قد لا تكون الخطوة الأخيرة التي لجأ إليها النظام الإيراني بالذهاب إلى خيار الحوار مع السعودية والسعي إلى تصفير المشكلات والخلافات معها، بعيدة من مصادر القلق حول مستقبل السلطة في إيران في ظل أو إمكان تفجر الخلافات بين مراكز القرار والأطراف الطامحة للامساك بمستقبل العملية السياسية والقرار من خلال التحكم بآليات انتخاب المرشد الثالث والقائد الجديد للنظام.
لا شك في الخطوة الدراماتيكية التي شكلت مفاجأة للحلفاء قبل الخصوم بالإعلان عن توقيع اتفاق أقل ما يقال عنه أنه إستراتيجي له وتأثيرات مباشرة وبعيدة المدى على مستقبل الإقليم وتحالفات وتوازنات منطقة غرب آسيا، بخاصة على الجزء العربي منها بمحورية الدول الخليجية، وهي خطوة لم تحصل بعيداً من الهواجس ومصادر القلق التي تشغل المرشد الأعلى للنظام ومستقبل إيران واستقرارها، بخاصة أنه يعتبر الجهة والموقع الذي يملك حصرياً صلاحيات رسم السياسيات الخارجية والإستراتيجية والعلاقات الخارجية للنظام، وبالتالي فإن أياً من مواقع القرار في منظومة السلطة لا يمكن، مهما امتلك من نفوذ أو قدرة على التحرك، أن يلجأ إلى اتخاذ مثل هذا القرار بعيداً من موافقة وقبول المرشد، على الأقل في الشكل، ومن هنا جاء تكليف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني بقيادة المفاوضات مع الجانب السعودي وتحت رعاية وضمانة صينية بهدف إبعادها من صراعات الأجنحة وتجاذباتها داخل السلطة التنفيذية والحكومة، ولضمان الوصول بها إلى النتائج التي تؤسس للعبور إلى مرحلة من الهدوء وخفض التوترات وإقفال أهم الملفات التي تشكل مصدر قلق حول مصيرها وآليات حلها في حال حصل فراغ في موقع القيادة.
ويكشف أداء الحكومة الإيرانية أنه يفتقر إلى حسّ المبادرة في وضع سياسات اقتصادية قادرة أو تساعد في التوصل إلى آليات فاعلة لمعالجة الأزمات الاقتصادية المتراكمة التي باتت تثقل كاهل الإيرانيين وتنذر بإمكان حصول انفجار جديد أكثر تعقيداً وأشد أثراً من أي تحرك سابق حصل على خلفيات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وأن رأس السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي يبدو وكأنه ينتظر أن تأتيه الحلول من الجهات التي تملك مفاتيح القرار والمبادرة، إذ تحول إلى مدير للوقت حتى تفرج هذه الجهات، بما فيها القيادة العليا للنظام والمنظومة الممسكة بالسلطة عن القرار الإستراتيجي الذي يفتح الطريق أمام الحلول في عدد من الملفات وفي مقدمها الملف النووي والمفاوضات حوله، ويحمل معه مؤشرات للبدء بعملية إنقاذ اقتصادي تأتي من خارج الحكومة وتجعلها صاحبة الإنجاز الذي سبق أن وعدت به مع رئيسها في معركة الانتخابات الرئاسية وشيطنة الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه السياسي والاقتصادي.
أما خلال الفترة الماضية التي قاربت السنتين من عمر الحكومة الجديدة فيبدو أن تركيز رئيسها لا ينصب على المبادرة ووضع الحلول للأزمات الاقتصادية والسياسية أكثر من اهتمامه بمعركة الخلافة، وكيف يكون الخيار الأوحد والأول بين المتنافسين لدى مراكز السلطة المقررة بين المتنافسين للوصول، ليكون المرشد الثالث للسلطة والدولة.
وأمام تعدد الطامحين لشغل هذا المنصب وتولي موقع القيادة يبدو أن الجهة التي من المحتمل أن تلعب الدور الأساس والمقرر في مستقبل النظام بدأت التفكير في إمكان الذهاب إلى خيار مختلف لا يخرج عما جاء في الدستور الإيراني في مادته رقم (111) مع التوسع في آلياتها بشكل موقت، بناء على ما تفرضه المرحلة كحالة استثنائية، إذ يتم إخراج موقع المرشد من القيادة الفردية ونقله إلى القيادة الجماعية.
وبما أن هذه المادة الدستورية قد نصت على أنه “في حال وفاة القائد أو استقالته أو عزله يتولى الخبراء بأسرع وقت تعيين القائد الجديد وإعلان ذلك، وحتى يتم إعلان القائد يتولى مجلس شورى مؤلفاً من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور منتخباً من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام، جميع مسؤوليات القيادة بشكل موقت، وإذا لم يتمكن أحد المذكورين من القيام بواجباته في هذه الفترة لأي سبب كان فيعين شخص آخر في مكانه بقرار يتخذه مجمع تشخيص مصلحة النظام بأكثرية الفقهاء فيه”. والاتجاه قد يذهب إلى توسيع قاعدة المشاركين في قيادة المرحلة الانتقالية وتوسيع المدة الزمنية لها بحيث تخرج عن القيادة الموقتة إلى مرحلة القيادة المسكوت عنها، كما حصل مع انتخاب المرشد الحالي خليفة للمؤسس.
ومن المتوقع أن يكون المبدأ الذي سيعتمد في توسيع هذه القيادة ألا تكون محصورة في الشخصيات الثلاث التي حددتها هذه المادة، بل الذهاب إلى قيادة خماسية بأن يختار مجمع تشخيص مصلحة النظام شخصيتين تمثلان الحوزة الدينية باعتبارها المؤسسة المرجعية التي توفر الغطاء والشرعية الدينية لهذه القيادة، وتذهب التقديرات في هذه الحال أن يكون نجل المرشد الحالي مجتبى أحد الأشخاص الذين سيتم اختيارهم لتأمين غطاء استمرارية السياسات التي كان المرشد يتولى رسمها وإدارتها.
وانطلاقاً من الصلاحيات التي تعطيها المادة (111) لمجلس القيادة وتختص في جزء من صلاحيات المرشد كقيادة منفردة، فهي صلاحيات ذات طابع أمني وعسكري وإستراتيجي لأنها محددة في رسم السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وإعلان الحرب والسلام والنفير العام، ويتولى مهمة تعيين وعزل وقبول استقالة كل من رئيس أركان القيادة المشتركة والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية والقيادات العليا للقوات المسلحة، إضافة إلى عزل رئيس الجمهورية مع أخذ مصالح البلاد في الاعتبار بعد صدور حكم المحكمة العليا بمخالفته وظائفه الدستورية أو بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية وفقاً للمادة (89) من الدستور، ولذلك فإن الجهة المؤهلة للعب دور مقرر في خلفية المشهد ستكون المؤسسة العسكرية، وتحديداً مؤسسة حرس الثورة الإسلامية، التي سيكون لها الكلمة الفصل في تشكيل مجلس القيادة واختيار شخصياته، وأن تتعامل مع هذا التطور كمرحلة انتقالية مما يسمح لها بالتقاط الأنفاس والتمهيد لأي قرار قد تجده منسجماً مع مصالح إيران القومية والإستراتيجية التي هي مصالحها في الوقت نفسه، وبالتالي نقل طبيعة السلطة في إيران مما هي عليه الآن إلى طبيعة مختلفة تكون منسجمة مع طابع هذه المؤسسة ونظرتها إلى آليات الحكم والسلطة التي قد تكون بعيدة من الشراكة مع المؤسسة الدينية مع الاحتفاظ بالطابع الديني للسلطة والنظام، وبالتالي نقل طبيعة السلطة في إيران مما هي عليه الآن إلى طبيعة مختلفة تكون منسجمة مع طابع هذه المؤسسة ونظرتها إلى آليات الحكم والسلطة التي قد تكون بعيدة من الشراكة مع المؤسسة الدينية مع الاحتفاظ بالطابع الديني للسلطة والنظام.
اندبندت عربي