للمرة السابعة على التوالي، نجح السياسي اللبناني الشيعي رئيس حركة أمل نبيه بري في الاحتفاظ بمنصب رئيس البرلمان، محافظا على لقب صاحب أطول ولاية على رأس مجلس تشريعي في العالم العربي.
وينصّ نظام المحاصصة اللبناني على أن رئاسة البرلمان من نصيب الشيعة، فقد كرّس اتفاق الطائف (1989) الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزع المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة.
وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع، الجمهورية للمسيحيين والحكومة للسنة، والبرلمان من حصة الشيعة. ورغم ذلك لم يرأس شيعي آخر غير بري البرلمان منذ عام 1992.
وحصل بري (84 عاما) على 65 صوتا من إجمالي الحضور البالغ 128 نائبا، فيما صوت 23 نائبا بورقة بيضاء، إضافة إلى 40 ورقة ملغاة. وفي 2018 حصل بري على 98 صوتا، فيما صوت له 90 نائبا عام 2009.
ولد بري عام 1938 في سيراليون بأفريقيا، علما أنه من بلدة تبنين الجنوبية، ودرس الحقوق في الجامعة اللبنانية (رسمية)، ونال إجازته عام 1963، ثم أكمل دراساته العليا في جامعة السوربون في باريس. خلال ذلك، تعرف إلى الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين شيعي أسس حركة “المحرومين”، التي طالبت بـ”رفع الحرمان” عن الطائفة الشيعية.
وانخرط بري في العمل داخل حركة أمل، وتدرج فيها إلى أن ترأسها بعد عامين من اختفاء الصدر بليبيا في أغسطس 1978. وتتهم الحركة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي باختطافه.
معارك جانبية
وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، شارك بري إلى جانب القوى اليسارية ضد إسرائيل. كما خاضت حركة أمل خلال الحرب مواجهات مع أطراف مسيحية، وفصائل فلسطينية، وحتى مع حزب الله، حليف إيران، قبل أن يصبح الطرفان شريكين في الحياة السياسية اللبنانية.
وطوال الحرب الأهلية قاد حركة أمل خلال معارك مع أطراف رئيسية أخرى كثيرة في الصراع. وذاع صيته على الصعيد الدولي في عام 1985 عندما ساعد في التفاوض على إطلاق سراح 39 مواطنا أميركيا احتجزوا رهائن في بيروت على يد مسلحين شيعة اختطفوا طائرة ركاب تابعة لشركة تي.دبليو.إيه.
خرج بري من الحرب كواحد من أقوى قادة لبنان، وكان نفوذه مدعوما بعلاقات وثيقة مع دمشق، التي هيمنت على بيروت في الفترة من 1990 إلى 2005، وكذلك مع جماعة حزب الله الشيعية المدججة بالسلاح والمدعومة من إيران. ويتحرك بري بتنسيق وثيق وتوافق شديد مع حزب الله منذ سنوات ويدعم حيازة الحزب للسلاح.
وفي السنوات الأخيرة شهدت علاقته بالنظام السوري بعضا من الفتور حيث كيلت لبري اتهامات بتخليه عن الرئيس السوري بشار الأسد في سنوات الحرب السورية واتباعه سياسة مرنة لا تنخرط في الحرب السورية وفي الدفاع عنها كما يفعل حزب الله.
الزعيم الشيعي كسر تقاليد الأسر ذات النفوذ السياسي فلم يخلفه أي واحد من أبنائه العشرة في السياسة
وقبل أن يصبح الرئيس المزمن للبرلمان اللبناني، تسلم بري 6 وزارات في عهد حكومات مختلفة، وهي وزارة الجنوب والإعمار ووزارة الموارد المائية والكهربائية ووزارة العدل في حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي من العام 1984 حتى 1988.
كما عيّن وزيرا للموارد المائية والكهربائية، والإسكان والتعاونيات، في حكومة الرئيس سليم الحص، منذ العام 1989 إلى 1990. وعيّن أيضا وزير دولة في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، بين 1990 و1992. أما الوزارة الأخيرة التي تسلمها فكانت لشؤون الجنوب والإعمار في حكومة الرئيس الراحل رشيد الصلح، من السادس عشر من مايو إلى الحادي والثلاثين من أكتوبر 1992.
وبعيدا عن العمل الوزاري ترأس بري عدة مناصب برلمانية حيث كان منذ العام 1993 رئيس اتحاد البرلمانيين المنحدرين من أصل لبناني في 19 بلدا. ويرأس منذ عام 1999 اللجنة البرلمانية العربية لكشف الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين العرب.
وفي 2003 انتخب رئيسا للاتحاد البرلماني العربي، وتسلم الرئاسة بالعاصمة السورية دمشق في مارس 2004. وانتخب رئيسا لمجلس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) في العاصمة السنغالية دكار 2004.
وبعد مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في 2005، أسس بري هيئة الحوار الوطني سنة 2006، بهدف تخفيف حدة التشنج بين مختلف القوى السياسية. وانتخب بري رئيسا لمجلس النواب للمرة الأولى عام 1992، وأعيد انتخابه في 1996، 2000، 2005، 2009، 2018 والآن.
ويحافظ بري على علاقة جيدة مع جميع الفرقاء اللبنانيين، ودائما ما يكون هناك إجماع شيعي على انتخابه رئيسا لمجلس النواب. ورغم أن لديه 10 أبناء في المجمل، إلا أنه كسر تقاليد الأسر ذات النفوذ السياسي في لبنان ولا يخلفه أي منهم في المعترك السياسي.
نفوذ مالي
يحظى بري بنفوذ كبير على السياسات المالية لدولة تمر بأزمة اقتصادية منذ عام 2019 نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة. وشغل الساعد الأيمن له علي حسن خليل منصب وزير المالية من 2014 حتى 2020، وكان لبري رأي حاسم في اختيار الشخصين اللذين توليا المنصب بعد خليل منذ ذلك الحين.
وأيد بري قرار لبنان التخلف عن سداد ديونه السيادية في 2020، ودعم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الذي يشغل المنصب منذ فترة طويلة، والذي تعرض لانتقادات ويواجه ملاحقات قضائية بسبب الأزمة.
وكانت حركة أمل واحدة من عدة فصائل نسفت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة في عام 2020. وصوت وزراؤها أيضا ضد خارطة طريق التعافي التي وضعها مجلس الوزراء في مايو 2022، لكن تم إقرارها.
بري كان هدفا لغضب المحتجين خلال مظاهرات عام 2019 مما عكس الغضب واسع النطاق من الفساد والطائفية وسوء الإدارة
وينسب إليه أنصاره في الطائفة الشيعية الفضل في المساعدة على تحسين مكانتهم في نظام كان يميل لصالح جماعات أخرى بعد الاستقلال في عام 1943.
ولكن إلى جانب قادة لبنانيين آخرين، كان بري هدفا لغضب المحتجين خلال مظاهرات غير مسبوقة على مستوى البلاد في عام 2019، مما عكس الغضب الواسع النطاق من الفساد والطائفية وسوء الإدارة.
ونتيجة لذلك، واجه انتخابه هذا العام جدلا كبيرا، عقب إعلان قوى مسيحية، أبرزها حزب “القوات اللبنانية” (19 نائبا) عدم انتخابه، بالإضافة إلى قوى التغيير (13 نائبا)، ما جعله يصل إلى كرسي البرلمان بأصوات أقل من السنوات السابقة.
وبعد انتخاب رئيس البرلمان، تكون الكرة في ملعب الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي عليه تحديد موعد لإجراء مشاورات مع النواب لتحديد اسم رئيس للحكومة المقبلة من السنة، في ظل ضبابية حول الاسم الذي سيتولاها.
صحيفة العرب