستراتيجية والاقتصادية.

وذلك يحتم على موسكو وطهران التعامل بليونة مع أي موقف يرتبط بأنقرة في سوريا، بالرغم من انحيازها ضد النظام وضد الفصائل الكردية، وعدم التصعيد بوجهها حتى وهي تلوح بعملية عسكرية تجبر الأكراد على التراجع 30 كلم عن الحدود مع تركيا، إذ من المتوقع أن تتفهم طهران وموسكو المطالب التركية، وتخضعان لبعض شروطها بالرغم من الموقف التركي الملتبس في أوكرانيا، وهذا ما تنبهت إليه أنقرة ومارست انتهازية سياسية لتعزيز مكاسبها من الجهتين الروسية والأميركية في سوريا وفي أوكرانيا، حيث يطبق عليها المثل الشعبي “يأكل على الفكين”.

الإيرانيون
من جانبهم، لطالما أرادوا شراء طائرات مقاتلة وبطاريات صواريخ مضادة للطائرات من روسيا. وعلى غرار روسيا، فإنهم يدعمون نظام بشار الأسد في سوريا، بينما يدعم الأتراك المعارضة المسلحة. في ذروة الحرب، قامت طهران بتزويد الجيش السوري بالجنود، بينما جلبت موسكو الطائرات والمدفعية الثقيلة. ولا شك في أن الإيرانيين يريدون الآن الاستفادة من “التّشتت” الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا بالنسبة لروسيا، لتعزيز النفوذ الذي يمارسونه في المنطقة عبر الميليشيات الشيعية.

وأيضا، إنه لا شك في أن إيران وروسيا ستتحدثان عن النفط وكيفية الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية ضدهما. وعن البرنامج النووي الإيراني الذي يصل إلى هدفه على ما يبدو وسط لامبالاة من روسيا.

ولدى طهران أيضا أشياء تقدمها في المقابل إذ يمكن لروسيا، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، الحصول على عدة مئات من الطائرات المسيرة الإيرانية، وهو ما تفتقر إليه في حربها ضد أوكرانيا. باختصار، التحالف بين البلدين يعمل بشكل جيد. منذ بداية العام، التقى فلاديمير بوتين بإبراهيم رئيسي ثلاث مرات.

الروس
وبالنسبة للروس، فإن هذه الزيارة ستكون الثانية لفلاديمير بوتين إلى الخارج منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي. وتعد قمة طهران مليئة بالرسائل السياسية، إذ تُظهر للغربيين أولاً أنه على الرغم من العقوبات، ما يزال بوتين قادرا على تشكيل تحالفات والمشاركة في الاجتماعات الدولية. ثم يذكّر حلفاء أوكرانيا الأمريكيين والأوروبيين بأن الكثير من العالم يدعم حرب الكرملين ضد أوكرانيا، على الأقل ضمنيا. كما أن القمة تثبت مرة أخرى أنه منذ إنشاء مجموعة أستانا في عام 2017، فإن روسيا وإيران وتركيا هي التي تجر الخيوط في سوريا، وخرج الغربيون من المشهد.

من الواضح أن قمة بوتين المستعجلة في طهران تشير إلى أن موسكو مستعدة للتعامل بمرونة مع حسابات طهران وأنقرة المختلفة في قضايا استراتيجية والمتقاطعة في مواضع تكتيكية تحكمهما الجغرافيا والثروة. ولكن حسابات موسكو الأساسية هي في انتزاع موقف أكثر وضوحا من طهران مستغلة التوتر الإيراني من زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإسرائيل أولا وما صدر من تصريحات أميركية إسرائيلية مشتركة تجاه إيران، وخصوصا موضوع إمكانية امتلاكها للقنبلة النووية والتي دفعت واشنطن إلى القول إن الخيار العسكري لم يزل قائما بحال فشلت الدبلوماسية، وهذا ما تعاملت معه طهران كتهديد حقيقي.

تأتي القمة الثلاثية بعد أيام على جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط لبناء جبهة متراصة ضد إيران، وفي وجه روسيا عبر الطاقة والعقوبات، على رأس جهود التحشيد التي بذلها البيت الأبيض. فالقمة بتوقيتها الحالي بمثابة تحد للولايات المتحدة وخطوة إضافية في تعزيز قطب مناهض للغرب، بدأ منذ عدة سنوات ولكن تبلور بسبب الحرب في أوكرانيا.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية