ذكرت وسائل إعلام محلية أن مجموعات من المخابرات التركية، و«الشرطة الخاصة»، قامت بحملة اعتقالات فجر أمس الخميس، شملت منازل وفنادق في مدينة إسطنبول، أوقفت خلالها مجموعة من الإيرانيين ومواطنين أتراكا، وذلك بدعوى تخطيط هؤلاء لعمليات اغتيال تستهدف إسرائيليين في تركيا، وحسب المصادر، فإن القوات الأمنية ضبطت مسدسين كاتمين للصوت ووثائق ومواد رقمية.
وكانت وسائل الإعلام قد ذكرت في اليوم السابق على هذه الاعتقالات أن هناك «حرب جواسيس» بين الإيرانيين والإسرائيليين، في مدينة إسطنبول تحديدا، وأن أنقرة، بعد تلقّيها تحذيرات من تل أبيب، قامت بنقل عدد من السياح الإسرائيليين إلى المطار مباشرة، ثم نفّذت الاعتقالات الآنفة الذكر.
في اليوم نفسه الذي نفذت فيه عمليات المداهمة في إسطنبول أعلن «الحرس الثوري» الإيراني إقالة رئيس الاستخبارات فيه.
القرار لافت، فالجنرال حسين طالب، كان قد شغل المنصب الخطير قائدا للجهاز الأمني للحرس لمدة اثني عشر عاما، واستبداله، في هذا التوقيت بالذات، يصعب ألا يُقرأ ضمن سياق فشل العمليّة الآنفة، والتي كانت، على الأغلب، ستشكل نوعا من الردّ على الضربات الموجعة التي تلقتها استخبارات «الحرس الثوري»، في الأسابيع الأخيرة، وخصوصا بعد تركّز عمليات الاغتيال على ضباط رفيعي المستوى في المجال الاستخباري الخارجي، كصياد خدائي، الجنرال الذي أدى مهام أمنية وعسكرية في سوريا والعراق، وعلي إسماعيل زاده، الذي كان مسؤولا عن العمليات الخارجية في الحرس.
توجد بعض العناصر الباعثة على التفكر في المواجهة المذكورة، ومنها طبيعة «السياح» الإسرائيليين، الذين كانوا موضع انشغال أجهزة أمن البلدان الثلاثة، فمن غير المنطقي أن تردّ طهران على اغتيال قادة كبار في أجهزة استخباراتها باستهداف إسرائيليين لا على التعيين، فـ 21% من حملة هذه الجنسية هم من العرب الفلسطينيين، الذين تعتبر تركيا وجهة مفضلة لديهم، ولو كانت العملية «عشوائية»، ولا تستهدف مسؤولين إسرائيليين، فمن الممكن أن تنتهي بقتل فلسطينيين، أو نساء وأطفال، ويكون مردودها الإعلامي كارثيا على إيران. يفترض، بعملية أمنية كبيرة من هذا النوع، أن الهدف يجب أن يوازن مخاطر تدهور علاقات طهران المميزة مع أنقرة، ويتوازى مع الأثر السياسي – الإعلامي المتوقّع من حصول عمليات اغتيال لمسؤولين إسرائيليين على أرض دولة صديقة مجاورة.
الواضح أن واحدا من مجاهيل المعادلة الأمنية الإيرانية أدى إلى خطأ في نتيجتها، فإذا كان الهدف ضرب أهداف إسرائيلية كبيرة، فإن خطأ المعادلة يتمثّل في تجاهل أن هذه العملية تجري على أرض تركيّة، وأن رد الفعل التركيّ سيؤدي إلى عكس المطلوب منه، وهو ما نراه حاليا من ازدياد خطوات التقارب مع إسرائيل، وأن ذلك سينعكس سلبا على العلاقات بين أنقرة وطهران.
من المحتمل أن هناك بعدا إقليميا وعالميا للأحداث الأخيرة في إسطنبول حيث تواقتت مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، وهما زيارتان سيكون لهما مفعولهما على المعادلات الإقليمية، وخصوصا ما يتعلق منها بإيران.
القدس العربي