تمسك “الإطار التنسيقي” بترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، والتوقعات برفض المحكمة الاتحادية لدعوى حل البرلمان الأربعاء المقبل، تبقي أمام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خيارا واحدا، هو عودة نواب تياره عن الاستقالة من البرلمان، واستعادة “حقوق الكتلة الأكبر”. وهي ورقة تستهدف إحباط مساعي الإطار، الذي يخطط مسؤولوه لتشكيل حكومة توافقية، أو حتى “حكومة أغلبية” إذا فشلت الجهود لاستقطاب نواب الأكراد والسنة.
ويقول مراقبون إن نواب التيار الصدري يستطيعون المطالبة بالعودة إلى مقاعدهم في البرلمان تحت داعي أنهم أجبروا على الاستقالة، بسبب “الثلث المعطل” الذي أنشأته جماعات الإطار التنسيقي، مما حال دون أن يحققوا ما كانوا يسعون إليه لبناء حكومة “أغلبية وطنية” مستقرة.
وتعتمد هذه الخطوة، بالدرجة الأولى، على ما إذا كانت دعوة الحوار الثانية التي وجهها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سوف تنجح الاثنين المقبل في التوافق على آلية لتنفيذ الموضوع الوحيد الذي يتوفر حوله الإجماع، وهو حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.
وعرض رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بين شروط أخرى، أن يتجه الحوار المزمع إلى تحديد موعد للانتخابات النيابية المبكرة وانتخابات مجالس المحافظات في موعد أقصاه نهاية العام المقبل.
كما عرض انتخاب رئيس الجمهورية إضافة إلى اختيار حكومة كاملة الصلاحية متفق عليها ومحل ثقة واطمئنان للشعب وقواه السياسية.
كما طالب الحلبوسي بإعادة تفسير المادة 76 من الدستور، (المتعلقة بتحديد “الكتلة الأكبر”) وإلغاء الالتفاف المخجل في التلاعب بحكم هذه المادة والذي حدث بضغوطات سياسية بعد انتخابات 2010.
ويعتبر هذا الموقف أقرب إلى موقف الإطار التنسيقي، الذي يقول إن الآلية الصحيحة هي اجتماع البرلمان، وتكليف رئيس وزراء جديد، وتشكيل حكومة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية حتى موعد إجراء الانتخابات. بينما يطالب التيار الصدري بحل البرلمان أولا، وبقاء حكومة تصريف الأعمال الراهنة إلى حين إجراء الانتخابات.
ويرى المراقبون أن المقاصد الخفية هي التي تصنع الشرخ بين الطرفين. فبينما تريد جماعات الإطار أن تقيم “حكومة خدمة وطنية”، لكي تستغلها في تعزيز مواقعها الانتخابية، وتضمن بقاءها في السلطة، فإن “التيار الصدري” يريد أن يحقق انتصارا مسبقا يذهب به إلى الانتخابات لتعزيز مواقعه. ولأجل القول إنه أسقط محاولات جماعات الفساد في قيادة الحكومة من جديد.
ويقول قياديون في التيار الصدري، مثل محمد العبودي، “إن حكومة الميليشيات والأحزاب والمحاصصة في خبر كان”. وإن “القرار من الآن وصاعدا بيد الشعب الذي يريد تحرير مؤسسات الدولة من هيمنة الأحزاب، وخصوصا المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
ولا تتوفر حتى الآن، آلية متفق عليها لحل البرلمان. وحيثما فشلت كل مبادرات الوساطة والحوار، وتحولت الضغوط على مقتدى الصدر إلى تراجعات دفعته إلى اعتزال السياسة، فإن الخيار الوحيد المتبقي له، هو عودة نوابه إلى البرلمان، وهو أمر ينطوي على تبريرات أكثر مقبولية، سواء من بين الكتل الأخرى التي سبق وأن تحالفت مع التيار الصدري، أو حتى من جانب المحكمة الاتحادية نفسها، إذا ما شاء النواب الصدريون اللجوء إليها لإقرار عودتهم.
ويضع الرفض المتوقع من جانب هذه المحكمة لدعوى حل البرلمان، أمامها المزيد من الاتهامات الموجهة إليها بأنها تعمل بالتواطؤ مع الطرف الآخر. وفي حال رفضت المحكمة إقرار عودة النواب الصدريين إلى مقاعدهم، فإن هذه الاتهامات سوف تحظى بمقدار أوسع من التفهم. وهو موقف قد لا ترغب المحكمة في أن تجد نفسها فيه.
الصدر ربما يشعر الآن بأنه منح خصومه فرصة مجانية لكي يصبحوا هم “الكتلة الأكبر”، ليأخذوا بزمام المبادرة في العراق
ويؤكد المراقبون أن الصدر ربما يشعر الآن بأنه منح خصومه فرصة مجانية لكي يصبحوا هم “الكتلة الأكبر”، ليأخذوا بزمام المبادرة، بدلا من الموقف السلبي، المعطل، الذي كانوا فيه. وأنهم، أبعد من ذلك، استغلوا موقعهم الجديد لزيادة الضغوط عليه، والسعي لاستخدام كل ما توفر من أسلحة لفرض الهزيمة عليه، بما في ذلك انقلاب مرشده الروحي كاظم الحائري ضده، بل وإدانته ونكران انتسابه إلى “الصدرين”، أي أبيه محمد محمد الصدر وعمه محمد باقر الصدر. وهو ما كان بمثابة قنبلة تفجرت تحت مقعده.
وعندما نقل الصدر الاحتجاجات إلى مبنى البرلمان، فقد انقلبت الآية عليه مرة أخرى، بينما كان يستطيع أن يكسب الدعوة إلى حل البرلمان بسهولة من داخله، بدلا من الاحتجاجات التي تحولت إلى مصدر جديد لإدانته.
ويرى المراقبون أن التصور السائد لدى جماعات الإطار، هو أنها كلما حاصرت الصدر ورفضت مطالبه، فإنه سوف يرتكب المزيد من الأخطاء التي تؤدي إلى إظهاره كزعيم عشوائي، لا يعرف كيف يحقق مطالبه، عبر الوسائل الصحيحة.
وبينما هم يتقدمون لتعزيز مواقعهم بالتمسك بالإجراءات والسياقات الدستورية، فإنهم يظهرون كقوى دولة، بينما يظهر خصمهم كرجل اضطرابات وقلاقل، بل وربما كرجل غير مستقر أيضا.
وتعتبر الضحية الوحيدة، في هذه المواجهة، هي المطالب العادلة لمكافحة الفساد والتبعية لإيران، حيث ترى الكتل الوسطية، بمن فيها المستقلون، ونواب الحراك التشريني، أن المطالب المشروعة لا تخاض المعركة من أجلها بتقديم الانتصارات المجانية للطرف الآخر.
ولا يزال قياديون في التيار الصدري يراهنون على “التظاهرات السلمية” كسبيل لمواجهة خطط جماعات الإطار، إلا أن هذه التظاهرات، كما أثبتت تجربة العام 2019، لا تخيف جماعات الإطار، ولا ميليشياتها. وما لم تؤد إلى مواجهات دامية، فإنها لن تدفع حكومة الإطار إلى التخلي عما ترى أنه فرصتها الأخيرة لتقديم صورة جديدة لنفسها، بتقديم الخدمات، بدلا من ممارسة الفساد.
ويعتقد أن اللجوء إلى الشارع، ما لم يكن سببا لأزمة كبرى، فإن المرجعية الشيعية في النجف لن تتدخل بين طرفي النزاع. فهذه المرجعية ترى أنها مسؤولة عن منع تحول الأزمة إلى احتراب داخلي، ولكنها غير معنية بالحل الذي يتعين أن تصنعه أطراف الأزمة نفسها.
وسيضطر الصدر إلى التصعيد لكي يكسب موقفا يدعو إلى التهدئة، إلا أنه لن يكسب حلا ولا تأييدا من جانب هذه المرجعية. وحيث أنه بات بلا غطاء “مرجعي”، كان يوفره الحائري، فإنه أصبح في وضع الأعزل الذي لا يستطيع الخوض في مغامرات غير مضمونة النتائج. وقد تنتهي بإدانته من جانب مرجعية النجف، الأمر الذي سوف يكون بمثابة قنبلة أخرى أشد انفجارا تحت مقعده.
ويواجه الصدر مشكلة أنه لا يقبل النصيحة ولا يتشاور حتى مع أقرب مقربيه، ويتصرف على أنه صاحب القول الأول والأخير، بينما القيادة الصحيحة هي الاكتفاء بأن يكون صاحب القول الأخير، بعد أن يصغي إلى كل الأقوال الأخرى.
ويرى متابعون أن الصدر نادرا ما تشاور لدى إعداد خطواته، مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أو الرئيس برهم صالح. ودأب على تجاهلهما أحيانا، على الرغم من أنهما ظلا أقرب إليه من خصومه. وفشل في أن يستفيد مما لديهما من صلاحيات دستورية، أو من قدرتهما على إدارة الحوارات والبحث عن حلول.
ويرى المراقبون أن التراجع عن استقالة نواب التيار من البرلمان ليس ورقة الصدر الأخيرة فحسب، بل إنه ورقته الوحيدة الصحيحة.
صحيفة العرب