الصين تُرسخ نفوذها في كردستان العراق وسط تردد الأكراد

الصين تُرسخ نفوذها في كردستان العراق وسط تردد الأكراد

سرعت الصين من وتيرة تحركاتها في إقليم كردستان العراق في مسعى لترسيخ نفوذها هناك، لكن موقف الأكراد من تمتين العلاقة معها يبقى غامضا خاصة أن الإقليم لم يفتتح بعد قنصليةً له في بكين بعد 7 سنوات من فتح الأخيرة لقنصلية في أربيل.

ومنح وباء كورونا فرصة للصين لتوطيد علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط ككل، إذ زوّدت دولها باللقاحات والإمدادات الطبية، فيما عبّر مسؤولون في المنطقة وشعوبها عن قلقهم المتزايد إزاء الانسحاب الأميركي الذي ترك فراغا تسعى قوى أخرى على غرار الصين وروسيا لملئه.

خطوات أحادية

الصين تبحث عن موطن قدم في إقليم كردستان العراق

رغم سعي الصين لتوسيع نفوذها في العراق ليشمل إقليم كردستان إلا أن الأخير ترك بكين على ما يبدو تقوم بخطوات أحادية لتوطيد العلاقات معه، حيث فتحت بكين قنصلية لها في الإقليم منذ 7 سنوات، لكن الإقليم ليس له تمثيل دبلوماسي إلى حد الآن في بكين.

وقال الباحثان سردار عزيز وهو كبير المستشارين في البرلمان الكردي وباحث وكاتب، ومحمد شريف وهو محاضر في قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في جامعة كردستان هولير، في ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إنه “في حين تتوسّع الصين في المجالات كافة ضمن الإقليم، تبقى العلاقة أحادية الجانب بشكل ملحوظ”.

وفُتحت القنصلية الصينية في كردستان في 2014 حيث كان الإقليم بصدد خوض حربه مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وشكلت الخطوة نوعا من التضامن من جانب بكين معه لكن لم تقابلها خطوة في هذا الاتجاه من الإقليم.

وتعليقا على هذه الخطوة وصف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية فتح بكين لقنصلية في الإقليم بأنها استغلال صيني لضعف الإقليم في وقت يبذل فيه جهوده كافة للبقاء والاستمرار.

وقال عزيز وشريف في ورقتهما إنه “بصرف النظر عن الدافع، تكتسي العلاقات الثنائية مع الصين أهمية بالنسبة إلى النخبة الدبلوماسية في الإقليم التي تدرك أهمية عضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن”.

بكين تسعى إلى استقطاب كوادر الأحزاب البارزة في كردستان العراق أمثال الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير

وتعتبر الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن، الدولة الأخيرة التي تفتح قنصلية لها في أربيل على ما يبدو نزولاً عند رغبة كبار الدبلوماسيين في الإقليم.

ورغم سعيها لترسيخ نفوذها في الإقليم وهو هدف تريد تحقيقه من خلال قنوات غير رسمية، إلا أن بكين لديها تحفظات بشأن الروابط الدبلوماسية الرسمية مع كردستان العراق.

وتخشى بكين على ما يبدو من أن الاعتراف بالإقليم قد يدفع بالمقاطعات الصينية إلى المطالبة بدور في سياستها الخارجية.

وتحتكر الحكومة المركزية في بكين كل جوانب الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يمنع حكومات المقاطعات من إبداء رأيها في صنع القرارات الخارجية، وبالتالي لن ترغب الصين في اتخاذ قرار بشأن السياسة الخارجية قد يهدّد هذا الترتيب المحلي.

وانطلاقا من مواقف الحزب الشيوعي الحاكم في الصين الرافضة للنزعة الانفصالية خاصة إزاء تايوان وهونغ كونغ، ترفض بكين إقامة علاقات مع كيان شبه حكومي.

وبحسب ما ذكرت الورقة البحثية لمعهد واشنطن فإن الصين بصدد منع إقليم كردستان العراق من إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان.

لكن بكين تعطي رواية مغايرة تماماً، حيث قال القنصل العام الصيني لدى أربيل ني روتشي إن الإقليم لم يفتح مكتبًا في بكين لأنه لم يقدّم طلبًا بهذا الخصوص.

وبدوره قال كبير مستشاري رئيس إقليم كردستان العراق فلاح مصطفى إن للإقليم خططًا لزيادة عدد ممثليه عالميًا، بما في ذلك في شرق آسيا، ولكن هذه المبادرة واجهت عدة تحديات وانتكاسات.

وأوضح مصطفى أن تخفيض بغداد لحصة كردستان من الميزانية الوطنية وغزو داعش وتدفق اللاجئين والمشردين داخليًا إضافةً إلى تراجع أسعار النفط عالميًا شكلت عوامل حالت دون تقديم الإقليم طلبًا لفتح مكتب رسمي في بكين.

قنوات غير رسمية

القادة الأكراد لا يمكن أن يتخلوا عن الاستثمارات الصينية رغم غياب تمثيل دبلوماسي لهم في بكين التي لها قنصلية في أربيل

رغم تحفظاتها بشأن العلاقة مع الإقليم إلا أن بكين تهدف من خلال تحركاتها إلى تمتين علاقتها بكردستان العراق، حيث تقوم القنصلية الصينية بذلك من خلال قنوات غير رسمية.

وهدأ اعتراف العراق الدستوري بالإقليم وردود الفعل التي أعقبت استفتاء 2017 من مخاوف بكين المرتبطة بالنزعات الانفصالية الداخلية.

وقال الباحثان عزيز وشريف إن “الصين تركز على إقامة روابط مع الأحزاب السياسية أكثر منها مع الحكومة، حيث تسعى الحكومة في بكين بشكل خاص لاستقطاب كوادر الأحزاب البارزة، أمثال الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير”.

وتابع الباحثان أنه “تتم سنوياً دعوة وفدين إلى الصين، أحدهما يضمّ كبار أفراد الحزب والآخر يتكون من مسؤولين حزبيين من المستوى المتوسط. وفي الواقع تحيط شكوك متزايدة بوجود الصين وتوسعها في إقليم كردستان والعراق”.

ولفتا إلى أنه “في حين أن المشاريع الصينية الضخمة تستقطب العراق وكردستان على السواء، وأن الكثير من القوى السياسية العراقية تفضّل مسار التنمية على الديمقراطية، تقضّ التوترات العالمية المتنامية بين الصين والولايات المتحدة مضجع القادة المحليين”.

ورغم تكتم الأكراد وبكين على عدم فتح حكومة إقليم كردستان لتمثيل دبلوماسي لها في الصين إلا أن ذلك قد يرجع إلى حاجة الطرفين المتبادلة إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه.

فالأكراد لا يمكن أن يتخلوا عن الاستثمارات الصينية وفوائدها بسبب هذه القضية، فيما تعد الصين مستفيدة أيضا من توسيع مجال نفوذها في العراق والمنطقة برمتها من خلال قنوات غير رسمية.

وكانت وزارة الزراعة في حكومة إقليم كردستان قد وقعت مع المجموعة الدولية لشركة “باور تشاينا” الصينية مذكرة تفاهم لبناء أربعة سدود في الإقليم.

وقالت وزيرة الزراعة والموارد المائية في الإقليم بيكرد طالباني إن الشركة الصينية قدّمت صفقة أفضل وأقل تكلفة على الإقليم.

وفي عام 2020 وقعت الصين عقدًا لتطوير مشروع سكني وترفيهي بقيمة 5 مليارات دولار في أربيل أُطلق عليه اسم “هابي سيتي” (المدينة السعيدة).

صحيفة العرب