بعد مضي نحو عام ونصف العام على المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، باتت إمكانية إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 قريبة، لكن تحقيقه لا يخلو من عقبات مع وكالة الطاقة الذرية.
ففي الرابع والعشرين أغسطس الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية استلام الرد الأميركي على مقترحاتها لحلّ القضايا العالقة في المفاوضات النووية.
ووصف مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل المقترح الإيراني، الذي كان بالأساس ردًّا على مسودة اقتراح قدّمها بوريل للأطراف المعنية، بأنه “مقبول”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدّم الاتحاد الأوروبي اقتراح تسوية “نهائية”، داعيًا طهران وواشنطن للردّ عليه، أملا بتتويج المباحثات بالنجاح.
المواجهة المحتدمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تحتاج إلى حلّ دون أي تلكؤ أو مضيعة للوقت
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الرد الأميركي على المقترحات الإيرانية، والذي تقوم طهران بمراجعته الآن، يمكن أن يساعد في إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى.
وبينما يبدو أن مساحة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة تضيق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالنقاط الشائكة، تظهر المواجهة المشتعلة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة، كعقبة أمام طريق إحياء الاتفاق.
وفي الثاني والعشرين أغسطس الجاري أكد المدير العام للوكالة رافايل غروسي إصرارهم على الحصول على تفسير واضح من إيران بشأن آثار جزيئات اليورانيوم المخصّب، عثر عليها مفتشو الوكالة في 3 مواقع يشتبه بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيها.
وأضاف غروسي في حديث مع شبكة “سي.إن.إن” الأميركية “نريد الإجابات الضرورية، والأشخاص والأماكن، حتى يتسنى لنا إيضاح الصورة”، مؤكداً أن الوكالة لن تنهي تحقيقاتها حول المواقع الثلاثة قبل الحصول على إجابات واضحة.
وتابع في هذا الصدد أن “إسقاط التحقيقات ليس شيئًا يمكن أن تفعله الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولن تفعله دون اتخاذ عملية مناسبة، ومفتاح هذا يكمن في أمر بسيط جدًا: هل ستتعاون إيران معنا؟”.
بعد يوم واحد، كتب سيد محمد مرندي المستشار السياسي لفريق التفاوض النووي الإيراني على تويتر أن البرنامج النووي لطهران “لن يتم تفكيكه”، وأنه يجب “إسقاط تحقيق الوكالة”.
وأضاف “لن يتم تنفيذ أي اتفاق قبل أن يغلق مجلس إدارة الوكالة الدولية بشكل دائم، ملف الاتهامات الباطلة”، في إشارة إلى مشروع قرار تبنّته الوكالة الدولية ضد إيران في يونيو الماضي.
وفي الرابع والعشرين أغسطس الجاري دحض محمد إسلامي رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية تقارير تحدثت عن تخلّي إيران عن مطلبها بتعليق التحقيق، مع استعداد الأطراف المعنية بالاتفاق النووي لتحقيق انفراجة كبيرة في مسألة إحياء الاتفاق.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن إسلامي قوله “لا نتوقع من المدير العام للوكالة الدولية (غروسي) الإدلاء بتصريحات. هذا بالضبط ما يريده النظام الصهيوني (إسرائيل)”، زاعمًا أن الوكالة الدولية تعمل “تحت نفوذ” إسرائيل.
ومنذ أبريل العام الماضي استمرّت مفاوضات ماراثونية بين إيران والقوى الكبرى (روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا) في العاصمة النمساوية فيينا، بالتوازي مع المواجهة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إلا أن حدّة التوترات تصاعدت بعد تبنّي مجلس إدارة الوكالة الدولية قرارًا ضدّ إيران في يونيو الماضي، ما أثار دعوات في طهران لتخفيض التعاون مع الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
القرار جاء في أعقاب تقرير ربع سنوي للوكالة انتقد إيران لعدم امتثالها لاتفاق ضمانات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وحث طهران على التعاون الكامل مع الوكالة والسماح لمفتشيها بالوصول إلى المواقع الثلاثة “غير المعلن عنها”.
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة هذه الخطوة بأنها “غير مدروسة وغير حكيمة”، وحذّر من ردٍّ “حازم” تجاهها.
ومع اقتراب الأطراف المعنية بالاتفاق من خط النهاية، تهدّد المواجهة المشتعلة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بلعب دور المفسد، لاسيّما أن كلا الطرفين لا يرغبان في التزحزح من موقفهما.
وقال همايون زماني المحلّل في الشؤون الإستراتيجية إن إيران والولايات المتحدة وبوساطة الاتحاد الأوروبي اقتربتا من إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وذلك بعد 16 شهرًا تقريبا من بدء المفاوضات، لكن هذا لا يعني أنه تمّ سد كل الفجوات”.
رافايل غروسي يريد تفسيرا واضحا من إيران بشأن آثار جزيئات اليورانيوم المخصّب التي عثر عليها مفتشو الوكالة في 3 مواقع
وأضاف في حديث مع “الأناضول” من طهران أنه “إلى جانب بعض القضايا التي لا تزال بحاجة إلى تسوية بين طهران وواشنطن، التي آمل أن تحدث في الأيام المقبلة بعد مناقشة الجانبين مشروع اقتراح الاتحاد الأوروبي، فإن المواجهة بين إيران والوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة تحتاج إلى حلّ دون أي تلكؤ أو مضيعة للوقت”.
وعام 2018 رفعت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم بشكلٍ كبير من 3.67 في المئة وهي النسبة المنصوص عليها باتفاق العام 2015، إلى 60 في المئة تقريبًا، ردًّا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
هذا المستوى يقرّبها من نسبة تخصيب 90 في المئة التي تسمح باستخدام اليورانيوم لأغراض عسكرية، ما أثار مخاوف الغرب ووضع إيران في مسارٍ تصادمي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وانتقدت وكالة “نور نيوز” الإخبارية التابعة لأرفع جهاز أمني في إيران غروسي “لعدم رؤيته حسن نية إيران” و”التصرّف على أساس التقارير” التي تقدّمها إسرائيل.
وقالت الوكالة الإيرانية إنه “مع استمرار هذا النهج، تحوّل رافايل غروسي إلى جانب النظام الصهيوني إلى عقبات رئيسية أمام إنهاء المحادثات”.
من جانب آخر، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد عن قلقه من تقديم الولايات المتحدة والأطراف الأخرى “مزيدًا من التنازلات” لإيران من أجل التوصّل إلى اتفاق في فيينا.
وقال أبوالفضل عموئي عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن الإيراني “بما أن الوكالة الدولية يمكن أن تعطل تنفيذ الاتفاقية واستفادة إيران منها من خلال تقديم ادّعاءات غير مدعومة بأدلة، فإن إيران تصرّ على حل القضايا العالقة (بين الجانبين) قبل تنفيذ الاتفاقية”.
وتكرارًا لِما قاله مسؤولون إيرانيون كبار في الأشهر الأخيرة، وصف عموئي المزاعم الواردة في تقرير الوكالة الأخير بشأن إيران بأنها “سياسية بطبيعتها”، داعيًا إلى اتفاق “مع الإرادة السياسية للأطراف الغربية” و”بدون تخريب”، في إشارة غير مباشرة إلى إسرائيل.
صحيفة العرب