طلب بوتين من تركيا الاعتذار عن إسقاط طائرة “السوخوي” التي أسقطت على الحدود التركية السورية الثلاثاء الماضي، إلى جانب تقديم التعويضات عن الخسائر المادية، وتعويض الضرر النفسي لعائلات الطيّارين؛ ما دفع الصحف الإسرائيلية إلى التذكير بحادثة سفينة “مرمرة” التركية التي تسببت بأزمة دبلوماسية وخلّفت تصدعات سياسية عميقة بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن المقارنة بين الحدثين فيها تضليل، إلا أن التعامل التركي مع الأزمة مع روسيا حتى الآن يشبه، بحسب الرؤية الإسرائيلية، تعامل حكومة نتنياهو مع الطلبات التركية في حينه، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفض الاعتذار وتجاهل طلب تقديم التعويضات، بالمقابل ردّت روسيا بجملة من العقوبات الاقتصادية على تركيا.
وبالنظر إلى العقوبات التي أعلنت روسيا عن فرضها على تركيا، يرى محللون أنه على الرغم من نبرة بوتين المرتفعة في الخطاب والإصرار الذي أبداه خلال تصريحاته وتعليماته الجديدة، إلا أن تقدير جدية العقوبات يتطلب الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل أخرى مثل الوضع الاقتصادي الروسي الداخلي والمصالح التركية الروسية.
وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي الإسرائيلي لصحيفة “هآرتس” العبرية، تسبي بارئيل، أنه توجد بين تركيا وروسيا شبكة علاقات استراتيجية ليس من مصلحة أحد أن تُهدم. فبالنسبة لروسيا، تركيا كانت الطريق الاقتصادية التي سلكتها لمواجهة التأثيرات الهدّامة لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي فرضت عليها كرد فعل على التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا.
على ضوء ذلك، تزوّدت روسيا عام 2014 بمنتجات زراعية تركية بلغت قيمتها 4 مليارات دولار. كما أن خط الغاز الذي سوف يربط بين روسيا وأوروبا من المفترض أن يمر عبر تركيا، كما بلغ حجم التجارة بين البلدين في العام الماضي أكثر من 33 مليار دولار، ووقعت نهاية عام 2014 سلسلة من الاتفاقيات كجزء من خطة زيادة حجم التجارة لتصل 100 مليار دولار حتى عام 2020.
بالمقابل، تستورد تركيا غالبية حاجتها من الغاز من روسيا، كما أنها تعتمد عليها بشكل أساسي كممر لخط تجارتها الذي يزود غالبية الدول المحيطة بروسيا، دول الاتحاد السوفييتي السابق، بالبضائع والمنتجات التركية، خاصة كزاخستان وطاجكستان.
وعليه، وبالنظر إلى شبكة المصالح الاستراتيجية المتشبعة هذه يمكن ملاحظة أن جملة العقوبات التي أعلنت روسيا عن فرضها لا تمس بشكل كبير بها. فهي لم تهدد بإغلاق خط الغاز أو تقليل حجم تصديره لتركيا، كما لم تهدد بقطع الطريق على التجارة التركية مع دول الجوار.
وهنا يقول بارئيل إن التوصية التي وجهتها روسيا لمواطنيها بعدم السفر إلى تركيا “حتى الآن تبقى في حيز التصريحات”، وهناك شكوك حول تأثيرها لكون موسم السياحة في تركيا لن يبدأ قبل 6 شهور من اليوم، وهي فترة كافية لتحسين العلاقات وانتهاء الأزمة باحتوائها.
إلى جانب ذلك، من الصحيح أن روسيا جمّدت الرحلات الجوية إلى تركيا، إلا أن رحلات شركات الطيران التركية بقيت كما هي، كما أن تأجيل تنفيذ قرار إلغاء ميزة إعفاء الأتراك من التأشيرة لدخول روسيا لا يدل على أن هناك “أخطاراً أمنية عاجلة” تقف أمام روسيا، إنما يدل على نيّة قائمة لتحسين العلاقات خلال الشهر القريب.
وبالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية التي تربط البلدين، وعلى الرغم من الخلاف السياسي الجذري حول الأسد، إلا أن روسيا وتركيا تتفقان على ضرورة التوصل لحل سياسي، ولا تزال تركيا تستمر في التنسيق الاستخباراتي مع روسيا لرصد تحركات تنظيم “الدولة” في سوريا وتزويد الجيش الروسي بالمعلومات حول ذلك، كما أعربت تركيا عن استعدادها لزيادة هذا التعاون.
وتأكيداً لذلك قال البروفيسور شان كوكس، المتخصص بالشأن الروسي، لـ”الخليج أونلاين”، إن الأزمة الحالية بين تركيا وروسيا من المتوقع أن تنتهي خلال أشهر، وإن تجارب بوتين السابقة مع فرض العقوبات على دول أخرى تؤكد أن الخلاف الدبلوماسي لن يستمر طويلاً، إنما هو مرحلة مؤقتة يريد فيها بوتين تأكيد سيادته وحفظ صورته كقائد قوي.