حذرت إستراتيجية أميركية رسمية أصدرتها قبل أيام، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي، من أنه لم يعد يتبقى سوى نافذة ضيقة من الوقت لمنع الصين من تحويل المنطقة المهمة بالنسبة لواشنطن إلى منطقة نفوذ خاصة بها.
ويعد الرئيس بايدن ثالث رئيس أميركي على التوالي يصنف آسيا كأولوية جيوإستراتيجية قصوى لبلاده، وهو النهج الذي بدأ مع إستراتيجية “التوجه نحو آسيا” في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وامتد إلى عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
وتشير الوثيقة، والملخصة بـ19 صفحة وهي الإستراتيجية الإقليمية الأولى التي تصدرها إدارة بايدن، إلى “التحديات المتزايدة” التي يشكلها صعود الصين كمحرك رئيسي “للتركيز الأميركي المكثف” على منطقة المحيطين الهندي والهادي.
وأكدت الوثيقة “أن الصين تجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية في سعيها إلى تحقيق منطقة نفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وتسعى إلى أن تصبح القوة الأكثر نفوذا في العالم”.
وجاء في الوثيقة “أن جهودنا الجماعية، على مدى العقد المقبل، ستحدد إذا ما كانت الصين ستنجح في تغيير القواعد والمعايير التي أفادت منطقة المحيطين الهندي والهادي والعالم خلال العقود الثلاثة”.
وقال خبير الشؤون الآسيوية بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ريتشارد روسو، “إن هذا بيان نوايا جيد؛ حيث تتطرق الإدارة الأميركية لمواضيع ومبادئ من المرجح أن يتردد صداها في المنطقة. ومع ذلك، يهتم شركاؤنا ومنافسونا أكثر بالإجراءات العملية التي تنبع من الإستراتيجية”.
واعتبر روسو “أن الجانب الإيجابي فيها هو الاستمرارية، فقد صمد التركيز على هذه المنطقة أمام التحولات السياسية الأساسية في واشنطن”.
أشارت الإستراتيجية إلى أن واشنطن قامت، خلال العام الماضي، بتحديث تحالفاتها طويلة الأمد، وعززت الشراكات الناشئة، وأقامت روابط مبتكرة فيما بينها لمواجهة التحديات الملحة من المنافسة مع الصين، إلى تغيير المناخ، وإلى مواجهة وباء كورونا وتهديدات كوريا الشمالية.
وتحدد الإستراتيجية الأهداف الخمسة الرئيسية التي تعتزم الولايات المتحدة تحقيقها بالتنسيق مع الحلفاء والمؤسسات الإقليمية، وهي دعم حرية الملاحة والتجارة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ودعم التنسيق بين دول المنطقة وخارجها، ودفع الازدهار الإقليمي، وتعزيز الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وبناء قدرة إقليمية على الصمود في وجه التهديدات العابرة للحدود الوطنية، وهيمنة الهواجس الأمنية.
حافظت الولايات المتحدة لمدة 75 سنة على وجود دفاعي قوي وثابت لدعم السلام الإقليمي والأمن في منطقة المحيطين الهادي والهادي.
وأشارت الإستراتيجية إلى عمل واشنطن على توسيع هذا الدور وتحديثه، وكذلك تعزيز قدراتها للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها.
ووفق الاستراتيجية، فسيتم تعزيز القوة الأميركية هناك عن طريق نقاط عدة من بينها، تعزيز الردع المتكامل، وتعضيد التعاون مع الحلفاء والشركاء للحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.
ولتعزيز القوة، بينت الاستراتيجية أنه سيتم عن طريق الابتكار من أجل العمل في بيئات التهديدات سريعة التطور، بما في ذلك الفضاء والفضاء الإلكتروني وكذلك مجالات التكنولوجيا الحيوية والناشئة، إضافة الى تعزيز الردع الموسع والتنسيق مع حلفاء واشنطن في كوريا واليابان والسعي إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل.
كما ستستمر الولايات المتحدة في الالتزام بمعاهدة “أوكوس” (Aukus) الأمنية مع المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وتوسيع الوجود البحري الأميركي والتعاون ضد التهديدات العابرة للحدود الوطنية الأخرى، والعمل مع الكونغرس لتمويل مبادرة ردع المحيط الهادي ومبادرة الأمن البحري.
ومن بين الثغرات الأكثر وضوحا في إستراتيجية إدارة بايدن؛ الغياب النسبي لخطة اقتصادية أميركية متماسكة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وتعِد واشنطن بإطلاق إطار اقتصادي بين دول المحيطين، في وقت لاحق من هذا العام، سيشمل “مضاعفة علاقاتها الاقتصادية مع المنطقة”، ولكن التفاصيل ما تزال محدودة في الوقت الراهن.
واهتمت الإستراتيجية بالجانب التجاري؛ إذ أشارت إلى أن “1.5 مليار شخص في منطقة المحيطين الهندي والهادي سينضمون إلى الطبقة الوسطى العالمية في هذا العقد من الزمن. كما سندفع الازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادي قدما”.
واعتبر بعض الخبراء أن الجانب الأكثر سلبية هو أن الإستراتيجية لا تعطي الكثير من الأمل في أن الولايات المتحدة سوف تدخل مرة أخرى في “الاتفاق الشامل والتقدمي التجاري للشراكة عبر المحيط الهادي” (CPTPP)، وحتى الآن ما يزال العنصر الاقتصادي في إستراتيجية المحيطين غامضا.
وشكك خبير العلاقات الأميركية الصينية -في مجلس العلاقات الخارجية- جوش كورلانتزيك في أن “الإستراتيجية تحتوي على ما يشير لاستعداد الولايات المتحدة للانضمام إلى منطقة التجارة الحرة مع دول المحيطين، ومن هنا لا تملك واشنطن أوراقا اقتصادية قوية للعب في مواجهتها مع الصين”.
وفي إفادة صحفية، أكد مسؤول أميركي رفيع “أن واشنطن ليس لديها ترف التركيز فقط على منطقة واحدة أو مشكلة واحدة في وقت واحد”.
وقد أدت أزمة أوكرانيا، واعتماد أوروبا المستمر على الولايات المتحدة كضامن أمني، إلى تعطيل جهود إدارة بايدن لتركيز المزيد من اهتمامها ومواردها على منطقة المحيطين الهندي والهادي خلال الأشهر الأخيرة.
وتدخل الولايات المتحدة حقبة جديدة من السياسة الخارجية التي “ستطالب الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي بأكثر مما طلب منها منذ الحرب العالمية الثانية”، كما تؤكد الإستراتيجية.
ومن جهة ثانية، تحاول الإستراتيجية رسم رؤية أكثر إيجابية لإشراك دول المنطقة في مواجهة التحديات المشتركة، التي على رأسها مواجهة تهديد الصعود الصيني للنظام الدولي القائم.
واعتبر روسو “أن الصين، إلى جانب كوريا الشمالية وروسيا، سوف تنظر إلى المبادئ التي تنص عليها الإستراتيجية باعتبارها تحديا لمصالحها؛ ذلك لأن تلك الدول تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة. ويبدو أن الصين، على وجه الخصوص، مهيئة للهيمنة الإقليمية على حساب العديد من جيرانها الساعين إلى السلام”.
ويتفق خبير العلاقات الأميركية الصينية كورلانتزيك مع الحديث بأن إدارة بايدن تتجه لتبني سياسات متشددة تجاه الصين.
وأشار كورلانتزيك -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن الإستراتيجية “لا تعتبر الصين عدوا، فهي لا تقول ذلك. ومن المؤكد أنها تلمح إلى أن الصين منافس رئيسي.
الغد