مع استمرار الحرب في أوكرانيا يستمر التأييد والتعاطف لدى سكان الشرق الأوسط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يُحجم قادة دول المنطقة عن إدانته ما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك.
وفيما كانت العديد من الدول في وضع مُحرج مع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، حيث أنها كانت مُجبرة على الاختيار بين المعسكرين الغربي أو الروسي، فإن دول المنطقة تجنبت إدانة بوتين بشكل واضح ما أظهر نوعاً من التفهم لخططه وحساباته.
تعيد النجاحات التي تحققها روسيا في شرق أوكرانيا والموقف الصعب الذي وجد فيه الغرب نفسه بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى الواجهة المواقف العربية في المنطقة تجاه هذا النزاع الذي يسبب حالياً أزمة غذاء عالمية.
وفي أواخر أبريل قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اجتماع لوزراء الدفاع “من الواضح أن أوكرانيا تعتقد أن بإمكانها الفوز، وهذا ما يعتقده أيضًا جميع الحاضرين هنا”.
وتزامن هذا التصريح مع إعلان أوستن أن روسيا تفشل في غزوها وأن الولايات المتحدة تريد أن ترى الجيش الروسي “ضعيفًا بحيث لا يمكنه القيام بالأمور التي أقدم عليها في اجتياحه لأوكرانيا”.
متاعب الغرب
ذهب الرئيس الأميركي جو بايدن أبعد من ذلك، مؤكدا أن بوتين “لا يمكنه البقاء في السلطة”. لكن اليوم يبدو أن الأمور بدأت تتغير، حيث يواصل الروس تحقيق مكاسب عدة في شرق أوكرانيا وهو أمر وضع الحكومات الغربية في موقف صعب في ظل أزمة الغذاء العالمية وارتفاع أسعار النفط والغاز، وهو أمر يصب في نهاية المطاف في مصلحة موسكو التي تخضع لعقوبات غربية مشددة شبيهة بتلك التي خضعت لها دول عدة في الشرق الأوسط على غرار سوريا وإيران.
وفي محاولة منه للتبرؤ من الوضع الراهن الذي آلت إليه الأمور قال الرئيس بايدن إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “لم يرد أن يسمع” في مطلع العام الجاري أن روسيا على وشك أن تغزو بلاده، في إشارة إلى أنه لو قام زيلينسكي بتقييم آخر لكان الوضع مختلفا اليوم.
وبالرغم من التصريحات المتفائلة السابقة لا تزال الدول الغربية متشككة حيال إمكانية خروج أوكرانيا منتصرة من الحرب مع روسيا خاصة في ظل تعمق الانقسامات حول الخطوات التي يجب أن يخطوها المعسكر الغربي لاحقاً.
ويرى خبراء أن روسيا ستعاني حتماً خاصة في ظل العقوبات المشددة المفروضة عليها من قبل الغرب، لكن بوتين يبدو على استعداد لدفع ثمن هذه العقوبات مهما كان خاصة إذا ما كان البديل هو هزيمة لبلده في أوكرانيا.
وقال الكاتب اللبناني مايكل يونغ إن “الوقت كفيلٌ بأن يحسم ما إذا سينجح الروس في الاحتفاظ بسيطرتهم على شرق أوكرانيا، ولكن في الوقت الراهن، وطّدت روسيا قدرتها على الوصول إلى القرم، وحرمت أوكرانيا من منطقتها الصناعية، وجعلت الغرب يدرك أن جزءًا كبيرًا من أوكرانيا سيبقى على الأرجح تحت سيطرة موسكو، وأظهرت كذلك للأوكرانيين أن ثمة حدودًا حقيقية للخطوات التي يمكن أن يقدم عليها الغرب لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم”.
تباينت مواقف الحكومات في الشرق الأوسط منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ففيما صوتت دول مثل إيران وسوريا ضد قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين روسيا، فإن دولا عدة على غرار السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة بقيت على الحياد.
وأدانت الحكومة اللبنانية الهجوم الروسي وهو ما دفع ميليشيا حزب الله إلى انتقاد ذلك، حيث تعتبر الجماعة شأنها شأن غيرها امتدادا لنفوذ إيران على الأرض في ما يسمى “محور المقاومة” المناهض للولايات المتحدة. وقد حشد بوتين دعمها بفضل علاقاته الوثيقة مع طهران وتدخله العسكري في الحرب الأهلية السورية لدعم الرئيس بشار الأسد.
تفهّم في الشرق الأوسط
مهما يكن موقف حكومات دول الشرق الأوسط فإن شعوب المنطقة في أغلبها تتفهم الروس أكثر من أوكرانيا للعديد من العوامل أبرزها أنها ترى في روسيا حليفا وثيقا عكس الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.
ويطلق بعض أنصار بوتين في الشرق الأوسط عليه كنية “أبوعلي”، وهو اسم شائع بين المسلمين الشيعة. وقال يونغ “لعلّ الدول العربية يقودها حكّام سلطويّون، لكن هؤلاء أثبتوا أنهم يتقنون فنّ البقاء. فحين يتعلق الأمر بفرض سطوتهم، لم تؤرقهم العوامل التي تردع نظراءهم الغربيين. لهذا السبب امتنعوا إلى حدٍّ كبير عن إدانة الرئيس الروسي الذي يبدو أنهم باتوا يعتبرونه واحدًا منهم”.
◙ مهما يكن موقف حكومات الشرق الأوسط فإن شعوب المنطقة تتفهم بوتين للعديد من العوامل أبرزها أنها ترى في روسيا حليفا وثيقا
وتابع في ورقة بحثية نشرها مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط أن “واقع الحال أن السيادة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال ملتبسة وغير واضحة المعالم. هذا الوضع ليس مثاليًا إطلاقًا، لكن دول المنطقة اضطرّت للتكيّف معه، وإن كان ذلك لمجرّد كسب الوقت بانتظار حلول وضع أفضل”.
وأكد أنه “لو أن أوكرانيا أخّرت الغزو الروسي بالوسائل الدبلوماسية والمساومة بشأن اتفاقيات مينسك، لكان بإمكانها ربما تفادي الهجوم الروسي واستخدام هذه المهلة لتعزيز قوتها. بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990، فرضت دمشق مجموعة من الاتفاقيات التي شكّلت عبئًا على لبنان. لكن الوضع انقلب بشكل حاسم في العام 2005، حين أرغمت المظاهرات الحاشدة المعادية لسوريا بعد اغتيال رفيق الحريري السوريين على سحب قواتهم من لبنان”.
صحيفة العرب