اعتمدت إيران على توظيف مصادر القوة المادية وغير المادية لتحقيق أهداف سياستها الإقليمية. وبتتبع دور طهران في الدول العربية التي اندلعت فيها صراعات واهتز الاستقرار السياسي خلال العقد الثاني من القرن الـ21، وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن، يتضح تباين أدوات التاثير الإيراني وفقاً لكل حالة على حدة. فهناك حالات تم الاعتماد فيها بشكل أساسي ومكثف على الأداة العسكرية، بينما تم استخدام أدوات التأثير الاقتصادي في حالات أخرى. وحتى استخدام الأداة العسكرية فقد اختلفت طبيعته ودرجته من حالة إلى أخرى. وهناك دول ساهم ما شهدته من اضطرابات خلال عام 2011 أو ما عرف باسم الربيع العربي في زيادة التغلغل الإيراني نتيجة لانهيار المؤسسات الوطنية فيها.
وما هيأ السياق الإقليمي أمام المشروع الإيراني نحو الهيمنة، هو سقوط المنافسين الإقليميين لطهران، كانهيار نظام حركة “طالبان” في أفغانستان عام 2001، والنظام البعثي بقيادة صدام حسين في العراق.
وقد شكلت دول الصراعات في الشرق الأوسط بيئة مناسبة لممارسة إيران تأثيرها، وقد اتخذ هذا التأثير مسارات عدة منها تقديم الدعم والتحالف لقوى موالية ومؤيدة لها، مثل العلاقة مع النظام السياسي الحاكم في كل من سوريا والعراق، والميليشيات الحوثية في اليمن، أو إنه اتخذ مسار خلق قوى مؤيدة وصديقة مثل “حزب الله” في لبنان، وكذلك تأسيس بعض الميليشيات المسلحة التي ينتمي أعضاؤها إلى المذهب الشيعي مثل كتائب “حزب الله” العراقي و”عصائب أهل الحق”، وكلها نماذج واضحة في الحالة العراقية.
وساهمت الانقسامات المذهبية والاجتماعية والسياسية في بعض الدول العربية المجاورة لإيران في تمكينها من تحقيق هذه الاختراقات والتدخلات، فعملت على تعميق العلاقات مع الفاعلين في غير الدول، وتغيير ميزان القوى لمصلحتها في مواجهة سلطات الدول تلك. وأبرز الأمثلة على الاستراتيجية الإيرانية هي حالة “حزب الله” في لبنان و”حركة أنصار الله” في اليمن، وتجلت تداعيات العلاقة مع هذين الفاعلين في تعميق الانقسامات بين طوائف المجتمع والنخب وإطالة أمد الصراعات، بل أحياناً تطورت الصراعات والانقسامات لحروب أهلية.
ومن تحليل التدخل الإيراني في دول الصراعات، نجد إيران اتبعت استراتيجية متعددة الأبعاد، إذ اعتمدت الأدوات السياسية والأيديولوجية والعسكرية والاقتصادية.
وقد انقسمت الأداة السياسية إلى أشكال متعددة ومتنوعة، باختلاف الظروف الذاتية والداخلية لكل حالة، ففي بعض الحالات عملت على بناء نظام سياسي حليف والتحكم في العملية السياسية، عبر تأييد إعادة تاسيس نظام الحكم على أساس طائفي، واتباع سياسة “الفوضى المدارة أو المحكومة”، كما تدخلت إيران لضمان أن تتولى الحكم نخبة موالية لها، فضلاً عن الانفتاح على طوائف أخرى، والحالة الأوضح هنا هي دولة العراق. وعملت طهران على تشكيل قوى مذهبية موالية، ويتجلى هنا التوظيف الإيراني للأيديولوجية، وقد شمل ذلك العراق حيث حاولت إيران منافسة الحوزات الدينية في النجف وتوطيد العلاقات الثقافية والدينية بين الشعبين العراقي والإيراني. أما في اليمن فوفرت المرجعيات الدينية الإيرانية التدريب الديني والأدوات التعليمية لليمنيين في إيران واليمن. أما على مستوى الأداة العسكرية فقدمت إيران مختلف أشكال الدعم العسكري إلى حلفائها لتمكينهم عسكرياً وأمنياً ودمجهم سياسياً في العملية السياسية لمنافسة مؤسسات الأمن القائمة مثل “الحشد الشعبي” في العراق. ويتجلى هذا الدعم في حالة “حزب الله” في لبنان منذ تأسيسه في الثمانينيات. أما في بقية مساحات التأثير الإيرانية فزادت أهمية الدعم العسكري بشكل كبير والاعتماد عليه بعد اضطرابات 2011، التي ضعفت وانهارت معها دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن، فضلاً عن ظهور تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
اندبندت عربي