يبدو أن أنقرة وموسكو أصبحتا بوارد ضرورة مشاركة إيران في مسار التطبيع بين تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعدما تصاعد الحديث مؤخراً عن تأنٍّ في خطوات التطبيع.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إن بلاده «ترحب بانضمام إيران إلى المحادثات التي تجريها مع سوريا بوساطة روسية»، مضيفاً أن وجود إيران في المحادثات يسهّل القضاء على التهديدات الإرهابية لتركيا من الأراضي السورية، وتأمين حدودها، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وديارهم بشكل آمن ومشرّف وطوعي.
تصريحات كالين، التي أدلى بها في أنقرة، أمس (الأربعاء)، جاءت بعد ساعات من تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو تدعم اهتمام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بتسوية وتطبيع الأوضاع بشكل عام بين الجارتين، تركيا وسوريا.
وأضاف لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري، في موسكو، أول من أمس (الثلاثاء)، أنه «تم التوصل، اليوم (أول من أمس) إلى اتفاقية تهدف إلى مشاركة إيران في هذه العملية (محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق)»، معتبراً أنه «من المنطق أن تكون الاتصالات المقبلة مخصصة لتطبيع العلاقات التركية – السورية بوساطة من روسيا وإيران (الدولتين الضامنتين مع تركيا لمسار أستانة)».
أضاف لافروف: «فيما يخص المواعيد والصيغ المقبلة، على المستويين العسكري والدبلوماسي، يتم العمل على ذلك… يجب علينا أن نمضي حثيثاً للتوصل إلى نتائج محددة».
وأكد لافروف وشكري ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها، وحل الأزمة فيها سياسياً، واحترام حقوق مواطنيها في تقرير مصيرهم ومصير دولتهم.
جاءت تصريحات لافروف بشأن إشراك إيران في مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، بعد أقل من يوم واحد على تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكد فيها أن هناك ضرورة لاستمرار اللقاءات بين بلاده وروسيا وسوريا، مع إمكانية انضمام إيران، من أجل الوصول إلى تحقيق الاستقرار في شمال سوريا.
وقال إردوغان إن علاقات بلاده بروسيا «قائمة على الاحترام المتبادل» وعلاقته بنظيره فلاديمير بوتين «مبنية على الصدق»، مضيفاً: «رغم أننا لم نتمكن من الحصول في الوقت الراهن على النتيجة التي نرغب فيها، فيما يخص التطورات شمال سوريا، فإننا ندعو لعقد اجتماعات ثلاثية بين تركيا وروسيا وسوريا».
وأضاف إردوغان، خلال لقاء مع مجموعة من الشباب، ليل الأحد – الاثنين، في إطار حملته للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل: «لتجتمع تركيا وروسيا وسوريا، ويمكن أن تنضم إيران أيضاً، ولنعقد لقاءاتنا على هذا المنوال، لكي يعم الاستقرار في المنطقة وتتخلص من المشكلات التي تعيشها. وقد حصلنا وما زلنا نحصل وسنحصل على نتائج في هذا الصدد».
وألقت تصريحات إردوغان، على ما يبدو، حَجَراً في المياه التي كان قد بدأ يصيبها الركود، بشأن مسار التطبيع مع دمشق، حيث عبّر نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، عن استعداد موسكو لمساعدة النظام السوري في تطبيع علاقاته مع جيرانه بالشرق الأوسط، بمن فيهم تركيا، مؤكداً على «الدور القيادي لمسار (أستانة)».
وقالت الخارجية الروسية، في بيان، الاثنين، عقب لقاء بوغدانوف مع نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان في موسكو، حيث بحثا الوضع في سوريا، وجهود تعزيز التسوية الشاملة في البلاد، إنه «أثناء النظر في مهام التطور التدريجي لحوار دمشق مع البيئة الإقليمية، كعنصر مهم في تسوية شاملة طويلة الأجل في سوريا، أكد الجانب الروسي من جديد استعداده لمواصلة تقديم المساعدة اللازمة، بما في ذلك لصالح تطبيع العلاقات السورية – التركية، وفق مبادئ الاحترام غير المشروط لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية».
وأشار البيان إلى أن الجانبين تبادلا وجهات النظر حول الوضع في سوريا، مع التأكيد على مهام تعزيز التسوية الشاملة في سوريا، وأن بوغدانوف وسوسان شددا على الدور الريادي لصيغة «أستانة» وأهميتها، وأكدا على تكثيف العمل البنَّاء للجنة الدستورية السورية.
وسبق أن عُقدت لقاءات لفترة طويلة بين أجهزة المخابرات في تركيا وسوريا بوساطة من روسيا، تطورت إلى عقد اجتماع على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في الدول الثلاث، في موسكو، 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في إطار مسار لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، تسعى إليه روسيا.
وكان مقرراً أن يلتقي وزراء خارجية الدول الثلاث خلال النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي، تمهيداً لعقد لقاء على مستوى رؤساء الدول الثلاث، اقترحه إردوغان؛ لكن إعلان دمشق عن شروط تتعلق باستمرار مسار محادثات التطبيع، أهمها انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، ووقف أنقرة دعمها للمعارضة السورية، وإدراج الفصائل المسلحة الموالية لها ضمن ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» على قائمة التنظيمات الإرهابية، ألقى بظلال على إيقاع المحادثات.
وبعد أن كان الحديث يجري عن عقد لقاء وزراء الخارجية في يناير، تم تعديل الموعد إلى أول فبراير (شباط) الحالي، ثم إلى منتصفه.
وتحدثت أنقرة عن الحاجة لعقد لقاء ثانٍ لوزراء الدفاع، قبل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية، وهو ما اعتُبِر بمثابة تراجع أو تباطؤ في مسار التطبيع الذي ترعاه روسيا، وسط حديث عن تدخل إيراني دفع النظام السوري إلى التأني في خطواته.
وزار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، تركيا، في 17 يناير، بدعوة من نظيره، مولود جاويش أوغلو، واستقبله الرئيس رجب طيب إردوغان أيضاً، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة لدمشق. وأكد في المناسبتين «ترحيب» طهران بالتقارب بين أنقرة ودمشق.
وحتى الآن لم تصدر أي تصريحات جديدة بشأن موعد اجتماع وزراء الدفاع أو وزراء الخارجية في كل من تركيا وروسيا وسوريا؛ لكن لم تصدر أيضاً إشارات قاطعة إلى وقف مسار التطبيع، وهو ما عززته التصريحات الجديدة لإردوغان التي تسبق زيارة محتملة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى أنقرة، جرى تأجيلها، الشهر الماضي، بسبب أجندة الرئيس الإيراني المزدحمة.
وبدا مؤخراً أن أنقرة باتت تتمهل في تصريحاتها وخطواتها للتطبيع مع نظام الأسد، بعد زيارة جاويش أوغلو للولايات المتحدة للمشاركة في اجتماع الآلية الاستراتيجية للعلاقات التركية – الأميركية، في 18 يناير، بعد يوم واحد من زيارة عبد اللهيان لتركيا.
وكانت واشنطن قد أعلنت صراحة رفضها «أي تقارب من جانب أي دولة مع النظام»، بينما تطالب تركيا كلاً من الولايات المتحدة وروسيا بتنفيذ تعهداتهما بإبعاد عناصر «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، عن حدودها لمسافة 30 كيلومتراً، بهدف إقامة حزام أمني واستكمال المناطق الآمنة لاستيعاب اللاجئين السوريين لديها.
الشرق الاوسط