نشر موقع “ناشونال إنتريست” مقال رأي للزميل في معهد “ديفنس برايوراتيز” جيف لامير، قال فيه إنالوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وإن كانت كلفته منخفضة جدا، إلا أن يواجه مخاطر كبيرة أكثر من أي وقت مضى.
وقال الكاتب إن العقيدة العسكرية الأمريكية في سوريا عام 2023 ستكون “وداعا للجديد وأهلا بالقديم”.
فرغم عودة القوات الأمريكية لعملياتها بعد توقف قصير نتيجة ضرب الطيران التركي قواعد للجماعات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، إلا أن الوجود الأمريكي لا يزال محفوفا بالمخاطر. وقال الكاتب إن قرار واشنطن دعم المسلحين منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، كان كارثيا، وأدى لظهور تنظيم الدولة الإسلاميةوالجماعات المتشددة الأخرى.
ومع الفوضى التي أحدثها التدخل وهزيمة تنظيم الدولة في النهاية، ظل التبرير الأمريكي لنشر القوات في سوريا مشوشا وبشكل متزايد. والآن، فالمنطق المنحرف الذي تستخدمه الإدارة لنشر القوات الأمريكية هو حماية نفس القوات. وظلت هذه الدورة القائمة على التوصل لحل لكل مشكلة، مستمرة لوقت طويل. وفي الوقت الذي ظلت فيه استراتيجية واشنطن جامدة، إلا أن الوضع ظل متحركا ومحفوفا بالمخاطر. فالمقذوفات الصاروخية التي أطلقها الجيش التركي على مواقع أكراد سوريا سقطت على بعد 130 ياردة من القوات الأمريكية.
وتتعامل تركيا مع حلفاء واشنطن الأكراد بأنهم إرهابيون، في وقت زاد التفجير الأخير بمدينة إسطنبول من احتمالات عملية عسكرية تركية جديدة. وتركيا هي عضو في الناتو، وعلقت طلبات العضوية التي تقدمت السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف، بسبب دعم هذين البلدين للمتمردين الأكراد.
ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة لن تحقق الكثير من مواصلة تورطها في نزاع مستمر منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي. وأكثر من هذه، فمواصلة استعداء تركيا، سيؤثر على تماسك حلف الناتو، إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريقة التي تتعامل فيها تركيا مع التهديدات الإرهابية. ويعلق الكاتب أن الوجود العسكري الأمريكي استنفد كل أهدافه المنشودة. ففي الأسابيع الماضية، خسر تنظيم الدولة وللمرة الثالثة زعيمه بسبب غارة جوية.
وتوقف حلفاء أمريكا الأكراد عن القيام بعمليات ضد تنظيم الدولة. والسؤال عن السبب الذي تعبّر فيه واشنطن عن استعدادها لتعريض حياة الجنود الأمريكيين لقتال عدو أصبح من المخلوقات المعرضة للانقراض. وكانت هناك أسباب تدعو لسحب القوات الأمريكية من سوريا، حتى قبل العملية التركية الأخيرة، فالميليشيات التي تدعمها إيران تستهدف وبشكل منظم القوات الأمريكية في العراق وسوريا. ويجب على أمريكا الابتعاد عن المخاطر.
وستظل هذه الميليشيات تستهدف القوات الأمريكية حتى تجبرها على الانسحاب. فالخروج لا يعني التخلي عن المبادرة أو الاعتراف بالهزيمة، بل اعترافا بأن استراتيجية ملاحقة وقتل الطريدة لم تؤد لنتائج. وواجب الولايات المتحدة هو من أجل الشعب الأمريكي، وليس لعملية تقوم على تفكير مشكوك فيه، وبنتائج غير معروفة. ولا تعتبر سوريا مصلحة جوهرية للولايات المتحدة، فهي تقع على هامش المنطقة التي لم تعد الولايات المتحدة تؤكد عليها في استراتيجيتها الدفاعية.
وبالمقارنة، سوريا مهمة لإيران، فهي جزء من استراتيجية الردع والشبكة الدينية المرتبطة بالمؤسسة الإيرانية. وفي الوقت الذي تعتبر الولايات المتحدة اللاعب الأكبر، إلا أن إيران مستعدة للمخاطرة بكل شيء كي تحافظ على حضورها في سوريا، وهذا يعني دعم هجمات محفوفة بالمخاطر لإجبار أمريكا على الانسحاب من سوريا.
ويبدو احتلال سوريا عملية غير مكلفة لأمريكا، لكن ليس هذا هو الواقع. ومع أن حجم القوات لا يتجاوز 900 جندي، إلا أن الأرصدة والجهود الضرورية للحفاظ عليها تبدو مكلفة. كما أن الكلفة القليلة لا تأخذ بعين الاعتبار مخاطر التصعيد مع إيران التي قد تكون مدمرة على القوات الأمريكية في منطقة الخليج. فهناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في الكويت والعراق والسعودية والإمارات وقطر، الواقعين في مدى ضربات إيران.
وتواصل واشنطن إنفاق المال والتضحية بالأرواح في نزاع مفتوح قد يعرقل حياة ملايين المدنيين. فمن السهل تأييد هذه العملية، إلا أن رائحة الفشل تفوح منها لتجنب تغيير هذا الشكل الفاشل والذي مضى عليه عقد من الزمان. والخسارة في هذه العملية تذهب أبعد من ساحة المعركة، فأثرها يطال الأمهات والأطفال والعائلات التي تخاف من نشر القوات خشية موت أبنائها. وحان الوقت لأن تنهي واشنطن هذا الصداع وتجلب القوات إلى الوطن.
القدس العربي