من الطبيعي أن تكون إحدى نتائج العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا تحفيز سعي هذه الأخيرة وراء إيجاد طُرُق للالتفاف على العقوبات. فمنذ الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية لمعاقبة روسيا إثر ضمّها لشبه جزيرة القرم وتدخّلها الأول في منطقة دونباس في شرقي أوكرانيا في عام 2014، وروسيا تعمل بشغف على تجاوز العقبات الناجمة عن القرارات الغربية بما يتعلّق بتجارتها الخارجية. ومن الطبيعي كذلك أن تلتقي إيران التي تعاني هي أيضاً من عقوبات غربية، لاسيما العقوبات الأمريكية المتشدّدة التي فرضها عليها دونالد ترامب في عام 2018 وهو يسحب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الذي كان سلفه باراك أوباما قد أشرف على إبرامه في عام 2015، من الطبيعي أن تلتقي إيران مع روسيا في المسعى ذاته.
من هذا المنظور، فإن الحرب التي شنّها فلاديمير بوتين على أوكرانيا منذ أربعة أشهر أسعدت الحكام الإيرانيين بما يفسّر موقفهم المرحّب بها. ذلك أن تلك الحرب، فضلاً عن أنها تُضعف قدرات روسيا في الساحات الأخرى، ومنها الساحة السورية حيث يقوم تنافس معروف على النفوذ بين موسكو وطهران، تلك الحرب إذاً من شأنها أن تقلب العلاقات الاقتصادية بين روسيا وإيران لمصلحة هذه الأخيرة. هذا ما أشار إليه الباحث الإيراني الأصل علي فتح الله نجّاد في تفسيره لتغيير روسيا موقفها من مفاوضات فيينا الخاصة بإعادة إشراك أمريكا في الاتفاق النووي مع إيران.
فبعد أن كانت موسكو قد وضعت عقبة جديدة أمام المفاوضات بإصرارها على التزام الدول الغربية المشارِكة في الاتفاق بأن تستثني التبادلات بين إيران وروسيا من العقوبات الجديدة المفروضة على هذه الأخيرة، عادت موسكو فأعلنت حلّ الإشكال بليونة ملفتة. وقد لاحظ فتح الله نجّاد «أن تحرير إيران من العديد من العقوبات المفروضة عليها قد يساعد روسيا على الالتفاف على نظام العقوبات الثقيل الذي باتت الآن تواجهه»، وهو ما حدا موسكو على تسهيل التقدّم في مفاوضات فيينا بعد عرقلتها، توخّياً لإنجاح المفاوضات بحيث يُزال معظم العقوبات المفروضة على إيران. وقد استطرد الباحث قائلاً: «إنه حقاً انقلاب عظيم عمّا ساد حتى الآن عندما كانت إيران تحت وطأة عقوبات مؤلمة تنظر إلى روسيا كي تدعمها.»
وقّعت إيران على مذكّرة تفاهم مع روسيا لتسهيل المعاملات المالية والتجارية بين البلدين على خلفية العقوبات الغربية المفروضة عليهما، وقد نصّت المذكّرة على «تسريع مشروع المعبر بين الشمال والجنوب»، الذي هو قيد التجهيز
هذا وكانت الدولتان قبل سنة، إثر حادثة إغلاق قناة السويس لستة أيام من جراء جنوح سفينة حاويات عملاقة في شهر مارس/ آذار 2021، قد التقتا على التشديد على أهمية تسريع إنجاز مشروع «معبر النقل الدولي بين الشمال والجنوب» بوصفه بديلاً عن القناة المصرية. والمعبر هذا مشروعٌ أقرته روسيا والهند وإيران قبل عشرين عاماً بالتحديد (تم توقيع الاتفاق في مايو/ أيار 2002) واشتركت فيه جملة من دول آسيا الوسطى والقوقاز كانت في الماضي من جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
يهدف المشروع إلى إرساء طريق نقل من دائرة المحيط الهندي الواسعة بما فيها الخليج، وليس شطره الإيراني وحسب (تم إشراك سلطنة عُمان في المشروع)، طريق ينطلق من ميناء مومباي الهندي بحراً إلى ميناء بندر عبّاس في جنوب إيران ويستمرّ برّاً بواسطة السكك الحديدية ليعبر إيران وأذربيجان وروسيا من حدودها القوقازية إلى حدودها الأوروبية الشمالية. وللمشروع فرعٌ ثان ينتقل من إيران إلى روسيا عبر بحر قزوين، وثالث يمرّ عبر كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى. وبالطبع فإن الطريق البرّي إلى الشمال الأوروبي عبر كازاخستان ممرّ يهمّ الصين أيضاً بحيث يكون لدى دولتي آسيا العملاقتين، الصين والهند، بديل عن المعبر العادي عبر قناة السويس، فضلاً عن سائر دول جنوبي آسيا وشرقيها.
في الأسبوع الماضي، وقّعت إيران على مذكّرة تفاهم مع روسيا لتسهيل المعاملات المالية والتجارية بين البلدين على خلفية العقوبات الغربية المفروضة عليهما، وقد نصّت المذكّرة على «تسريع مشروع المعبر بين الشمال والجنوب»، الذي هو قيد التجهيز من خلال بناء البنى التحتية اللازمة له من موانئ وسكك حديدية وطرقات. ومن المحتّم أن يخّفض المشروع من عبور قناة السويس، الذي هو أحد مصادر دخل الدولة المصرية الرئيسية، إذ قدّرت دراسة أعدّتها جمعية الشحن الهندية أن المعبر سوف يوفّر على النقل بين الهند وأوروبا ثلث كلفة طريق السويس وأكثر من نصف مدّته (23 يوماً بدل 45 إلى 60 يوماً في الوقت الراهن). وكل ما سبق تأكيد جديد للحكمة القديمة القائلة إن مصائب قوم عند قوم فوائد.
القدس العربي